مع نهاية كل عام اعتاد مركز أبحاث الأمن القومي في إسرائيل أن يقدم تقريره السنوي للتهديدات المحيطة بالدولة في العام الجديد ومؤشرات الأمن القومي والتطور الذي حصل لدى أعداء إسرائيل، ثم يقدم تلك الأخطار على شكل أولويات يضعها أمام صانعي القرار واضعاً عدداً من التوصيات في مواجهة تلك التهديدات، وبالعادة تتحول تلك التوصيات إلى سياسة استراتيجية وميدانية تتوزع وفقا للاختصاصات واجبة التنفيذ أي تتحول أي خطط عمل تنشغل الدولة بتنفيذها.
في كل مرة يتم رصد الأهداف من خلال قراءات عميقة متأنية يشرف عليها اختصاصيون يضمهم المركز، لكن اللافت خلال السنوات الماضية تشابه التقارير لأن التطورات في المنطقة أحدثت انزياحات كبيرة لتهديدات سابقة مثل تهديد الجيوش النظامية بعد تدمير الجيشين العراقي والسوري وانشغالهما في حروب أهلية وكذلك مشاغلة الجيش المصري في سيناء، لكن التهديد الإيراني بقى الوحيد الثابت الذي يعاد تكراره في تقارير السنوات الأخيرة.
ويشير التقرير إلى تطور هام حدث هذا العام تمثل في الاتفاق مع إيران والذي عملت إسرائيل جاهدة لعرقلة الوصول إليه، إذ تعتبر الدولة العبرية بأن هذا الاتفاق له جانبان: الأول أنه يلعب دورا في تأخير إنتاج إيران للقنبلة «لا يستبعد إنتاجها « والثاني أنه أعطى لإيران قوة ونفوذا أكبر في المنطقة، ما يعني تلقائيا زيادة قوة تهديد حزب الله كما قال التقرير «التهديد العسكري الأساسي الماثل أمام إسرائيل في هذا الزمن هو حزب الله الذي يواصل مراكمة قدراته بأسلحة هجومية ودفاعية من إنتاج روسي وإيراني وسوري ومديات الصواريخ التي في حوزة حزب الله تغطي كل إسرائيل، دقة إصابة هذه الصواريخ تتزايد باستمرار، والحزب يطور قدرة هجومية يخطط بها للسيطرة على مناطق في إسرائيل».
من هنا كان التركيز في التقرير على سورية باعتبارها «الإمكانية المركزية لإضعاف إيران» كما ذكر، إذ جاء في التوصية أن «سورية هي القناة الإيرانية في العالم العربي تحافظ على التواصل وتعزيز حزب الله وأيضا تعزيز مجموعات فلسطينية متطرفة»، والأخطر والأكثر وضوحا أن يقول التقرير أن «إضعاف الرئيس بشار الأسد واقتلاعه من الحكم مصلحة إسرائيلية واضحة، عبر ذلك فقط يمكن الإضرار بشكل قاس بإيران وبحزب الله، وعلى إسرائيل أن تجد طريقا لدعم مسارات تؤدي في نهاية المطاف إلى ألا يشكل نظام الأسد طرفا مهيمنا في سورية، وذلك في موازاة الامتناع عن تعزيز تيارات سنية متطرفة في مقدمتها داعش».
لم تنس مجموعة الخبراء الذين أعدوا التقرير أن تضغ في التوصيات آليات تنفيذ ما اعتبرته إضعاف المحور الراديكالي قدر الإمكان في سورية وإبعادها قدر الإمكان عن الجولان إذا تم تقسيم سورية، حيث يتم التعامل مع المنظمات السنية المعتدلة والدول الداعمة لها مثل السعودية ودول أخرى في الخليج إضافة الى الأردن وتركيا، لذا كانت التوصية أنه « ينبغي لإسرائيل تعميق التحالف مع الدول العربية البرغماتية انطلاقا من المصالح والذي لا سابق له، وتطوير منظومة علاقات مع «الكتلة السنية» بما يخدم مصلحة إسرائيل على المديين القصير والطويل.
