الكاتب: عطا الله شاهين
مِثلُ عَجَاج لونه الأسود المُنحني الدّافئ هو ولعٌ يتلّوى بين شفتيها، يرغبُ بأنْ تستطعمه بكُلّ أجزاء هيكله، المُزّ مِنه والحلو..أتحسّ هي بألمِه حين تحترقُ بحرارةِ لُهاثه الذي يسكبُه على شفتيها ؟ يجدها لحظتها تُبعده خوف الاحتراق بعِشقِه. لا بُدّ أنّها تقول عنه بأنّه أحمق..
أتَذكُرُ كثيرا وقتَ خُروجها مِنْ عالمِ الشُّغل والعُزلة، هناك حيثُ انفرادها معه، بعد أنْ تُشعل سيجارتها السّويسرية الفاخرة، ثم تنتظر أنْ يهدأَ فوران دُخان حِممه المُتناثر مُبتهجاً، حين يرمي بطيبِه على شفتيها.. يحلفُ أنّها تشمّه حتى يمتلئَ جسدُها برائحته حتى النّهاية..
تُدخل شهيقها بقوة، كأنها تُحطّم حاجزَ الوحْشة الذي أدخلتْ نفسها إليه، لا لشيء سوى لأنّها لا تُحِبُّ الانتماءَ، مع مَنْ تشغل عالمها المثاليّ، هكذا هي تفتّش عنْ التّمام في كُلِّ شيءٍ لعلّه حيثُ يهمسُ لها هذا ليس مُمكناً.. يلقاها تقذفه بعيدا إلى الترابيزة التي أمامها، كأنها تُعاقبه على قوْلِ ما يحسُّ به، فهي له عالم آخر، جوٌّ مليءٌ بحالاتٍ لا يمكنُ أنْ تُعادَ.
بصدقٍ يقولُ: إنّي استمتعُ أكثر مِنها، ربّما لأنني لمْ أختبر شفاهٍ غير شفتيْها، ولا فاه غير فاههها، لقد أوشَكتْ المُسامرة معها أنْ تُتوّجنني ملِكَ حياتها التي لا تبرح تتمايل ولعاً، حين تمسكُ بقيثارةِ جنبي، التي ما أنْ تحسُّ بأصابعها حتى تهفو، تُسلّم نفسها لي، كيْ تظفر بمُتعةِ هديرِ لهُاثي وهي مطعمةٌ برائحةِ السِّيجارة التي تشربها، فأنا ليس سوى نبيذٍ مِنْ كونٍ آخر انسجمتُ معها، عشقَت عبقَها المخلوط بتقْليديّةِ ما تُحبّ، يا للغرابة..!
كمْ هي امرأةٌ خبيرة في الذّواق، تتزاحم إلى كُلِّ ما هو مُستحسن لتقتنيه، تعاملني كأنّني ابنَها المُدلّع، لذا تجدها لا تحب أنْ تتركني، أو تبدّل مِنْ سجيّاتها، تقاليدها، وإن فعلتْ ؟ أحس بأنّ حتفَي سيكونً قريباً، بلْ هو مؤكدٌ، أحلفُ عليها بكُلِّ أوقاتِ الليل الذي أمضيناه، أنْ ترأف بحالِي، لا تنصرفُ عنْ أخذِي بين ذراعيها. متى ما راقصتني حين تُغنّي وهي ممسكة بجنبِي، أتراقصني؟ في بهوِ القدَحِ الموشّح بالأزهار ياه .. ما أطيبَ شفتاها يا عاشقتي متى ما طيّرتهاعالياً كراقص على الجليد، ثم أدنيها.. ألصقها إليّ، إلى شفتين لنْ تزهقَهما ما عاشتا، إنّها يا سيدتي أميرة وقتَ حياتي، صاحبة وردتي التي أصبو نعيماً لقضائي بين ذراعيْها وشفتيْها..
كانتْ هي تبحثُ في عَجَاجِ سيجارتِها المُتصاعد كوْناً آخر، ترى مِنْ خلالِه رجلاً أُعجبَ بها، شفّاف الأحاسيس، لقد شاهدته صُدفةً في تلك الليلة حين دخلَ لابتياعِ قارورةِ نبيذٍ الذي يُحِبُّ.
وقبل أنْ يشرعَ بابُ المحل أوتوماتيكيا، ها هو يقفُ مُقابلها وقد هَمّت به، بعد أن هَمّ بها دون مُبرّرات، قشعريرةٌ كالإحساسِ بالصَّقيعِ فجأة، هذا ما أحسّا به ربّما تكرّر الأمر لأكثر مِنْ مرّة، البعض مُصطنع منه ومنها، كيْ يتوزّعا لحظات تصاعد وهبوط ضربات نبض مُدوّي رغم احتباسه في داخلِ صدرٍ.
