تنشغل الأوساط الإسرائيلية السياسية والأمنية والإعلامية منذ وقت ليس قصير بتداعيات عملية نقل المسؤوليات المناطة بالرئيس للسلف على النظام السياسي الفلسطيني برمته وكذلك على العلاقة الفلسطينية الإسرائيلية التي تشهد بدورها حالة من التوتر نتيجة لإنقلاب الأخيرة على الإتفاقيات الموقعة بين الطرفين العام 1993، ورفضها حتى الإعتراف أنها دولة إحتلال عسكري عنصري، لا سيما وأن الرئيس هو آخر الجيل المؤسس للحركة الوطنية الفلسطينية، ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ورئيس دولة فلسطين وفقاً للقرار رقم الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة العام ، ورئيس حركة فتح التي تقود المشروع الوطني الفلسطيني.
وكانت مجموعة الأزمات الدولية قد نشرت في الأول من شهر شباط/فبراير الجاري تقريراً في الشأن ذاته حمل عنوان (إدارة العملية الإنتقالية الوشيكة في القيادة الفلسطينية)، الأمر الذي يبين مدى الإهتمام الإسرائيلي والدولي وما بينهما الإقليمي بمآل الحركة الوطنية الفلسطينية ومسار تطورها المستقبلي بعد مغادرة الجيل المؤسس للمشهد وإنتقال القيادة للسلف، لا سيما في هذه اللحظة من الزمن التي تشهد فيها البيئة الإستراتيجية الفلسطينية تحولات جذرية.
وتظهر مقارنة تقرير مجموعة الأزمات الدولية مع التقارير الإسرائيلية خاصة التقرير الصادر عن معهد إسرائيل لدراسات الأمن القومي، والتقرير الصادرعن المدير العام لمعهد القدس للإستراتيجية والأمن، أن هناك تطابقا تقريباً في مقاربة هذه الأطراف للعملية الإنتقالية.
وتتجلى أول هذه التطابقات في تجاهل التقارير للإحتلال وفي تجاهل إنكار الحكومة الحالية لهذه الحقيقة، وذلك على الرغم أنه أي الإحتلال هو السبب المنشىء للصراع برمته، وترمي هذه التقارير مسؤولية تعطيل النقل السلس للقيادة من الخلف للسلف على الفلسطينيين، لا سيما على السلطة الفلسطينية التي فشلت وفق هذه التقارير في التحول الى مؤسسات دولة.
تجدر الإشارة هنا أنه على الرغم من بعض الملاحظات على السلطة في هذا الشأن إلا أن هذا التجني غير البرئ من قبل الأطراف المعدة للتقارير يتناقض مع كثير من التقارير الدولية التي أكدت أكثر من مرة على جدارة الفلسطينيين ونجاحهم في بناء مؤسسات دولة مستقلة.
أما ثاني هذه التقاطعات فيبدو واضحا في تجاهل هذه التقارير للدولة الفلسطينية حتى وإن كانت وفقا للقرار الاممي هي دولة غير كامل العضوية، الأمر الذي يفسر غياب حلول دولة فلسطين محل السلطة على الوثائق والمراسلات الرسمية الفلسطينية.
ويتجلى ثالث هذه التقاطعات في إختصار التقارير الثلاثة للنظام السياسي الفلسطيني في السلطة الفلسطينية، الأمر الذي يكشف محاولات إسرائيل وبمساعدة دولية في تثبيت أن السلطة الفلسطينية تختصر الحركة الوطنية الفلسطينية برمتها وتعلو على منظمة التحرير الفلسطينية.
وفيما يتعلق بالنظام السياسي الفلسطيني يجادل الخبراء في القانون الدستوري أن هناك ثلاثة نظم سياسية فلسطينية كل منها له مرجعيته الدستورية، الأول هو النظام السياسي الذي تمثله منظمة التحرير الفلسطينية ويشكل ميثاقها الوطني المرجعية الدستورية لهذا النظام، والثاني هو النظام الذي تمثله السلطة الفلسطينية ويشكل القانون الأساسي المعدل مرجعيته الدستورية، أما النظام الثالث فيتمثل في الدولة الفلسطينية المستقلة المنتظرة، ويشكل مشروع الدستور الفلسطيني بمسوداته المتعددة المرجعية الدستورية.
ولما كانت منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده هي صاحبة الولاية على السلطة الفلسطينية، ولما كانت الدولة المستقلة لم تقم بعد على أرض الواقع، ولما كانت منظمة التحرير ستبقى حتى في ظل قيام الدولة المستقلة مستقبلاً، تكون المنظمة ومؤسستها التشريعية (المجلس الوطني والمجلس المركزي) ولجنتها التنفيذية هما الجهة المخولة دستورياً وفقاً للنظام الأساسي للمنظمة بترتيب إجراءات النقل للسلف، الأمر الذي يعني أن كل السيناريوهات التي تتحدث عن صراعات على الخلافة إنما تهدف للإرباك الداخلي في محاولة لحرف الإتجاه عما يجب أن يكون.
وتأسيساً على ذلك فإن الأولوية العليا للشعب الفلسطيني في المرحلة الحالية هي تمتين منظمة التحرير الفلسطينية وإصلاح مؤسساتها وإندماج الفصائل التي لا زالت خارجها في مؤسساتها، ثم إتمام صياغة دستور الدولة وإعتماده ليحل مكان القانون الأساسي للسلطة، وأخيرا اعتماد إستراتيجية وطنية جامعة هدفها انجاز التحرر من الإحتلال وتجسيد الدولة المستقلة وعاصمتها القدس، بحيث يكون تنفيذ هذه الإستراتيجية الهدف الذي يجري تقييم السلف على مدى التقدم في الإقتراب منه.