جهوزية إسرائيل الدائمة عسكريا هي التوصية المتكررة في كل ما جاء في التقرير في مقابل كل التهديدات التي تحدث عنها، ففي الموضوع الإيراني تحدث عن أنه «ينبغي لإسرائيل أن تعمل على بناء قوة تسمح لها بمواجهة السيناريوهات المختلفة مثل خرق الاتفاق أو إلغاؤه أو قفز إيراني سري أو علني باتجاه القنبلة، وفيما يتعلق بسورية تحدث التقرير موصياً بضرورة «استعداد إسرائيل عسكريا لإمكانية عودة سورية دولة موحدة».
أما فيما يخص حزب الله فقد جاءت التوصية بما يشبه تقارير الأعوام السابقة «بضرورة الاستعداد لمواجهة عسكرية شاملة مع حزب الله وعلى إسرائيل التأكد من وجود رد هجومي ودفاعي وردعي في مقابل الحزب وعلى إسرائيل التعامل مع حزب الله ولبنان ككيان سياسي واحد يهاجم إسرائيل، واستهداف بنية تحتية قومية في لبنان كجزء من المعركة الحاسمة».
لكن التوصيات فيما يتعلق بالجانب الفلسطيني كانت على مسارين بما يتلاءم مع حالة الانقسام ووجود مسارين متصادمين وبرنامجين مختلفين وبما يضمن إدامة الانقسام الفلسطيني من حيث التوصيات المنفصلة لكل كيان على حدة. ففي حين جاءت التوصية الأولى فيما يتعلق بالعلاقة مع السلطة الفلسطينية قائلة أنه «ينبغي على إسرائيل الانتقال إلى مسارات تتعلق بإجراء مفاوضات وسلسلة ترتيبات مرحلية» وفي ذلك من الخطورة ما يخفف حالة العزلة التي بدأت تعيشها إسرائيل، لذا على الفلسطينيين الحذر من التعاطي معها، إذ ليس المطروح خلال هذا العام مفاوضات حل متكامل بل مفاوضات حلول مرحلية تعيد ذر الرماد في عيون العالم وتلقي بمسؤولية رفض التسوية على السلطة الفلسطينية حتى تتمكن اسرائيل من تبرير حلولها الجزئية احادية الجانب. لكن فيما يتعلق بالجزء الآخر من التوصية أو ما يتعلق بحركة حماس، فقد أوصى التقرير «بضرورة إعداد الجيش الإسرائيلي لمواجهة عسكرية جديدة مع قطاع غزة وفق عبر عملية «الجرف الصامد».
وإن كانت التوصيات بما يتعلق بإيران وحزب الله هي توصيات مكررة لما جاء في تقارير الأمن القومي للسنوات السابقة، وهذا ربما يزيد من وضوح الرؤية بالنسبة للفلسطينيين من الصراع في سورية وتبعية المحاور وأين تقف إسرائيل، لكن الجديد بما يتعلق بالمسار الفلسطيني، حيث أن التوصيات على هذا المسار تحمل الجديد القديم بما يؤشر لتهديد جدي وحقيقي، حيث الرغبة بتحقيق انتصار سياسي على السياسة الفلسطينية والدبلوماسية الفلسطينية وحشرها، وكذلك انتصار عسكري على قطاع غزة وفصائل المقاومة وهذا ما يتطلب إعداد توصيات فلسطينية موازية تضمن إبطال مفعول الاستراتيجية الاسرائيلية على المسارين.
إذا شاء قدر الفلسطينيين العابث بهذا الانقسام أن تضع إسرائيل خطتها شبه المعلنة للعمل ضدهم في عام 2016 يجب عليهم إعداد خطتهم الدفاعية التي تضمن على الأقل عرقلة ما تخطط له إسرائيل، وهذا ممكن إذا ما استوقفتهم هذه التوصيات وانتقلوا من رد الفعل السياسي والعسكري إلى ميدان الفعل .. أن يتحولوا إلى صانعي سياسة بدلا من سياسة الانتظار .. هل هذا ممكن؟ عام 2016 يحمل مخاطر جدية هل نحن على قدر مواجهتها؟ سؤال كبير متروكة إجابته لصانعي القرار لكنهم هكذا يخططون.