هارتس : اتفاق أوسلو: ماذا جرى في إسرائيل خلف الكواليس؟

حجم الخط

بقلم: عوفر اديرت


بيريس عن عرفات: نتعامل مع "ثعلب"، ولا أريد أن أكون ضحيته
أريد أن يتنازل رسمياً عن لقب رئيس، ولا يهمني بعد ذلك إذا عاد


وصف وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق، شمعون بيريس، زعيم "م.ت.ف"، ياسر عرفات بـ"الثعلب"، وعبر عن خشيته من أنه "غير جدي"، وتساءل هل يمكن أصلا الاعتماد عليه. تولّد لدى مدير عام وزارة الخارجية في حينه، أوري سبير، الانطباع بأن ياسر عرفات "غريب، مضحك، وغير واقعي". وكشفت وثائق تاريخية، مؤخراً، من أرشيف الدولة توثق ما حدث خلف كواليس المفاوضات السرية التي أجراها رجال وزارة الخارجية مع ممثلي "م.ت.ف" قبل ثلاثين سنة، والتي أدت إلى التوقيع على اتفاق أوسلو في 13 أيلول 1993. الاطلاع على الوثائق يكشف ما الذي اعتقده الإسرائيليون والفلسطينيون وبحق بخصوص عرفات قبل فترة قصيرة من المصافحة المشهورة بينه وبين رئيس الحكومة، اسحق رابين، في البيت الأبيض، التي كان يمكن أن تكون خطوة أولى في الطريق إلى إنهاء النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني.
"نتعامل مع ثعلب... بدأتُ أقلق ما إذا كان هذا الرجل جدياً. ولا أريد أن أكون ضحيته"، قال بيريس في 28 تموز 1993 في نقاش داخلي أجري في مكتبه بمشاركة نائبه، يوسي بيلين، ومدير عام وزارة الخارجية سبير والمحامي يوئيل زينغر، الذي كان المستشار القانوني في المفاوضات. قبل عشرة أيام من ذلك، قال بيريس لتريه لارسن، الوسيط النرويجي في المحادثات، "قل لهم، رجاء، بأن هناك كثيرين يقولون لنا لا تتحدثوا مع عرفات وإنه لا يمكن الوثوق به. فهو يغير رأيه. هو يجب أن يخلق ثقة، يوجد القليل من هذا". في النقاش ذاته، عبر بيريس عن تخوفه من أن فشل المحادثات سيؤدي إلى حرج، وسيظهره هو وزملاؤه "أغبياء وساذجين".
"مثال على كونه غير واقعي"، وصف في التقرير أن "عرفات يتحدث عن استيراد النفط من العراق لإسرائيل وللفلسطينيين". وكتب أيضا بأنه توجد له "رؤية شبه سحرية عن إسرائيل، وهو يؤمن بإمكانية جني الثمار من التعاون معها، لكنه أيضا أسير بدرجة معينة للشعارات، ويصعب عليه، الآن، الانتقال إلى تفكير براغماتي واقعي، يمكن من التوصل إلى اتفاق".
خلافا لذلك، عرضت في التقرير أيضا صفات أخرى لعرفات. فقد وصف كشخص "له تأثير ساحر تقريبا على قيادة المنظمة، وعمليا على معظم الشعب الفلسطيني... وإن له قدرة تقريبا غير محدودة على منع أو تمكين حدوث عمليات داخل شعبه. نظراؤه قالوا، إنه "الوحيد القادر على إدخال النظام إلى صفوف الفلسطينيين، سواء على مستوى اتخاذ القرارات أو على الأرض إذا سيطر عليه"، أضاف سبير.
في وثيقة أخرى بتاريخ 27 تموز، تطرق زينغر لأبو العلاء. في الوثيقة كتب أن زينغر تحدث بشكل مطول عن قدرة أبو العلاء كمفاوض ذكي ومتحايل، يكذّب الجميع من اجل الوصول إلى الهدف، إلى درجة أنه جعل بيريس يتساءل كيف يمكن الاعتماد على شخص مثله". ربما على هذه الخلفية يجب تفسير الجملة المهمة التي تظهر في وثيقة أخرى كتب فيها بأن أبو العلاء هدأ النظراء الإسرائيليين بأنه "لا يوجد لنا سبب للخوف من موضوع حق العودة" لأنه "مع الاتفاق الدائم سيوافقون على إلغائه".
