هكذا حطّمته "ماكنة الحرب" .. جريمة أشكنازي الوحيدة أنه مرشح جيّد لرئاسة الحكومة!

20162201205848
حجم الخط

شارك كثيرون في هذه الجريمة التي قام بها ايهود باراك. مقاتل جريء وقائد مليء بالهالة حتى انتهاء وظيفته كقائد وحدة أركان، لكنه قُرص في حينه كما يبدو من ناموسة ما، وترك الارض المحروقة في كل اتجاه ذهب اليه: معركة السلطان يعقوب، السعي غير الخجل لالحاق الضرر برئيس الاركان، دان شومرون (لم يزعجه القاء كلمة في الذكرى الخامسة لموته)، قضية تساليم، الهرب من لبنان، الدفع غير المسؤول باتجاه «كامب ديفيد»، أحداث تشرين الاول 2000، الدولة المشتعلة التي تركها وراءه، تحطيم حزب العمل، تحطيم هيئة الاركان، وقضية هرباز. خذوا باراك وأخرجوه من المعادلة وستجدون أن شيئا مما حدث كان سيحدث. من خلف باراك يوجد الكثيرون: صحافيون أدمنوا على المواد السرية التي نشرها مكتبه، والحلم المقنع الذي كان يُسمع في المقاهي من حول دوار الدولة ليتحطم على ارض الواقع. مكتب يعتمد على القوة. جهاز ضعيف لتطبيق القانون، وقد يكون فاسدا. شرطة بلا حول ولا قوة ونائب عسكري رئيس اسمه داني عفروني، الذي يناسب وظيفته أقل من مناسبة اورن حزان لمنصب رئيس «الموساد». تسرّح عفروني برتبة عقيد. وكمن استنفد امكانياته المتواضعة والأفق المهني له في الجيش الاسرائيلي فانه خرج من اجل العمل لمصلحة بيته. لكن حينها بدأت الملاحقة الكبيرة لرئيس الاركان اشكنازي، وايهود باراك، ومن خلال طريقته الدائمة أعاد عفروني من البيت لمهمة النائب العسكري العام برتبة عميد خلال سنة. في الطريق قفزوا عن أحد القانونيين وهو شارون أفيك (الذي تم تعيينه مؤخرا بعد تأخير اربع سنوات في وظيفة المدعي العسكري العام) ودفع الجيش الاسرائيلي الثمن (لأن عفروني لا يفهم أي شيء في القانون الدولي وقوانين الحرب). لكن باراك اشترى البضاعة: قام عفروني بتحرير 100 ألف مكالمة مسجلة من مكتب رئيس الاركان. من سبق عفروني، النائب العسكري العام مندلبليت، ميّز بين السيئ والجيد، السليم وغير السليم ووافق على فحص بعض التسجيلات المحددة في تواريخ محددة. هل توجد معلومات معينة؟ تعالوا لنفحصها. فتح عفروني مغارة علاء الدين: اربع سنوات من مكالمات رئيس الاركان من كل هاتف، وفي كل غرفة في المكتب، بما في ذلك كل كلمة قيلت في الطابق الـ 14 على مدى هذه السنين، في كل نقاش وكل محادثة. هذه هستيريا غير مسؤولة. وثمن كل ذلك لم يهتم به أحد. في الركض وراء اشكنازي كل شيء مسموح به. لا توجد خصوصية ولا توجد براءة. كل مكالمة لرئيس الاركان خاصة أو مع شخصية عامة أو عسكرية. كل شيء مسموح به. لم يكن شيء كهذا هنا في السابق. لم يتم التحقيق مع شخصية عامة على هذا النحو وبهذه التعرية. كل كلمة قالها تم فحصها ومقارنتها. وبعد أن جمعنا كل القصص تبين أنه لا يوجد دليل على أي مخالفة جنائية. على مدى خمس سنوات سمعنا عددا لا حصر له من القصص والاتهامات ضد اشكنازي. من لم يكن هناك، بدءاً من تقاعد هرباز مرورا بمصادقات الدخول لهرباز وانتهاء بكتابة الوثيقة وتزويرها واعمال في ايطاليا ولقاء مع رئيس الاركان الايطالي وتمرد جنرالات وتشويش التحقيق واخفاء الأدلة وجمع المعلومات وقصة غرام بين رونيت اشكنازي وبوعز هرباز؟ كانت الذروة في اسطورة شعبية للاولاد (المجانين) التي تقول إن اشكنازي استخدم التعقب والتحقيق ضد ضابط برتبة عميد بهدف القاء القبض عليه مع احدى موظفاته، وابتزازه. دُحض كل شيء. لا يمكن ولا تقريبا ولا بسبب غياب الأدلة. دُحض كل شيء بشكل قاطع. والامر المقلق بشكل خاص هو قصة الضابط، لأنها لم تكن واقعية. هذا الضابط تعرض للتعذيب القانوني مدة خمس سنوات، وعانى في الليالي والايام، وهو أصلا غير مرتبط بأي شيء. لكن من الذي قال؟ كانت الغاية القضاء على اشكنازي، وهي التي بررت كل الوسائل. عمل في هذا الامر عشرات الاشخاص. جلسوا واستمعوا لعشرات آلاف الساعات من المكالمات. سكرتيرات وموظفات لرئيس الاركان جلسن هناك، واستمعن لرئيسهن ولجميع مكالماته لمعرفة المتحدثين. تم التحقيق مع طبيب أسنان اشكنازي. لماذا؟ لأن المحققين اكتشفوا من خلال قدراتهم أن هناك مكالمة مشبوهة تم فيها تنسيق نقل مغلف من مكتب رئيس الاركان الى ذلك الطبيب غير المعروف. لكن اتضح في حينه أن هذا هو طبيب اسنان غابي، وقد حصل على تذكرتين لحضور مراسيم لاشعال الشعلة. فحص المحققون إذا كان اشكنازي قد جدد ترخيص مسدسه. كان يمكنهم النجاح أخيرا في إدانته بتهمة حمل مسدس غير مرخص. رئيس اركان في اسرائيل تعرض لاهانات لا مثيل لها على مدى سنوات من قبل عشرات الاشخاص، بعضهم من مرؤوسيه. بدأ الامر بالمستوى السياسي واستمر في وزارة العدل، من المستشار وما دونه ومروراً بالنيابة العامة وضباط في الشرطة ومحققين في الشرطة وانتهاء بآخر الموظفين. كل ذلك من أجل إيجاد ماذا؟ كان واضحا منذ اللحظة الاولى أن اشكنازي لم يعرف أن وثيقة هرباز مزيفة، بل بالعكس، كان مقتنعا أن الوثيقة حقيقية لأن جميع الاعمال التي وردت فيها حدثت في الواقع أمام ناظريه. أنا على قناعة حتى اليوم أن الوثيقة حقيقية، ووضع عليها شعار أنها مزيفة. وسواء كان هذا أو ذاك فما الذي يمكن اتهام اشكنازي به بعد؟ هل اعتقد أحد ما بالفعل أن هناك مؤامرة؟ كيف نجح شخص واحد (ايهود باراك) في خداع الكثير من الناس؟. فتيل اشكنازي حتى وقت ليس ببعيد حاولوا أن يقولوا لنا كذبا إن وثيقة هرباز أعاقت تعيين يوآف غالنت رئيسا للاركان. هذا لم يحدث. غالنت عُين رئيسا للاركان بعد نشر وثيقة هرباز. وقد عجلت الوثيقة تعيينه في الحكومة. ومن أعاق تعيين غالنت هو غالنت نفسه. حتى هذه اللحظة لم يعدّ عشرات الدونمات التي سيطر عليها بشكل غير قانوني من الدولة (افحصوا عند كلمان لفسكين وليس عند اشكنازي ولا هرباز ولا أي أحد آخر). لو كان يوآف غالنت فهم خطورة اعماله وأعاد الاراضي لكان رئيسا للاركان. لكنه لم يحسب حساب أي أحد، ولم ير أحداً. لقد وُعد بأن يكون رئيس الاركان القادم فتجاهل تحقيقا صحافيا ودعوى في محكمة العدل العليا من قبل «الحركة الخضراء» الى أن جاء الوزير ميكي ايتان ومراقب الدولة لندنشتراوس وهزا المستشار القانوني فينشتاين، فأُلغي التعيين بدون أي صلة لاشكنازي. هل تغيّر هذه الحقيقة شيئا بالنسبة لأحد ؟ لا. أذكر الاحاديث الغريبة لباراك، حيث اتهم اشكنازي بالتآمر على المستوى السياسي وبأعمال جنائية. باراك، الذي يجر وراءه حقيبة من الاكاذيب التي لا يريد أحد التحقيق فيها، وحصل على عشرات الملايين (إن لم يكن أكثر من ذلك) في سنوات معدودة.. باراك الذي لا يترك وراءه أبدا أي تسجيل أو دليل أو شاهد حي، الرجل الذي نجح بشكل ما في السيطرة من جديد على حزب العمل، ورأى نفسه يجلس من جديد على كرسي رئاسة الحكومة، اكتشف في حينه وجود شخص، رئيس اركان اسمه غابي وهو يحظى بالشعبية في اوساط الجمهور دون بذل الجهد. وكل محاولات باراك للحصول على بعض هذه الشعبية لنفسه، لم تنجح. لا، أنا لست متأثرا بسلوك اشكنازي في تلك السنة السيئة في الكرياه. يجب القول بوضوح: لقد أدمن على المواد التي نقلها إليه بوعز هرباز من مكتب وزير الدفاع. جمع معلومات عن وزير الدفاع. دافع عن نفسه. واحيانا، بطريقة لو تم فحصها في المختبر لكان قيل إنها غير ملائمة. لكنها لم تكن في ظروف مختبر. ولو كنت مكانه لكنت فعلت أكثر من ذلك. لا أحد يتذكر الآن قضية التعذيب والاهانات التي مارسها عليه باراك منذ لحظة قرار اخراجه من منصب رئيس الاركان لصالح غالنت. فتيل اشكنازي كان قصيراً، وتجاوز الخطوط الاخلاقية في عدة نقاط. يوجد لي اصدقاء في وسائل الاعلام يضعهم هذا الامر في خانة التظاهر بالصدق. لا يوجد مكتب لا يجمع المواد، لا يوجد اشخاص بدون نميمة عن المسؤولين عنهم. وهذا يحدث ايضا في محكمة العدل العليا ومكتب مراقب الدولة وفي حياتنا جميعا. كل واحد منا يتم التنصت على حياته مدة اربع سنوات يكون متهما بـ»السلوك غير السليم». اشكنازي ليس صدّيقا لكنه ضحية هذه القضية. المسدس المُدخن اسمعوا هذه القصة. بعد خروج اشكنازي بأسابيع من الجيش الاسرائيلي واستبداله ببني غانتس اجتمع في القدس رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع باراك والمستشار القانوني فينشتاين ونائبه للمهمات الخاصة، شاي نتسان، والمفتش العام للشرطة، دودي كوهين، ورئيس قسم التحقيقات، يوآف سغلوفيتش. كان ذلك يوما ماطرا في القدس، وكان اللقاء في الليل. وقد تذكر في هذا الاسبوع أحد المشاركين في اللقاء أنه شعر بالاشمئزاز حينما دخل الغرفة. قال إن هذا كان لقاءً سيئا، لا مكان لحدوث جلسة بين المستوى السياسي والمستوى المهني الذي يُحقق. هذا تدخل سافر وهو مرفوض، وهو يتجاوز الخطوط الحمراء. سألته لماذا لم يخرج من هناك. فاعترف أنه فكر في ذلك، لكنه بقي في نهاية المطاف. لو كان هذا الامر تسرب في حينه، كما قال لي، لكان تحول الى عناوين رئيسة. كان موضوع النقاش هو تحقيق الشرطة فيما يتعلق بـ»العمليات الخاصة» التي انبثقت عن قضية هرباز. هذا التحقيق كان يفترض أن يفحص افعال هرباز في الوحدات الاكثر حساسية للجيش الاسرائيلي. وفحص من هم الضباط رفيعو المستوى (اشكنازي؟) الذين ساعدوه. بعد اسبوعين على هذا اللقاء استدعى باراك الجنرال المتقاعد يعقوب أور، رئيس الوحدة الامنية في مكتب مراقب الدولة، وقام بوضعه في الصورة. أور أخرج وثيقة تخص الموضوع لمرؤوسيه في مكتب المراقب. باراك، لمن نسي ذلك، كان يفترض أن يكون أحد الذين يجب التحقيق معهم