أي قراءة للمشهد المتصاعد في فلسطين، بما فيها تلك القراءات البلاغية التي تطغى على السطح بعد كل مواجهة، والمصابة ببرامج الفصائل ومخيلة فقيرة غير قادرة على اختراق المصالح الصغيرة لهذه المكونات، لا تستطيع تجاهل الدور المركزي الذي يلعبه الانقسام في إضعاف وهلهلة الموقف الوطني الفلسطيني، أو الالتفاف على دورها في إدامته وتدويره وإعادة إنتاجه بحجج جديدة في كل مرة.
الشعب يكاد يبدو وحيدا في مواجهة فاشية الاحتلال المنفلتة، التي أخذت طوراً جديداً مع ائتلاف نتنياهو وبن غفير وسموتريتش، ويبدو مكشوفا وهو "يتعرض" للانقسام الذي يواصل المنقسمون تغذيته فيما يشبه نزعة انتحارية تحكمت في كل شيء.
ستبدو تصريحات المتحدثين بأسماء الفصائل، والدعوات التي أعيد تأهيلها للحوار الوطني الخالد، وموجة "التبريكات" المثيرة للحزن التي تراكمت فوق "عمليتي القدس"، النبي يعقوب وسلوان، من كافة الفصائل والمتحمسين على وسائل التواصل الاجتماعي، والصيحات التي تصل عبر الإقليم، ناقصة ومثيرة للشفقة ومعبرة بدقة عن مأزق "النخب" واستنفاد برامجها، وافتقارها لفهم مهماتها وقراءتها للواقع والتحولات التي تعصف بكل شيء وتعيد تشكيل كل شيء تقريبا، ستبدو في جانب منها محاولة لإنقاذ الانقسام نفسه عبر تغطيته بالبلاغة.
ثمة فجوة واسعة تواصل زحفها بين مبادرات الشارع وبحثه عن حلول في مواجهة الفاشية الاحتلالية بأذرعها ومكوناتها، ووعي المقاومة على الأرض، فجوة تتسع مع كل تصريح فصائلي أو دعوة لتجديد الحوار الوطني، هو الوعي الذي تراكم خلال سنوات الانقسام الطويلة، وبينما كانت "الأطر" التنظيمية تدير الانقسام والمصالحة والحوار، كانت مخيلة الشارع وخبرته المنفصلة عن هذه الأحجيات، تقطع شوطا أبعد وأعمق في اقتراح أشكال المقاومة وأساليبها.
سيبدو هذا "الكلام" مكررا، الدعوة إلى الوحدة دون حساب الخسائر الصغيرة للفصائل، وتجاوز المتضررين من إنهاء الانقسام، ولكنه ضروري خاصة عندما يقال، ببساطته ووضوحه، في وجه أولئك الذين يواصلون دعوة "شعبهم" للصمود وتصعيد المقاومة، و"شد الرحال" و"النفير" وسلسلة الأوامر المحصنة بمصطلحات فصيحة مستمدة من مخيلة ضيقة وأفكار جامدة، المواجهة قائمة بالفعل ولا تصغي لهذه الأوامر والتبريكات، وهي منطلقة في سياق وعي وطني شعبي لا يلتفت للرطانة والبلاغة وإرشادات الفصائل، ما ينبغي أن تفعله هذه "النخب" هو الإصغاء لصوت الناس، وليس توجيه التوصيات.