قلنا في مقالين سابقين إن هناك منطلقات يحتاج شباب وشابات الأمة إلى أن يعوها حتى يصبح شعار الوحدة العربية واضحاً ومعقولاً، وفيه قابلية التحقق، بعيداً عن الطوباوية التي تدّعي القوى المعادية للوحدة بأنها هي الصفة التي تميز هذا الشعار.
تحدثنا عن أهمية الفهم الصحيح، ووعي الهوية العروبية القومية التاريخية الثقافية المشتركة الجامعة كمنطلق أول. ثم بيّنا ضرورة الفهم الواقعي لمبدأي التدرج والمرونة في النضال من أجل تحقق الوحدة العربية، كمشروع ممتد في الزمان والمكان.
اليوم، نود إبراز الأهمية القصوى لمنطلق أن يكون شعار الوحدة العربية جزءاً من مشروع عربي نهضوي، يخدم الوحدة العربية وتخدمه هي الأخرى. من هنا طرح مركز دراسات الوحدة العربية منذ عدة سنين مشروعاً فكرياً قومياً، واستراتيجية عمل للنضال من أجله؛ وذلك تحت مسمى «المشروع النهضوي العربي».
يطرح ذلك المشروع ستة شعارات؛ هي: الوحدة العربية، الاستقلال الوطني والقومي، التنمية المستدامة، الديمقراطية، العدالة الاجتماعية والتجدد الثقافي والحضاري.
من خلال هذا الترابط والتناغم الوثيق بين تلك المكونات الستة، أُبعد المشروع القومي العروبي عن الطوباوية النظرية، ليكون معبراً ومرتبطاً بواقع وحاجات المجتمعات العربية كلها، بدرجات متفاوتة بالطبع، وكمطالب نضالية يومية، سيؤدي تحققها إلى خروج الأمة العربية من حالة تخلفها التاريخي الحالي إلى آفاق التقدم والإبداع الحضاري الإنساني المادي والمعنوي.
إننا، إذن، أمام مشروع سياسي اقتصادي اجتماعي ثقافي هائل، يحتاج إلى كتلة تاريخية من قوى رسمية وقوى مجتمعية مدنية. غياب الحكومات سيضعفه، وغياب قوى المجتمعات المدنية سيعيقه. هنا يأتي على الأخص دور الشابات والشباب العرب في أن يكونوا رأس حربة هذا المشروع من خلال انخراطهم في أحزاب سياسية، وتنظيمات مهنية ونقابية ومدنية أخرى، واستعمالاتهم النضالية الفاعلة لكل وسائل التواصل الاجتماعي، واندماجهم في الحركات التقدمية النضالية العالمية؛ وذلك من أجل بناء تيار وحراك نضالي سياسي سلمي ديمقراطي، يدفع الحكومات للانخراط في تحقق هذا المشروع النهضوي.
هكذا مشاريع تاريخية كبرى لا تحقق من خلال جهود فردية متناثرة هنا وهناك، إنها بحاجة إلى قوى نضالية منظمة ومتماسكة، وهذا هو مربط الفرس في الوضع العربي الحالي؛ إذ إن غياب تلك القوى، أو نجاح الحكومات في تهميش وشراء وتزييف الكثير من القوى إن وجدت، أو حرف بعض القوى نحو العنف الديني التكفيري وخزعبلات قادته، هي التي جعلت من المجتمعات العربية جهات متفرجة ولا مبالية، ومن الشباب والشابات جموعاً غير تغييرية وغير فاعلة.
موضوع القوى الحاملة لذلك المشروع النهضوي والنضال من أجله هو الذي يجب أن يكون شغل شباب وشابات الأمة الشاغل.
إن أول خطوة في ذلك الاتجاه الفكري والنضالي القومي هي الرفض التام لمقولات القوى الاستعمارية وبعض المرتّدين من المثقفين العرب من أن كل تلك الشعارات هي أوهام، وأن الواقعية تفرض على شابات وشباب الأمة أن يبقوا كرعايا انتهازيين يستجدون، كما يستجدي العبد من سيده، المكرمات والعطايا والتفضل من هذه الجهة المسيطرة أو تلك. نعم، كرعايا تابعين مستجدين وليس كمواطنين أحرار متساوين فاعلين في بناء نهضة حضارية تليق بتاريخ هذه الأمة ومستقبلها.