في قضية هرباز عند أور نفسه. في كل مفترق لهذه القضية أقسم الجميع أن يحققوا ليس فقط في الجزء الخاص باشكنازي، بل ايضا بالنصف الفارغ لباراك. حينما يستدعي أور ويقول له إن رئيس الحكومة قام باعطاء توجيهات للمحققين في قضية العمليات الخاصة، يكون بذلك يشوش على التحقيق ضده. لكنه فعل ذلك بدهاء وبطريقة لا تعتبر مخالفة. لأن باراك أذكى منا جميعا. إنه يُفهم أور من أين تأتي الرياح ومن هو الرجل هنا. لكن هذا اكثر سوءاً: في ذلك اللقاء في القدس أمر نتنياهو وباراك المحققين بالتوقف عن جر أقدامهم. باراك قال إن «أهمية الفحص هي بسبب زعزعة المعايير والخطر من تسرب معايير العالم الثالث الى الجهاز». قام نتنياهو وباراك وأمرا المتواجدين بـ»التعمق في التحقيق وعدم الامتناع عن الفحص بسبب مسائل أمنية خاصة». وأعرب باراك اثناء الفحص عن «شكه في جدية التحقيق». نتنياهو هز رأسه. وفي صالح فينشتاين يُقال إنه انفجر على الاثنين اثناء اللقاء حيث فهم في مرحلة معينة أن هذا غير سليم. بعد ذلك، حينما وضع باراك أور في الصورة، أبدع في وصف أهمية رقابة الدولة. «رقابة الدولة هي المرساة التي يثق بها الجمهور، ويفترض بها أن تمنع تضعضع معايير العالم الثالث». هذا ايضا جزء من طريقة باراك، استنزاف المحقق من خلال كيل المديح. وقد صدق باراك في شيء واحد وهو أن معايير العالم الثالث قد تسربت الى الجهاز. من الذي تسبب بذلك؟ إنه هو نفسه. فقد استخدم الضغط على مراقب الدولة اثناء فترة تحقيق المراقب، وعلى المحققين اثناء فترة التحقيق الجنائي. ومؤخرا أزعج المستشار القانوني للحكومة بطلب اغلاق ملف التحقيق الخاص به بسرعة (في الامور التي تحدث عنها ايهود اولمرت وقضية التسجيلات). لماذا بسرعة؟ لأن افيحاي مندلبليت سيتسلم منصب المستشار القانوني للحكومة، الامر الذي من شأنه أن يقود الى تحقيق جدي. كان اللقاء الليلي في مكتب رئيس الحكومة في القدس هو المسدس المدخن الذي أوضح للقارئ المصالح المشتركة: باراك الذي يحتاج الى اسقاط اشكنازي ونتنياهو القادر على ملاحظة التهديدات المحتملة، حيث رأى أن رئيس الاركان الذي يحظى بالشعبية يمكن أن يكون خصما كبيرا في المستقبل في الانتخابات. واذا أضفتم لهذين الاثنين مستشارا قانونيا لا يمكنه تحمل الضغط فانكم ستحصلون على تحقيق جنائي لا حاجة اليه. فضيحة ضارة وفاسدة. هل سيذهب اشكنازي الى السياسة؟ أعتقد أنه لا يعرف الاجابة حتى هذه اللحظة. الاستطلاعات التي تمت، أول من أمس، من قبل الجميع لا أهمية لها. اشكنازي لم يتحدث مع الجمهور منذ عقد، منذ دخل مكتب رئيس الاركان. فليقرر أولا أنه يريد السياسة وبعد ذلك ليخرج من معقله ويقرر. كشفت هذه القضية نقاط ضعفه، والفتيل القصير والاحترام الضائع وقدرة التحمل الاشكالية. اشكنازي هو شخص جيد، كان رئيس اركان جيدا وما زال اسرائيليا جيدا من النوع الفريد. لكن الشعلة التي في داخله انطفأت، في الوقت الحالي على الأقل. يجب عليه أن يرتاح وأن يفكر بطريقه الجديدة. جريمته الاساسية هي أن أحدا ما اعتقد أنه مرشح جيد لرئاسة الحكومة. ومنذ تلك اللحظة تم بناء ماكينة الحرب الكبيرة التي نجحت في طحنه.