هارتس : صــواعــــــق تفجـــير الانــتـفــاضـــــة .. جاهــــزة

عاموس-هرئيل.jpg
حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل


انضم رئيس وكالة المخابرات الأميركية «سي.آي.ايه»، وليام بيرنز، لسلسلة طويلة من رجال الاستخبارات والخبراء الذين يحذرون من أنه ربما ستندلع في «المناطق» قريبا انتفاضة ثالثة. بيرنز، الدبلوماسي المخضرم والذي له تجربة، تابع الانتفاضة الثانية عن كثب سفيراً للولايات المتحدة في الأردن، وبعد ذلك مساعداً لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، في عهد حكومات الرئيس بيل كلينتون والرئيس جورج بوش الابن. جاءت أقواله في واشنطن في خطاب ألقاه في جامعة جورج تاون بعد بضعة أيام من عودته قلقا من زيارة شاملة إلى إسرائيل ومناطق السلطة الفلسطينية. التصعيد في الضفة، قال بيرنز في خطابه، بدأ يذكره بالفترة التي سبقت اندلاع الانتفاضة الثانية في أيلول 2000.
لا يكرر التاريخ نفسه بدقة، وحتى بين الانتفاضتين كانت ثمة فروقات واضحة. الأولى، التي اندلعت في كانون الأول 1987 بدأت كنضال شعبي واضح جرّ خلفه الجمهور الفلسطيني. فقط بعد بضعة اشهر بدأت تنضم إليها خلايا مسلحة. في الانتفاضة الثانية لم يكن الجمهور تقريبا في الصورة. ولكن كان يكفي مجموعات اصغر من الشباب المسلحين، بعضهم من أعضاء «فتح» ونشطاء في الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة وبعضهم من أعضاء التنظيمات الإسلامية، من أجل جر إسرائيل و»المناطق» إلى حمام دماء قاتل، استغرق إخماده خمس سنوات.
في العام 2015 اندلعت موجة «إرهاب» «الذئاب المنفردة» التي عنونت للحظة كانتفاضة، لكنها خفتت خلال نصف سنة بفضل جهود إسرائيل. أيضا منذ آذار الماضي يظهر ارتفاع حاد في عدد العمليات في الضفة وداخل الخط الأخضر. وقد وصفت في «الشاباك» كمنحى ثابت وليس كموجة قصيرة، لكن في جهاز الأمن يترددون في استخدام كلمة انتفاضة، وهم على حق. ليس فقط أن الجمهور الفلسطيني لا يشارك في هذه الأثناء، بل إن إسهامه في «إرهاب» نشطاء «حماس» و»الجهاد الإسلامي» محدود، وقوات الأمن التابعة للسلطة، باستثناء نشطاء منفردين، لا تشارك في العنف.
في هذه المرة أيضاً، يدور الحديث بالأساس عن «مخربين» أفراد وعن خلايا محلية، في معظمها ليس لها انتماء تنظيمي. ما يحول الموجة الحالية إلى موجة مقلقة أكثر هو استخدام السلاح. استخدم «مخربو» 2015 السكاكين، وقاموا بدهس جنود ومواطنين، وهنا وهناك تزودوا بسلاح بدائي. ينطلق «مخربو» 2023 وهم مسلحون بسلاح متقدم، معظمه سرق من الجيش الإسرائيلي أو هرب للضفة الغربية من الأردن أو لبنان. حتى الآن تقريباً لم ينضم للمعركة مهندسو عبوات، ممن يمكنهم تركيب حزام ناسف فتاك.
الأمر الذي يقلق بيرنز هو كما يبدو ما يقض مضاجع كل كبار الضباط في أجهزة الأمن في إسرائيل منذ بضعة اشهر. في «المناطق» يعمل، الآن، خليط متفجر من العوامل، التي من شأنها أن تزيد من خطورة الوضع إلى درجة مواجهة مباشرة وواسعة. الضعف المستمر للسلطة الفلسطينية، وصعود حكومة يمينية متطرفة في إسرائيل، ودخول مشعلين للنار معروفين إلى «الكابنيت» الإسرائيلي، وسلسلة العمليات المستمرة منذ السنة تقريباً، وغياب مطلق لأفق سياسي معين، كل ذلك يعزز خطر تصعيد كبير.
لم تصل الأمور إلى هنا في هذه الأثناء، أيضا بسبب أن قوات الأمن الإسرائيلية تنجح في إفشال جزء كبير من خطط العمليات الأكثر طموحا، لأن الرد العسكري يمليه محور منضبط نسبيا يشمل في هذه الأثناء رئيس الحكومة ووزير الدفاع وكبار الضباط في الجيش الإسرائيلي و»الشاباك». ولكن ليس بالصدفة هبط هنا قطار جوي من كبار الشخصيات الأميركية في نهاية الشهر الماضي. في الإدارة الأميركية، التي تقرأ الصورة بشكل جيد، يعرفون استنادا إلى تجربة الماضي إلى أي درجة يمكن أن يكون التصعيد نتيجة عامل محلي معين. وكالعادة في المنطقة فإن المادة المتفجرة الأكثر نجاعة مخبأة في الصعيد الديني. فهناك يمكن أن تندلع نار كبيرة إذا تجدد الاحتكاك في الحرم أو في مواقع مقدسة أخرى للديانتين في القدس.
يدرك رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، بأنه في الظروف الحالية والحساسية النسبية مع الأميركيين فإنه مطلوب منه الآن الحذر، وهذا الإدراك يظهر أيضا في قرار المحكمة العليا، اليوم (أمس). أمر القضاة الدولة بتقديم رد على الالتماس الذي يطالب بإخلاء قرية الخان الأحمر البدوية حتى 2 نيسان، وقاموا بتأجيل النقاش في الالتماس لثلاثة اشهر. انتقد القضاة أيضا سلوك الدولة، وقرروا بأنهم «غير راضين تماما عن سلوك من يتولون الرد باسم الحكومة، وأن هذا الرد هو غير مقبول علينا».
وقع نتنياهو ووزير الدفاع غالنت على طلب لتأجيل إعطاء رد الدولة على الالتماس للمرة التاسعة. وقد كتب في الطلب بأن المستوى السياسي متمسك بموقفه بأنه يجب تنفيذ أوامر هدم القرية، لكن بعض أصحاب المناصب المطلوب منهم الانشغال بالقضية هم جدد في المناصب. تعكس المماطلة الحكومية خوف نتنياهو من المواجهة في هذا الشأن مع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي الذين عبروا عن قلقهم من هذه الخطوة.

