سواء شئنا أم أبينا، فنحن نقف على عتبة نهاية مرحلة وافولها ، وبداية مرحلة وعهد جديدين من عمر قضيتنا الوطنية الفلسطينية. نعم هذا هو الحال امام التعنت والتزمت والعنجهية والعربدة الصهيونية، ورفضهم لحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران، فلا حل يلوح بالأفق اذاً، قصرت المسافة أم بعدت أمام هذا التكلس الاسرائيلي، والانحياز الأميركي والغربي للاحتلال، والانفضاض الرسمي لبعض الاشقاء العرب من حولنا، وتفكك وتشرذم حالتنا الفلسطينية على كافة الصعد والمستويات.
نعم لا حل يلوح بالأفق وكأننا نقوم بإجراء عملية مستمرة لا نهاية لها . قد يرى البعض بأن هذه الحالة تشاؤمية ،وهي على العكس من ذلك تماماً ، فهي حالة تفاؤل وأمل، فالشعوب والقضايا العادلة لا تهزم، فخصائص الحالات النضالية تتسم بمرونة التكتيك، وبسرعة التعاطي مع المعطيات والتحولات. ففي بعض الأحيان تنتكس هنا و هناك أو في مرحلة من المراحل لكنها سرعان ما تستنهض الهمم من جديد، فمعنويات ابناء شعبنا الفلسطيني لن تكسر ولن تلين ، فنحن البداية ونحن النهاية ونحن من نستطيع ايقاف ووضع حد للاستمرارية أنفة الذكر.
على كل حال فنحن الفلسطينيين اقوياء على الرغم من كافة التحديات التي تواجهنا، ومن اكبر مصادر قوتنا هي ثباتنا وتواجدنا على الأرض الفلسطينية بما ينيف على سبعة ملايين فلسطيني، واعتراف الكيان بمنظمة التحرير الفلسطينية عام ١٩٩٣م كممثل للشعب الفلسطيني، يمثل ورقة قوة اخرى لنا، وبذات الوقت يعتبر هذا الاعتراف بمثابة انحسار وتراجع للمشروع الصهيوني، والغاء للرواية الزائفة التي روجها زعماء الحركة الصهيونية بأن فلسطين ارض بلا شعب لشعب بلا ارض ، وانهاء لفكرة يهودية الدولة. ويعتبر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بمنح فلسطين صفة دولة غير عضو في الأمم المتحدة من اوراق القوة الفلسطينية ايضاً . نعم هزائم تتلوها هزائم مني بها مشروعهم الاستعماري على كافة الجبهات حتى باتوا اوهن من بيت العنكبوت، وهذه هي الحقيقة التي باتوا يحاولون اخفائها، فلسنا وحدنا من يقف على اعتاب مرحلة جديدة، بل هم كذلك يتفككون من الداخل ، وتَصعد قوة اليمين المتطرف ووصوله الى الحكم يسرع من درجة انحدارهم نحو الانهيار .
ويقول الكاتب الاسرائيلي ميخائيل بريزون في مقال نشر له في صحيفة "هآرتس" بأنهم قد ولجوا المرحلة الثالثة من عمر كيانهم التي اسماها "مرحلة التدمير" منذ أن استلمت هذه الحكومة مقاليد السلطة.
إن التمترس الفلسطيني الرسمي في وجه التحديات هو أمر جيد ومطلوب ، وهو حالة نضالية دون ادنى شك أمام رفض الاحتلال الإقرار بحقوق ابناء شعبنا الفلسطيني، والفلسطينيون في تمترسهم هذا يقفون على ارضية صلبة امام رفض العدو بالإقرار بحقوقنا، فنحن لن نقبل بالانصياع وقبول ما دون سقف تطلعاتنا، فهذا الرفض لا يبرر لأي جهة كانت بالقبول ما دون حقوقنا المشروعة.
هذا يقودونا إلى أنه قد اصبح من الضروري جداً العمل على التمييز بين قيادة علنية وقيادة غير علنية في ظل هذه المرحلة، من اجل تغيير المعادلة على ارض الواقع ، لأن معادلة دولة بصفة مراقب ومقاومة لن تستقيم لأسباب متعددة، هذا يسوقنا الى ضرورة الولوج والخوض في موضوع حساس للغاية، تم طرحه من قبل الكثيرين، فهنالك من يطالب ويدعو الى أن تكون رئاسة منظمة التحرير ورئاسة دولة فلسطين ورئيس حركة "فتح" منفصلات كل على حدة ، وهذا ما اراه غاية في الحساسية في كونه يعمل على تفتيت المفتت، وتجزئة المجزأ، وتمزيق الممزق، لان الحالة الفلسطينية تعاني اصلاً من تشرذم مستعصي على كافة الصعد، منها الانقسام الفلسطيني، والولاءات الشخصية شبه المتجذرة التي بلينا بها، ونحن في طبيعة الحال بأمس الحاجة الى تكاتف الجميع جنبا الى جنب من اجل تحقيق الوحدة الوطنية، فالانقسام هو شماعة وذريعة يتذرع بها كافة اعداء الشعب الفلسطيني، ويقومون باستخدامها وتوظيفها من اجل اضعاف صورة الشخصية الفلسطينية أمام العالم، وهي بالطبع نقطة ضعف فلسطينية، تعمل على استنزاف الوقت وتشتيت الذهن الفلسطيني الذي من المفترض أن يكون له كيان وذهن وشخصية وطنية واحدة، ويجب ايضاً اتخاذ وتنفيذ قرارات صارمة بحق كل من يستغل المنصب العام، واتخاذ الاجراءات المناسبة بحق كل من يسيء للمنصب الذي يتولاه، وبحق كل من يسيء لأبناء شعبنا وتضحياته ، ولرموزنا السيادية ، فما احوجنا اليوم الى ثورة من الاصلاحات الداخلية من خلال تفعيل سياسة الرقابة الصارمة والمشددة وتطبيق سياسة العقاب والثواب، فهذه احدى الجبهات التي تعمل على تحصين جبهتنا الداخلية، وتعزز من ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة الرسمية، وتبني جسور الثقة فيما بيننا، ويجب العمل ايضاً على بناء جبهة وطنية، وتمتين علاقتنا بدولنا العربية، وتعزيز حضور قضيتنا امام الجماهير العربية، وينبغي علينا تعزيز علاقاتنا مع المحور الشرقي واميركا اللاتينية.
وبالعودة الى ما تقدم ذكره، فإن خطورة فصل الرئاسات الثلاثة تكمن في أن يفتت الجسم الفلسطيني ليصبح له ثلاثة رؤوس، وهذا الأمر قد يكون له تداعيات سلبية على مجمل القضية الوطنية الفلسطينية ، لأننا لم نغادر بعد مربع التحرر الوطني ، ولكنني اعتقد أن هناك طرحا واحدا قابلا للنقاش فيما يتعلق بهذا الشأن ، ولكن المجال لا يتسع للخوض فيه الآن.