يا ما أوسمَه! ما أجملَ طِيبه؟
أحسَّ نبيذُه أنّه ولجَ كوْناً مختلفا بالنّسبة له، لكنّه يُدركُ أنّ العشقَ هو العلّة الوحيدة الذي يجعلُها تتركُه بعيدا عن ذراعيْها، فهمسَ آه.. لقد ظننتُ ذلك! لقد قالَ لنفسه لا بُدّ في يومٍ ما ستنساني أو تتركُني فعالمُ البشر الجديد الذي سيجلبُها للعيشِ معها لا بُدّ ستعرضُ عنه، يشغلُها عني ربما إلى أيّامٍ طوال أو أشهرٍ، ويظنُّ بأنّه استطعمَ طعمَ شفتيها لا يحسُّ بعُذريتها تلك أو ولهها به. لا بُدّ أنّه يكونُ قد نالَ هو مِنْ عُذريته كذلك هي فعلتْ، قد تستطعمُ شفاهاً غير شفاهه، لكنّه يحلفُ أنّها لا تحسُّ بنفسِ المُتعة. يحلفُ على ذلك مرّة أخرى، وهذا ليس غَيرَةً، لكنّه ثقة بذكوريته التي يتلظّى حين ترتديه بين ذراعيها ثم تشمُّ عبقَ مناطقَه بعدها تنصهرُ.. هكذا يراها تفعلُ، تغلقُ مُقلتيها ثم تقرّبه أكثر إلى فمِها لتقبّله بسكونٍ غرام، أنها الوجد به، هو متأكدٌ أنها لا تتركه وحيدا بعيدا، لكنْ لا، لا يعتقدُ بذلك إطلاقا.. لا يخفي تعلُّقه بيدَ أنّه يحسُّ بخواطرِها تلك التي تنفثُ مع دُخانِ سيجارتها وهي ترسمُها حين تدخلُ عالمَها، حين تحتويه بين ذراعيها، كيف له أنْ ينكرَ صُورَ رسمها بحُبٍّ بلْ بهيامٍ، يجدُها مسرورةً حين تفكّرُ به وعالمه الذي يصبو.
لا.. لنْ يكونَ مُحبّاً لنفسه، سيتركُ لها حقّ الاختيار فهي كُلُّ الذي يعشقُ، هي ذلك الكَونَ الذي أُولجتْ إليه بإرادتها سيتحمّلُ مشاركتها لغيره في عِشقها، قد يحملُ نفسَ الميزاتِ التي يحملُ، لكنْ بالتّأكيد أنّه يمتازُ عنه بالكثيرِ، لأنّه وجْدُها الأوّل بلْ عِشقها القديم حين تلاقف تلاوةً ومخيلته روايات الغرام الذي يعشقُ، لقد ترجمها كُلّها حين كانتْ ترتشفه مستمتعٌ كما هي حين يتحسّس فزعها، قلقها، أو انصهارها، حتى عبقَ جسدها حين يتفاعلُ مع إرهاصاتِ مُفرداتِ جنسٍ لمْ يتذوقه إلا بُمقلتيها، يحسَّ بكل ذلك، متى ما رمتْ بشفتيها على حافةِ بلكونه لتنهلَ راحةَ فورة انفعالها تلك.
كم جميلٌ هو كوْنها عاشقته، سيبقى بين ذراعيها إلى الأزلِ، ويعشقُها حتى وإنْ زهقته، أو شغلتها الحياة الجديدة عنه، لتكن متأكدةً سيكونُ بترقُّبها، ربّما بثيابٍ جديدة، فعادةُ الرِّجال التّبديل.. بيدَ أنّه يدركُ أنّها لا تعشقُ غيره عالمها الخياليّ الذي عاشا فيه معا لسنينٍ طوال، يتمنّى لها البهجةَ في كوْنها الجديد.
تلك هي حكايته مع مَنْ يعشقُ، رغم كُلّ الفوارق، فعالمُ الحُبّ كُلّ شيءٍ مُمكن أنْ يحدثَ، ها هي هناك ترشفُ طعماً جديداً مِنَ النّبيذِ الشّاعريّ مِنْ شفتيها بحرارةٍ.
أما هو فلا زال يترقّبُ ويتوقُ إلى أوقاتِه معها، لا يقولُ أهمَلَته أو تَرَكَته، فلكُلّ شيءٍ رغبة وفتور، لكنّه متأكدٌ أنّها لنْ تتركَ سيجارتها البتّة، ذاك هو رجائه إنّه وسيلةُ التّمنّي بالنّسبة له، فبرغمِ مُحاولته لحملِها على الامتناعِ، لكنّها تأبى، بعد أنْ سمعها تقولُ له: ذلك هو بابٌ لعالمِي الذي أصبو وأعشقُ دوماً. إنّه بابُ الحياة نحو نبيذي الشّاعريّ الذي أعشقُ.