زلزال الاسكندرونه وتداعياته السياسية

حجم الخط

بقلم عائد زقوت

 

 

 الكارثة المروعة التي أصابت تركيا وسوريا، وحجم الخسائر البشريّة المرعبة، وأوجاع الجرحى وآلام المعذبّين والظروف الصعبة القاسية البائسة هي الجزء الطّافي من جبل الجليد الذي يُخَبئ في طيّاته الكثير من التداعيات الاقتصادية والسياسية، حيث من المتوقع أن تمتد؟ فترة مواجهة ما خلّفه الزلزال لشهر أيار المقبل وهو الشهر المُزمع أن تجرى فيه الانتخابات الرئاسية في تركيا، مما دفع بالرئيس التركي أردوغان أن يضع نفسه منذ اللحظة الأولى لتواتر أنباء الزلزال في صدارة المشهد من خلال ظهوره بأكثر من تصريح أمام الكاميرات في إشارة إلى تحمّله مسؤولية الكارثة وذلك لاستثمارها في تحسين صورته المتراجعة وزيادة الضّغط على المعارضة القوية من خلال هذه الخطوة التي تُعد بالنسبة للمعارضة بمثابة سيف ذو حدّين فإذا ما تعاطت المعارضة مع توجّهات أردوغان في طريقة احتوائه لآثار الزلزال الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسية، فينعكس سلبًا على توجّهاتها حيث يمكن تفسير موقفها لصالح أردوغان، وإذا ما خالفت تلك السياسات سيضعها في مواجهة غير محسوبة مع أنصارها ومؤيّديها ممّا سيعزز أيضًا فرص أردوغان في الفوز بالانتخابات أو على الأقل تأجيلها إذا ما فشل في معالجة آثار الزلزال، حيث يدرك أردوغان التأثير الكبير للكوارث الطبيعية وتداعياتها على مستقبل العمل السياسي، ويبدو أنّه لا زال عالقًا في عقله الآثار السياسية للزلزال الذي وقع عام 1999 حيث تمّ تحميل رئيس الوزراء فيحينه بولاند أجاويد المسؤولية عن فشل الحكومة في معالجة تداعيات الأزمة من قِبل حزب الفضيلة الذي يعدّ نواة حزب العدالة والتنمية حزب أردوغان الحالي، حيث لعبت تلك الأزمة الدور الأبرز في وصول أردوغان إلى سدّة الحكم في عام 2002، فهل يخشى أردوغان من الزلازل أن تُنهي حياته السياسية كما بدأ منها؟ ستجيب قادم الأيام والتطوّرات الإقليمية والدوليّة عن ذلك.

اشتعال الحلَبة السياسية الداخلية في تركيا لا ينفصل عن التوتر المحتدم في العلاقات مع قبرص واليونان، وأيضًا التدخّل في شؤون الدول العربية، لكنّ الحالة الزلزاليّة فتحت المجال لاختراق تلك الدول للموقف المتأزّم بينهما وبادرت بتقديم المساعدات الانسانية والدعم اللوجستي في محاولة منها لتهيئة الظروف لتسوية الخلافات مع تركيا وفق معطيات مختلفة.

لواء الاسكندرونه يُعد امتدادًا طبيعيًا لمحافظة حلب السوريّة منذ مراسيم هنري غورو للترسيم وحتى دخول القوات التركية في نهاية ثلاثينيات القرن الماضي واستبدالها لاسمه إلى هاتاي حيثُ وقع الزلزال الحالي، الذي ألقى بضلاله على العلاقات السورية التركية وأنهى احتمالية القيام بالعملية العسكرية التركية التي طالما هددت بالقيام بها في الشمال السوري، وسيؤدي إلى دفع تركيا لتقديم المساعدات الإنسانية وتخفيف آثار الزلزال في تلك المنطقة بما فيها من الأكراد، على الرغم من كونها لا زالت مسرحًا لعمليّات عسكريّة واسعة النطاق منذ بدء الحرب في سوريا.
هذه الحالة ستؤثر من جهةٍ إيجابيًا على الأكراد في تركيا وسوريا وستتيح صياغة العلاقة مع أردوغان لما للأكراد من تأثير فاعل ومهم على نتائج الانتخابات في تركيا، وستفتح المجال لتطبيع العلاقات بين البلدين في حال رفع الفيتو الأميركي عن هذه الخطوة.

أَمٍلَت سوريا خلال الأيام الماضية في استثمار الآثار المدمرة للزلزال، وتعذّر وصول المساعدات إلى المناطق المنكوبة بسبب تضرّر طريق معبر باب الهوى المنفذ الوحيد المُصرح به أُمميًا لنقل المساعدات من جنوب تركيا إلى الشمال السوري حيث المناطق المدمرة، في محاولة منها للتأثير والضغط على المواقف السياسيّة التركية والأميركية وبعضًا من الدول العربية التي لا تعترف بالنظام السوري لإعادة النظر في سياساتها لجهة الاعتراف بالنظام، ولأجل تحقيق تطلعاتها لم تبادر إلى إعلان حالة الطوارئ في تلك المناطق، أو إعلانها مناطق منكوبة حتى يتسنى للأطراف المختلفة إدخال المساعدات دون موافقات سياسية من الحكومة السورية، لكنّ السجالات السياسية بقيت هي الناظمة والحاكمة للعلاقات ولا مكان في السياسة للبعد الإنساني.

التداعيات السلبية الناجمة عن الزلزال المدمّر الذي ضرب الاسكندرون قد تمتد وقتًا طويلًا وهي بحاجة إلى استمرار الدعم الدولي، لكنّ الأهم هو كيفية توظيف الدعم في الجانب الجيوسياسي، لعلاج الجراح العميقة التي أوجدتها أميركا في المنطقة لصناعة شرق أطلسي خاضع لها، والقضاء على أي فرصة لقيام شرق أوسطي متعدّد الأقطاب.