بحماس واضح ودغدغة للمشاعر، ألقى الرئيس الأميركي جو بايدن مساء الثلاثاء الماضي خطاب حالة الاتحاد أمام الكونغرس، مستعرضاً في هذا التقليد السنوي أبرز الإنجازات التي حققتها إدارته خلال العامين الماضيين من توليه السلطة.
في خطابه الذي تجاوز الساعة، كرّس بايدن أغلب حديثه في التركيز على السياسة الداخلية، ويفسر الكثيرون هذا الإجراء على أنه رغبة من الرئيس في إعلان الترشح لانتخابات الرئاسة التي ستجري بعد عامين، خصوصاً وأنه أتى على موضوعات تهم الناخب الأميركي وتؤثر إلى حد كبير على سلوكه التصويتي في أي انتخابات مقبلة.
ملفات ساخنة أضاء عليها الرئيس الأميركي، من أهمها موضوع الاقتصاد والتضخم والعملية الإنتاجية، إذ تغزّل في بداية حديثه باستحداث 12 مليون وظيفة في قطاعات إنتاجية مختلفة، وهو ما لم يفعله أي رئيس سابق على حد تعبير بايدن.
الرئيس الذي أحال تدهور الاقتصاد وزيادة معدلات التضخم إلى جائحة "كورونا"، قال إن إدارته تمكنت في العامين الماضيين من ضبط التضخم وإقرار قانون يحد من ارتفاع الأسعار ومواجهة الغلاء المعيشي، وتفاخر بإقامة حوالي 10 ملايين أميركي شركات جديدة بين صغيرة ومتوسطة النشاط.
موضوع أشباه الموصلات أخذ حيزاً مهماً في كلام الرئيس، حين تطرق إلى مسألة توقيع تشريع بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري لزيادة إنتاج أشباه الموصلات وحسم المعركة فيها مع الصين لصالح الولايات المتحدة، وهي المعركة التي لخّصها بايدن فيما يتعلق بعودة الصناعة الأميركية من جديد إلى موقع الريادة.
في هذا السياق بدا أن موضوع أشباه الموصلات حاله حال مختلف العديد من القطاعات التصنيعية يواجه مشكلة في التصنيع خارج الحدود الأميركية، ولذلك وجد الرئيس أن أشباه الموصلات تترجم الحاجة إلى تغيير مزاج التصنيع خصوصاً في التكنولوجيا الحساسة عبر توجيهه إلى الداخل الأميركي.
الفكرة أن العقلية الأميركية في عهد بايدن تريد استعادة وجلب الوظائف الحيوية والاستثمارات المهمة إلى الداخل الأميركي، بهدف وضع البلاد على سلّم ريادة القطاع التصنيعي في العالم، وزيادة فرص الوظائف وكذلك استحداث وظائف جديدة في قطاعات جديدة وواعدة.
أكثر ما يهم المواطن الأميركي هو السياسة الداخلية وكل ما يتعلق بنشاطه وحياته اليومية، ولذلك كان الرئيس بايدن حريصاً في خطابه على تغطية كافة الجوانب والقضايا التي تمس مشاعر المواطن، من ذلك مثلاً الرعاية الاجتماعية والطبية والضرائب.
وفي حين وعد بعدم زيادة الضرائب على الشرائح الفقيرة والمتوسطة، فقد طالب الشركات الكبرى بعدم التهرب الضريبي والالتزام بالقوانين الضريبية، ودعا إلى إصلاح الرعاية الاجتماعية والطبية وتجنب أي قرارات تخفض أو توقف المساعدات الحكومية للأسر الفقيرة.
لقد كان بايدن يحاول أن يجمع الحزبين الجمهوري والديمقراطي على قلب رجل واحد، إذ تحدث عن الفرص المستقبلية والشراكة بين الفريقين لتأمين احتياجات المواطنين، وطلب من الجمهوريين عدم المساس بأي تغيرات تطال الرعاية الطبية لكبار السن.
حتى أنه بدا واثقاً من هذا الموضوع حينما لوح بالـ"فيتو" تجاه أي قانون يمس تخفيض الإعانات الطبية لكبار السن، وجاء على مسألة إنجاز تخفيض نفقات التأمين الطبي لأزيد من 35%، وأولوية خفض تكاليف التأمين الطبي أكثر وأكثر وكذلك العقاقير الطبية.
في الولايات المتحدة، يصرف كل مواطن أميركي ميسور الحال أو من يعيشون فوق خط الفقر بقليل، الكثير من الأموال على التأمين الصحي والرعاية الطبية، ولذلك اقتنص بايدن هذه الفرصة للتأكيد على أن لا تتجاوز كُلف الرعاية الطبية أكثر من 2000 دولار في العام الواحد.
كثيراً ما تحدث عن الديمقراطية الأميركية وأنها محمية وليست في خطر، ورأى أنها تكرست في العامين الماضيين بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي بعديد القوانين والتشريعات التي وقعها، ويأمل أن تستكمل باقي ولايته الرئاسية بتمرير قوانين توافقية تتجاوز أي عنف سياسي على المستويين الحزبي والشعبي.
ثمة تحديات كثيرة تواجه الرئيس الأميركي وفي قضايا داخلية وخارجية، وتبرز فيها خلافات حادة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في موضوعات مثل إصلاح الشرطة وحظر حيازة الأسلحة الهجومية والهجرة الشرعية وغير الشرعية، وأيضاً موضوع إصلاح البنى التحتية والنفقات المخصصة لذلك.
وفي السياسة الخارجية التي مر عليها مرور الكرام في خطابه، يتفق الجمهوريون مع الديمقراطيين على أولوية دعم أوكرانيا والتصدي لروسيا والصين، لكن الشيطان يكمن في التفاصيل ولدى الحزب الجمهوري قائمة طويلة من الانتقادات لبايدن من بينها ضرورة تقليص حجم المساعدات لكييف والخلاف حول انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان.
مشكلة بايدن أنه أمام كونغرس منقسم يسيطر فيه الجمهوريون على مجلس النواب، فيما يسيطر الديمقراطيون على مجلس الشيوخ، ولذلك فإن كل آمال الرئيس الأميركي في ترجمة مستقبل واعد للأميركيين قد لا تتحقق في ظل هذا الانقسام السياسي.
السبب أن الحزب الجمهوري يعمل وفق مصلحته، وبالتأكيد هناك قضايا كثيرة لا يتقاطع فيها مع نظيره الديمقراطي خصوصاً في مسألة الإنفاق العام، ولذلك لن تكون مهمة الرئيس سهلة فيما تبقّى من فترته الرئاسية، لكن ما يتضح أكثر أن خطابه دعاية انتخابية له شخصياً ولحزبه الذي يرغب أن يعود من جديد للسيطرة على المناخ السياسي للبلاد في مرحلة الانتخابات الرئاسية 2024.