يواجه الاقتصاد التركي خسائر "مليارية" على وقع الزلزال المُدمر الذي ضرب كلا من سوريا وتركيا يوم الإثنين الماضي، مخلفا آلاف الضحايا، إضافة إلى الدمار الهائل الذي لحق بالبنية التحتية.
تشكل المدن العشر التي ضربها الزلزال في تركيا ثقلا اقتصاديا، لجهة وقوع كثيرٍ من الشركات الصناعية الكبرى فيها، وبشكل خاص في مدينة غازي عنتاب، التي تسهم بمعدلات مرتفعة ضمن إجمالي الصادرات التركية.. فما هي حدود تأثر الميزان التجاري لتركيا بالضرر الذي لحق بتلك المدن الهامة؟
بحسب الكاتب الاقتصادي التركي، ناغي بكير، في صحيفة "dunya" المتخصصة، فإن البيانات الحكومية تشير إلى أن حجم مساهمة المدن العشر التي لحقت بها أضرار الزلزال تصل إلى 10 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي لتركيا، وهي بذلك تسهم بحوالي 1.51 نقطة في معدل النمو المحقق في العام 2021.
تستحوذ مدينة غازي عنتاب على النسبة الأكبر من تلك المساهمة، وتعتبر المحافظة الثامنة ضمن أكبر المحافظات التركية المؤثرة في اقتصاد البلاد.
ووفق البيانات التي ذكرها ناغي، فإن إجمالي مساهمة المدن العشر في إجمالي صادرات تركيا، طبقا لبيانات العام 2022، يصل إلى 10.9 في المئة.
وتسجل غازي عنتاب 11.2 مليار دولار من إجمالي قيمة الصادرات، بينما مرسين حوالي 6.2 مليار دولار، وهاتاي 4.1 مليارات دولار، وأضنة 3.1 مليارات دولار.
وفيما قدر تقرير نشرته "رويترز" نسبة واردات المدن العشر من إجمالي واردات تركيا بحوالي 6.7 بالمئة، فإنه ذكر في الوقت نفسه أن غازي عنتاب وحدها تستحوذ على نسبة 4.4 في المئة من الصادرات التركية، و1.6 في المئة بالنسبة لهاتاي، و1.2 في المئة لأضنة.
خسائر فادحة
وحذر الكاتب التركي من خسائر فادحة يمكن أن تتعرض لها الصادرات في حال فقدان القوى العاملة في تلك المدن وتعطل الإنتاج والنقل والأنشطة اللوجستية بما يؤثر سلبا على التجارة الخارجية للبلاد.
لكن تقرير "رويترز" نقل عن خبراء اقتصاديين قولهم إنه "من غير المرجح أن تؤثر التبعات الاقتصادية للزلزال الذي ضرب البلد يوم الاثنين الماضي على الميزان التجاري؛ على اعتبار أنه من المتوقع أن تنخفض الصادرات والواردات، على حد سواء".
في المقابل، لا يعتقد أستاذ الاقتصاد وإدارة الأعمال المقيم في إسطنبول، مخلص الناظر، بأن هذه المعادلة (تراجع الصادرات والواردات معا) تفيد الاقتصاد التركي على الإطلاق حتى لو تم الحفاظ على الميزان التجاري.
ويفسر ذلك في تصريحه، " بقوله: "الميزان التجاري التركي يواجه عجزا مستمرا من العام الماضي، وبالتالي فإنه في أمس الحاجة لزيادة الصادرات وعدم فقدان هذه النسبة التي تسهم بها المدن العشر ضمن قائمة الصادرات".
