الزوار الامريكيون وأهمهم بيرنز

نبيل-عمرو-1-1.jpg
حجم الخط

بقلم: نبيل عمرو


اعتاد الامريكيون زيارتنا كلما زاروا إسرائيل.


حرصهم على أداء الواجب تجاه الفلسطينيين كان في البدايات لرعاية ودعم التقدم في عملية السلام، وما ان دخلت في احتضارها الطويل ولم يبق منها الا التنسيق الأمني ولم تنتج غير الحروب، حتى صارت الزيارات الامريكية مقتصرة على بند واحد وهو منع انهيار السلطة بتوفير أجهزة تنفس تبقيها على قيد الحياة بما يمنع نشوء فراغ يخشى ان تملأه الفوضى وفقدان السيطرة.


الزائر الأول في هذه الحالة التصعيدية التي ترافقت مع تبدل الحكومات في إسرائيل كان هادي عمرو، المكلف بتفقد جهاز التنفس الصناعي والكتابة لرؤسائه حول منسوب ما بقي فيه من اوكسجين.


تلاه قطبٌ اعلى في الإدارة هو السيد جيك سوليفان، وبعده وان بإعلام اقل السيد وليام بيرنز رئيس وكالة الاستخبارات CIA، واخيرا وزير الخارجية السيد بلينكن ومن ضمن مهمته توجيه النصائح الينا والتحضير لزيارة نتنياهو الى البيت الأبيض، والتي ستكون الأولى بعد عودته الى رئاسة الحكومة.


ولنأخذ بالتسلسل السيد هادي عمرو، تحدث عن المواضيع التي اثارها مع من اجتمع بهم من الطرفين، وكي لا يخرج صفر اليدين اعلن عن انه يعمل على فتح الجسور الرابطة بين الضفتين على مدى اربع وعشرين ساعة في سياق تحسين حياة الفلسطينيين!، ولسوء حظه ان إسرائيل لم تفتح الجسور اكثر من المعتاد بل أغلقت اريحا حتى اشعار اخر.


السيد جيك سوليفان مستشار الامن القومي لم يقل ولم يقال عنه الكثير والأرجح انه بحث أموراً عدة مع الإسرائيليين ليس من بينها ما يتصل بالافق السياسي الذي يتحدث كثيرون عنه ولكنه الغائب الدائم عن الاجتماعات والاتصالات.


ثم جاء وزير الخارجية السيد بلينكن وبين المستشار والوزير جاء الرجل الأكثر أهمية في الشأن الفلسطيني الإسرائيلي وهو السيد بيل بيرنز واعني بالاكثر أهمية ما يتصل بمسائل الامن.


السيد بيل بيرنز من اكثر المسؤولين الأمريكيين دراية بشؤون الشرق الأوسط بل ومن اكثرهم اندماجا في تطوراته على مدى زمن طويل سواء حين عمل سفيرا او مسؤولا في مركز وزارة الخارجية وها هو الان رئيسا للاستخبارات اي انه المعني مهنيا وسياسيا اكثر من غيره في ما بقي من عملية اوسلو "التنسيق الامني".


السيد بيرنز التقى بعد الرئيس عباس بمسؤولي اجهزة الامن عندنا، ومع انه اللقاء الأهم الا انه الأقل تغطية إخبارية وهذا امر اعتدنا عليه لحراجة وحساسية مادة البحث، ذلك ان التنسيق الأمني الذي هو الشعرة المتبقية التي تربط السلطة الفلسطينية بالحكومة الإسرائيلية هي اهم ما يؤرق الأمريكيين، وأول ما يهتمون به أي ببقائه، فهذه الشعرة من وجهة نظرهم لو انقطعت واستحالت اعادتها فلن يبقى بعدها سوى الفوضى والانهيار ولن تكون السلطة بمنجاة منه.


مسؤولو الامن الفلسطينيون كانوا يؤدون ما عليهم في مجال التنسيق الأمني ليس كعمل مهني مجرد بل كجزء أساسي من عملية سياسية أوسع نطاقا، وظل التنسيق الأمني منطقيا بل ومقبولا حتى على مضض ما دامت العملية السياسية تعمل، او ما دام ممكنا اعادتها للعمل بعد إزالة المعوقات التي تعترضها، اما تنسيق امني معزول عن العملية السياسية فلا مردود له سوى ان يكون اتهاما يفسد مصداقية السلطة ومؤسساتها وحتى المبرر الذي اوجدها أصلا.


السيد بيل بيرنز يعرف ذلك جيدا فهو قبل ان يكون أمنيا مهنيا كان سياسيا وديبلوماسيا، وقبل ان يتفرغ لادارة منظومة كونية كان تفرغ قبل ذلك لادارة السياسة الامريكية في الشرق الأوسط من مواقع متعددة.


اذا فهو يعرف صعوبة المواءمة بين تنسيق امني تؤديه سلطة عزلاء عن الأفق السياسي، وبين احتلال يرى التنسيق الأمني مجرد وظيفة تؤديها السلطة مقابل تسهيلات لا تمت للسياسة التي يريدها الفلسطينيون بصلة.


لم يجد السيد بيل بيرنز معضلة عصية على المعالجة عند الفلسطينيين من خلال منطقهم البسيط بالربط بين الامن والسياسة بل وجدها في إسرائيل وشاءت الاقدار او الصدف، ان يتزامن وجود السيد بيرنز عندنا وعندهم اثناء اكبر عملية اشتعال امني ساحته جنين والقدس وعموم الضفة مع تحفز في القطاع، ما انتج حربا حقيقية اخطر ما فيها انها غير مسيطر عليها وفق أدوات السيطرة القديمة والتقليدية وخصوصا على الجانب الفلسطيني.


وهذه الحرب التي يعمل الامريكيون على اسكاتها ولو مؤقتا تحت عنوان التهدئة تغذيها سلسلة عقوبات اتخذها الإسرائيليون ويواصلون اتخاذها وتمس بحياة ومصالح كل الفلسطينيين في كل مكان.


ان ما يحتاج الى معالجة ليس التنسيق الأمني الاشكالي من الأساس حين كان قائما او حين اعلن عن وقفه، بل جذر المشكلة هو الاحتلال بكل مستوياته لأنه ومنذ بداياته وحتى أيامنا هذه والى اجل غير مسمى هو الوقود الذي يغذي ناره الدائمة، وكذلك الحرمان الفلسطيني من ابسط الحقوق.


ان السيد بيل بيرنز الذي يدير اكبر مؤسسة معلوماتية واستخباراتية في العالم يعرف كلمة السر ويعرف اكثر ان الحلفاء الإسرائيليين هم اصل المشكلة وما داموا ماضين في سياساتهم وبرامجهم تحت سمع وبصر العالم بما في ذلك الأمريكيين، فالزيارات ستتواصل والاضطرابات ستتعمق وتتسع وإدارة الازمات لن توقف التدهور ولن تمنع الاشتعال.