بدون مساعدة بايدن
على خلفية أقوال بيرنز والزيارات المتواترة القادمة من الولايات المتحدة من المهم مرة أخرى رؤية إلى متى ستتأجل دعوة نتنياهو إلى البيت الأبيض. رغم التوقعات في القدس إلا أن زيارة وزير الخارجية الأميركي هنا، الأسبوع الماضي، لم تشمل دعوة رسمية لنتنياهو. رئيس الحكومة، الذي لم يواجه أي صعوبة كهذه في ولاياته السابقة، لم ينجح في الحصول على المصادقة لزيارة البيت الأبيض. يبدو أنه إزاء القلق في واشنطن من التوتر المتزايد بين إسرائيل والفلسطينيين فإن الخطوة المطلوبة هي أن تتم دعوة نتنياهو لواشنطن (ربما عباس أيضا بشكل فردي) في اقرب وقت.
السبب الرئيسي في أن هذا الأمر لم يحدث بعد يتعلق كما يبدو بسياسة إسرائيل الداخلية. عبّر بلينكن في السابق بشكل علني وفي لقاء مغلق مع نتنياهو عن مخاوف الإدارة الأميركية من الانقلاب الذي يقوده نتنياهو والمس المتوقع بالديمقراطية الإسرائيلية. الآن، يبدو أن الرئيس الأميركي وحاشيته لا يسارعون إلى توفير غطاء من الشرعية لنتنياهو في الوقت الذي يبذل فيه جهودا كبيرة لتخريب ما يصفه الأميركيون دائما بانفعال بمجموعة القيم الأساسية المشتركة للدولتين.

عن «هآرتس»