تطرق بيريس بتشكك أيضا إلى إمكانية أن تلغي "م.ت.ف" بنود الميثاق الفلسطيني التي تدعو إلى القضاء على دولة إسرائيل. "إلغاء الميثاق هذا مجرد زينة"، قال في النقاش الذي جرى في 28 تموز. عبّر بيريس في النقاشات التي جرت في تلك الفترة عن خوفه من أن الفلسطينيين ينوون استغلال الاتفاق من اجل إقامة دولة دون أن يتم تنسيق هذا الأمر مع إسرائيل. هو لم يعارض ذلك بصورة مبدئية ولكنه حذر من أنه لن ينجح في المصادقة في الكنيست وفي الحكومة على خطوة يمكن أن تقود إلى ذلك: "لا تهمني الدولة الفلسطينية، لكن، الآن، لا يمكنني تمرير ذلك"، قال بيريس. مع ذلك أضاف، إن "ما أخافه هو دولة فلسطينية. أصدقائي، بمن فيهم رابين، لن يوافقوا على ذلك".
جزء كبير من النقاشات تناول طلب الفلسطينيين بأن تسمح إسرائيل لعرفات بالعودة إلى "المناطق". "الخيارات هي عرفات الآن أو عرفات بعد ذلك. أنا مع عرفات الآن، لكني لست على ثقة بأنه يمكنني أن أقود عملية كهذه الآن"، قال بيريس. "إذا جاء إلى المناطق (مع جيش التحرير الفلسطيني) وسمي رئيسا فإن ذلك يعني دولة فلسطينية. سيكون هناك جيش وسفارات وهذا يعني دولة". عبّر بيريس أيضا عن خوفه من التداعيات التي ستكون لعودة عرفات وقال، "أنا أريد منه رسميا أن يتنازل عن لقب رئيس. بعد ذلك لا يهمني إذا عاد. من ناحيتي أن يحول المجلس الوطني الفلسطيني إلى حزب وأن يعقده، هذا لا يهمني".
زينغر قال في هذا السياق، "هم يرون (ربما القصد يريدون) عودته بسرعة. فعليا، هذا سيكون بعد ساعة". أشار بيلين إلى صعوبة أخرى. "سيكون من الصعب علينا أن نبيع رابين عودة عرفات إلى غزة". اقترح زينغر التقليل من أهمية هذا الموضوع. "لن يكون مكتوبا (م.ت.ف) أو عودة (م.ت.ف) أو عودة عرفات. ستكون هناك كلمات شيفرة ستفهم بيننا بهذا القصد"، قال في تطرقه لصيغة الاتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين. وأضاف بيلين، "يمكننا القول، إنه قبيل النقاش على الاتفاق الدائم ستنضم/ ستجتمع مجموعة من قيادة الشعب الفلسطيني، أي (م.ت.ف). لن نعارض هذا الاقتراح ولن نذكر عرفات". مع ذلك أكد، "هذا الأمر حاسم الآن وهو تأجيل عودة عرفات".
أيد سبير الجانب الفلسطيني وقال، "يجب إعطاء ما يكفي من الأمل. وإنه في مرحلة معينة عرفات يمكنه أن يدخل. لا توجد حسب رأيي إمكانية للتوقيع دون أن يكون هناك أي شيء يضمن لعرفات العودة. لن تسمح (م.ت.ف) لأي شخص آخر بأن ينجح". في نقاش آخر عقد في موعد قريب كتب أن "بيريس يرى مشكلة في كل موضوع دخول (م.ت.ف) والاعتراف بها. هو يعتقد أن هذا لن يمر في البلاد. مرة تلو الأخرى عبر عن مخاوفه من أن عرفات سيدخل إلى القطاع كرئيس لدولة فلسطين". في نهاية المطاف، في تموز 1994، عاد عرفات إلى القطاع بعد سنوات من المنفى. بعد بضعة اشهر من ذلك حصل عرفات ورابين وبيريس على جائزة نوبل للسلام.
توثق الوثائق أيضا أزمات كثيرة واجهتها المفاوضات. "حاول الفلسطينيون الحصول على المزيد من التنازلات عن طريق المفاوضات". كتب في إحدى الوثائق التي كتبها هيرشفيلد وفونداك. وفي محاولة للخروج من الجمود فإن الوسيط النرويجي لارسن اقترح على الطاقم الإسرائيلي طريقة لمواجهة تصلب الفلسطينيين: "طرح لارسن على مسامعنا رأيه بأنه بصورة مبدئية هذه محاولات تكتيكية لـ(م.ت.ف) من اجل تحسين مواقعها وأنه لن تكون أي نهاية للمفاوضات إذا لم نعرض على (م.ت.ف) موقفا على صيغة (خذه أو اتركه)"، كتب في الوثيقة التي صاغها زينغر.
