تصاعُد التوتر في الضفة: تحديات وتوصيات

ميخائيل ملتشتاين.jpeg
حجم الخط

وكالة خبر

 

 



في الأسابيع الأخيرة، برز ارتفاع كبير في التوترات بالمنظومة الفلسطينية، ناجم عن تضافُر 3 أزمات متشابكة ومرتبطة ببعضها، وتؤثر في بعضها البعض:
- ازدياد الاشتباكات على الأرض، المترافقة مع ازدياد عدد الإصابات في الجانب الفلسطيني (أغلبيتهم من المسلحين المتورطين في مواجهات مع الجيش الإسرائيلي)، مع جهد تبذله «حماس» و»الجهاد الإسلامي» للدفع قدماً بتنفيذ عمليات في مناطق السلطة الفلسطينية العاجزة عن السيطرة عليها، خصوصاً في شمال الضفة.
- القطيعة العميقة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، على خلفية التحرك الفلسطيني باتجاه المحكمة الجنائية الدولية بشأن وضع السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية، الأمر الذي تسبب بعقوبة اقتصادية (خصم الأموال التي تدفعها السلطة لعائلات المخربين» من الضرائب التي تجبيها إسرائيل)، مع تلميحات من مسؤولين إسرائيليين كبار - بالأساس الوزير سموتريتش - إلى «عدم ضرورة» استمرار وجود السلطة. وفي الخلفية، قرار الحكومة نقل جزء من صلاحيات منسّق أنشطة الحكومة في المناطق إلى سموتريتش، الأمر الذي يثير مخاوف فلسطينية ودولية من بدء فرض السيادة الإسرائيلية تدريجياً على الضفة تحت ستار تغيير تنظيمي.
- إشارات القلق المتزايد من جانب المنظومة الدولية، خصوصاً من جانب الإدارة الأميركية، بشأن قيام إسرائيل بتغيير الواقع في الضفة العربية من نوع «ضم زاحف»، وزعزعة مكانة السلطة.
من المتوقع أن يؤدي استمرار التوجهات الحالية إلى تقويض الواقع القائم بصورة تفاقم حدة التحديات التي تواجهها إسرائيل. إن فرض قيود على الدعم المالي للسلطة يمكن أن يؤدي إلى تقويضها، ويفرض على إسرائيل القيام، بدلاً منها، بالتزاماتها المدنية التي من الصعب على السلطة القيام بها، وهو ما سيقرّب إسرائيل من واقع الدولة الواحدة، بالإضافة إلى هذه القيود هناك التداعيات المحتملة لعدم استقرار الوضع الاقتصادي في إسرائيل (الناجم، من بين أمور أُخرى، عن الأزمة الحادة في موضوع الإصلاحات القضائية)، والتي يمكن أن تؤذي المواطن الفلسطيني، وتزيد من إمكانية تطوُّر احتجاج شعبي واسع، كما أن الأزمة الحادة بين إسرائيل والسلطة يمكن أن تتطور إلى وقف التنسيق الأمني [وهذا ما حدث مؤخراً] الذي يمكن أن يترافق مع انزلاق عناصر الأجهزة الأمنية إلى «الإرهاب»، بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تفرض دول وشركات اقتصادية عقوبات ضد إسرائيل، خصوصاً مع بروز حجة أن إسرائيل تعمل على إحداث تغيير تدريجي للواقع في الضفة الغربية.
إن التحدي المركزي المتوقع تطوُّره هو في منتصف آذار مع حلول شهر رمضان. في الأعوام الأخيرة ترافق شهر رمضان مع عيد الفصح ومع يوم استقلال إسرائيل، وهو ما يشكل خلفية لزيادة التوترات الأمنية. وضمن هذا الإطار، من المتوقع أن يزداد التحدي الأمني، سواء في القدس الشرقية أو في الضفة الغربية، وفي المجتمع العربي داخل إسرائيل، وفي قطاع غزة. وفي الخلفية، هناك العاصفة الداخلية في إسرائيل جرّاء الخطوات التي اتخذتها الحكومة في مجال القضاء والثقافة والاقتصاد، الأمر الذي سيجعل من الصعب بلورة إجماع وشرعية داخلية لسيناريو مواجهات خارجية.
لذا، نوصي الحكومة باتخاذ الخطوات التالية:
1- العمل على استقرار الوضع المدني في الضفة، وتجنُّب خلق صلة مباشرة بين إسرائيل والجمهور الفلسطيني خارج السلطة الفلسطينية. وهذا يفرض على إسرائيل حالياً الامتناع (أو الحد) بقدر المستطاع من فرض عقوبات اقتصادية كارثية يمكن أن تقوّض مكانة السلطة وتمسّ بنسيج الحياة المدنية في الضفة.
2- الامتناع عن خطوات يعتبرها المجتمع الدولي تغييراً في الواقع في الضفة.
3- تجنيد لاعبين خارجيين من أجل المحافظة على الهدوء النسبي في المنظومة الفلسطينية. وفي هذا الإطار، يبرز دور الأردن فيما يتعلق بالحرم القدسي (والذي كان في خلفية زيارة رئيس الحكومة إلى عمّان، حيث تعهّد عدم المسّ بالوضع القائم في الحرم) ودور مصر حيال السلطة، وقطر حيال «حماس» في قطاع غزة.
4 - كبح مسعى «حماس» لإشعال الضفة. جزء كبير من هذا المسعى يقوم على التمييز بين القطاع، حيث يسود هدوء غير مسبوق، وبين الضفة التي تسجل تصعيداً لم نشهده منذ عشرات الأعوام.
إذا انتهجت إسرائيل هذه الخطوات، فيمكنها تحقيق تهدئة نسبية خلال شهر رمضان القريب. لكن التهدئة في الضفة أو غزة ليست إنجازاً إستراتيجياً يؤمّن استقراراً لوقت طويل، بل هي هدف تكتيكي ومؤقت. يتعين على إسرائيل توجيه جهدها واهتمامها نحو نقاش معمّق لإستراتيجيا بعيدة الأمد لها تتعلق بالمنظومة الفلسطينية، وهو أمر لم تفعله منذ أعوام كثيرة. ومثل هذا النقاش سيسمح لإسرائيل بأن ترى أنها أمام خيارين إستراتيجيين يجب أن تختار بينهما في وقت قريب: «الارتقاء» إلى واقع الدولة الواحدة (من دون تخطيط أو إرادة) أو قرار الانفصال من جانب واحد، حيث يتضاءل الأمل بتحقيق رؤيا الدولتين وسائر الأفكار الأُخرى لإدارة النزاع، لهما أمل ضئيل. هذا النقاش سيسمح لإسرائيل بأن ترى أنها تقف أمام الاختيار بين السيئ والأسوأ، بحيث يبدو أحياناً أنه من الأفضل لها قبول السيئ الموجود، على الرغم من مساوئه، كي لا تكون في مواجهة خيارات أكثر سوءاً بكثير.

  عن «معهد السياسات والإستراتيجيا»