ارتفع العجز التجاري في تركيا بنسبة 138.4 في المئة عن العام السابق إلى 110.19 مليارات دولار في 2022
زادت الصادرات 12.9 في المئة إلى 254.2 مليار دولار في 2022
قفزت الواردات التركية 34.3 في المئة إلى 364.4 مليار دولار، بحسب بيانات صادرة عن وزارة التجارة
شركات صناعية كبرى
ويشير أستاذ الاقتصاد وإدارة الأعمال، إلى أن المدن العشر التي تضررت بالزلزال تسهم بحوالي 10 بالمئة من الناتج الإجمالي لتركيا، بحوالي 76 مليار دولار، وتضم كثيراً من الشركات الصناعية المهمة (عاملة بقطاعات مختلفة، من بينها الملابس والمنتجات الغذائية)، غالبيتها في غازي عنتاب وتندرج ضمن قائمة أكبر 500 شركة صناعية في تركيا.
وذكرت تقارير محلية تركية أن عدد الشركات الكبرى العاملة بالمناطق المتضررة بالزلزال يصل لأكثر من 150 منشأة (كبيرة)، العدد الأكبر منها في مدينة غازي عنتاب، وغالبيتها مدرجة بقوائم أفضل الشركات الصناعية في تركيا (69 شركة مُدرجة ضمن قائمة أفضل 500 شركة صناعية بتركيا بتصنيف ISOالنسبة الأكبر في غازي عنتاب).
ويوضح الخبير الاقتصادي، أن الضرر الذي لحق بالمدن العشر يقود إلى حدوث انكماش في الصادرات بالنسبة لتلك الشركات، وبالتالي عجز قياسي في الميزان التجاري في تركيا، وهو العجز المستمر من العام الماضي وصار مرشحاً للاستمرار والزيادة هذا العام في ضوء تبعات الزلزال الاقتصادية.
تتبنى تركيا خطة لتصبح واحدة من أكبر 10 مصدرين في العالم (طبقاً لتصريحات سابقة للرئيس التركي)
في إطار برنامج اقتصادي تم الكشف عنه العام الماضي، تهدف تركيا للتحول إلى تحقيق فائض في الحساب الجاري من خلال زيادة الصادرات وأسعار الفائدة المنخفضة، على الرغم من ارتفاع التضخم وتراجع الليرة في السنوات الماضية.
تبعات كارثية
وأمام التبعات الكارثية للزلزال على الشركات العاملة في المدن العشر، يتوقع المحلل والخبير الاقتصادي أن تكون هناك خطة حكومية واضحة لدعم هذه الشركات، قائلاً: "من المستحيل أن تترك الحكومة الشركات في حالة توقف.. انعكاسات ذلك سوف تكون شديدة الخطورة على الاقتصاد التركي ومؤشراته المختلفة، بما في ذلك مؤشر البطالة الذي كان عند حدود 10 في المئة وبما يتعارض مع النموذج الاقتصادي التركي المستهدف".
ويتابع: "أتوقع خطة حكومية لدعم الشركات بقروض ميسرة أو منعدمة الفائدة، مع إعفاءات من الضرائب المختلفة، من أجل النهوض بتلك الشركات بعد الضرر الذي لحق بها، بالإضافة إلى تقديم المساعدة في عمليات إعادة الإعمار".
ويختتم أستاذ الاقتصاد وإدارة الأعمال المقيم في إسطنبول، حديثه بالإشارة إلى أن الاقتصاد التركي يتكبد خسائر فادحة (مليارية)، وسيرتفع حجم النفقات الحكومية هذا العام بشكل كبير، في ظل عمليات إعادة الإعمار والإيواء، وبما يسبب عجزا قياسيا جديدا يمكن أن تتراجع معه نسب النمو بحدود 1 أو 2 بالمئة.
وشهدت الميزانية التركية في الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي عجزا قدره 45.5 مليار ليرة (2.45 مليار دولار)، وفائضا أوليا حجمه 161.6 مليار ليرة ( 8.69 مليارات دولار). وبلغت مدفوعات تعويض خسائر المودعين 84.9 مليار ليرة (4.57 مليارات دولار) في تلك الفترة.
المصدر: سكاي نيوز عربية