أوصى زينغر باستخدام ضغط على "م.ت.ف" أيضا عبر وسائل الإعلام. "من اجل تعزيز هذا الضغط يوصى بأنه في الفترة القريبة، سواء وزير الخارجية أو رئيس الحكومة يجب أن يدسا في مقابلاتهما مع وسائل الإعلام مصطلحات مثل: في الموضوع الفلسطيني توصلنا إلى نهاية حدود تنازلاتنا، أو الفلسطينيون يوسعون الخلافات في الآراء معنا بدلا من تقليصها ونحن لن نوافق على هذه المقاربة"، كتب. وأشار في التقرير الذي كتبه، "تولد لدينا الانطباع بأنهم في (م.ت.ف) يقرؤون الصحف الإسرائيلية مع عدسة مكبرة، ويتعاملون بجدية كبيرة جدا مع تصريحات رئيس الحكومة ووزير الخارجية".
موضوع آخر ثار في المحادثات وهو العداء السياسي والأيديولوجي بين "فتح" و"حماس". بيريس قال في هذا السياق للارسن، "لا نريد أن تخسر (م.ت.ف). نحن لا نحبهم، لكن مع أخذ البديل في الحسبان فقد أصبحنا رومانسيين".
في مكان آخر، أشار بيريس إلى أن رابين طلب من عضو الكنيست، يوسي سريد، بأن يجري مفاوضات موازية في قناة أخرى مع نبيل شعث، وهو شخصية رفيعة فلسطينية. هو يريد قناة خاصة به. سمح رابين أيضا لشولاميت الوني بالالتقاء مع أبو مازن، قال بيريس. أيضا حاييم رامون أجرى اتصالات مع فلسطينيين في قناة أخرى. "اللقاءات الأخرى مع (م.ت.ف) والرسائل المتناقضة المنقولة لهم تجعل (م.ت.ف) تضيف طلبات جديدة، ونتيجة لذلك تشوشت المفاوضات"، كتب زينغر في 29 تموز. يُظهر جزء من المواضيع التي طرحت للنقاش قبيل الاتفاق الآن وكأنها تعود إلى عصر آخر. اقترح بيريس في احد النقاشات أن يحول غزة إلى سنغافورة، مدينة – دولة صغيرة تعتبر نجاحا اقتصاديا عالميا. "غزة هي الأمر القريب جدا من سنغافورة. ما حدث هناك يمكن أن يحدث أيضا في قطاع غزة. سيكون من الصعب على غزة أن تنسخ سويسرا. على الأقل ليس في المزاد". الوثائق سلمها هيرشفيلد لأرشيف الدولة، حيث كان شريكا في المفاوضات. وهي تشمل بروتوكولات ومسودات الاتفاق وتقارير لرئيس الحكومة رابين ووزير الخارجية بيريس وتسجيلات للقاءات داخلية للمشاركين من الطرف الإسرائيلي.
نضجت الاتصالات السرية في النهاية وأثمرت التوقيع على اتفاق أوسلو الذي كان "إعلان مبادئ عن ترتيبات مؤقتة لحكم ذاتي". وقع على الاتفاق في 13 أيلول بيريس ومحمود عباس بحضور عرفات ورابين والرئيس الأميركي، بيل كلينتون. "حكومة إسرائيل وبعثة (م.ت.ف)، التي تمثل الشعب الفلسطيني توافقان على أنه قد حان الوقت لوضع حد لعشرات السنين من المواجهة والنزاع، وتعترفان بشكل متبادل بالحقوق الشرعية والسياسية لهما وتطمحان في العمل بكل ما في استطاعتهما على التعايش بسلام واحترام وأمن متبادل، والتوصل إلى اتفاق سلام عادل، قابل للبقاء وشامل لتسوية تاريخية عبر العملية السياسية المتفق عليها"، كتب في الاتفاق. في نهاية الاحتفال تصافح رابين وعرفات في الصورة التي كان يمكن أن ترمز إلى بداية عهد جديد في العلاقات بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

عن "هآرتس"