باتت تحتل قضية الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي أولى اهتمامات الشعب الفلسطيني بكل مكوناته، واتضحت هذه الصورة وسط تنامي القوانين العنصرية الإسرائيلية بحقهم وحالة التحريض المُمنهجة في الإعلام الإسرائيلي على قتلهم، إضافة للخطاب الدموي الذي يقوده حلف اليمين المتطرف في دولة الاحتلال برئاسة نتنياهو وبن غفير.
يتغول الاحتلال في عنصريته باعتقاله (7000) فلسطيني خلال العام المنصرم 2022م، ووجود قرابة (4500) أسير داخل السجون، مما يعكس الوضع الخطير الذي يعيشه شعبنا. هذا الواقع الذي يتجاهله العالم رغم قساوة المشهد الذي يوازي قضايا بدورها كشفت زيف شعاراته والذي يستمر بتعامله مع قضيتنا الوطنية وفق سياسة «ازدواجية المعايير»، خاصة وأن أنين الأسرى يُسمع من قرابة (700) أسير يعانون من أمراض مزمنة وخطرة، ناهيًا عن حالات القتل المتعمد والتي وصلت نحو (233) شهيدًا، وعدد الأسرى المحكومين بالسجن المؤبد (552).
ورغم أن ممارسات وإجراءات الاحتلال في السجون ترتقي إلى جرائم حرب وفق القانون الدولي، تواصل دولة الاحتلال فرض قيودها وسياساتها العنصرية تجاه الأسرى والتي طرحت مؤخرًا قانون إعدامهم، ومشروع قانون سحب الجنسية منهم بالقدس وأراضي الـ 48، وقد سبقها جملة من القوانين التعسفية منها التغذية القسرية للأسرى المضربين عن الطعام، وتعذيبهم، وتطبيق القانون الجنائي الإسرائيلي، ومشروع حرمان الأسرى من التعليم، ومشروع قانون احتجاز جثامين الشهداء، وقانون اعتراف المحاكم المدنية الإسرائيلية بقرارات المحاكم العسكرية في إسرائيل عام 2017م، وتعديل قانون خدمات الأمن، إضافة إلى السطو على تعويضات الأسرى وعائلات الشهداء، وغيرها.
وتبقى عنجهية الاحتلال مستمرة طالما لم يتوفر ردع حقيقي، يؤسس لمرحلة جديدة وتسقط نازية هذه الدولة المارقة التي اعتادت أن تبقى فوق القانون، وحينها يتحقق حلم الفلسطيني في إنجاز حقه في الدولة والعودة وتقرير المصير وفق قرارات الشرعية الدولية، التي منحت الشعب الفلسطيني حق النضال من أجل انتزاع حقه المسلوب لـ 75 عامًا، وكان هذا العالم شاهدًا على نكبته. فلم يتحرك هذا المجتمع الغير عادل في توصيفه لواقع الأراضي المحتلة، ويعكس انحيازه لإسرائيل حين يتضامن مع شعاراتها المزيفة والمضللة التي تظهر عكس ما ينفذ من سيسة عنصرية ممنهجة.
هذا العدوان على الأسرى، لم ينعزل عن الوقائع الميدانية التي تشهدها مناطق الضفة والقدس وغزة التي يُرتكب بحق سكانها عمليات القتل المتعمد، والاعتقالات اليومية، والاعتقال الإداري، والحصار، والإعدامات للأطفال والنساء، وتهويد المقدسات، واقتحام المدن والمخيمات والعيث فيها خرابًا. والغريب أن العالم الصامت على هذا التصعيد الدموي لم نجد له تحركًا إلا عندما ينفجر الشعب الفلسطيني ليعبر عن رفضه لوجود هذا الاحتلال ولممارسات جيشه وقطعان مستوطنيه، بل أن الانفجار بات أقرب من أي وقت مضى جراء هذه السياسة التي لفظها شعبنا على مدار سنوات طويلة، كما أن تنفيذ المخططات ضد الأسرى سيشعل الانتفاضة الثالثة، وأن فكرة «تفكيك الساحات» أصبحت صعبة المنال، وهذا ما تؤكده الردود الميدانية.
تتضح معاناة الأسرى في المعتقلات الإسرائيلية إزاء ما يُعلن على لسان قادة الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل، التي تمتلك العقلية الإرهابية في القول والفعل. هذه الحكومة الاحتلالية التي تعبر عن رؤية الدولة ذات القومية اليهودية الخالصة أي إنهاء الكيانية الفلسطينية، رغم أن الشرعية الدولية أصدرت مجموعة من القرارات منذ العام 1948م تمنح الفلسطينيين حق إقامة الدولة المستقلة بعاصمتها القدس الأبدية، وتجعل إسرائيل تحت القانون لا أن تمارس البلطجة في وجه العالم وليس الفلسطينيين وحدهم، فإن استهداف الأسرى هو جزء من المشروع الصهيوني الذي يقوم على التهجير والإبادة وارتكاب المزيد من الجرائم كما يجري في قرية العراقيب والخان الأحمر وغيرها، وذلك بهدف تحقيق السيادة الإسرائيلية.
لا يمكن الاستمرار في الاكتراث لمناورات المجتمع الدولي برسائله البراقة التي لا تنصف حقوق شعبنا، فلا بد من تفعيل عناصر القوة الفلسطينية عبر استعادة الوحدة الوطنية وإنهاء كل أشكال الانقسام الداخلي، وإيجاد برنامج نضالي يحقق طموحات شعبنا في الحرية والاستقلال ويُوحد الساحات، أي أن يستند إلى قرارات المجالس الوطنية الشرعية المركزي والوطني لـ(م.ت.ف)، لإفشال محاولات تقويض النضال الفلسطيني في المقاومة الميدانية الناهضة، وتوسيع دائرة الاشتباك عبر ملاحقة الاحتلال في المؤسسات والمحافل والانضمام للاتفاقيات الدولية، والعمل على بناء استراتيجية إعلامية موحدة، وتكامل الدور القانوني والسياسي والدبلوماسي والإعلامي الفلسطيني نحو تشكيل ائتلاف قانوني دولي، واستثمار حركات التضامن حول العالم في نشر قضية الأسرى. إضافة لاتخاذ خطوة أكثر جدية في الدعوة لتطبيق اتفاقيات جنيف على الأسرى الفلسطينيين، وضرورة تأسيس مرصد فلسطيني جامع يوثق جرائم الاحتلال العنصرية، وتوحيد الخطاب الإعلامي الفلسطيني بما يضمن وسم دولة الاحتلال في كل المحافل بأنها دولة فصل عنصري.