يتعمق أكثر مأزق نتنياهو في هذه الحكومة مع شهية شركائه المفتوحة للاستيطان وحسم الصراع مع الفلسطينيين بأي ثمن وبسرعة شديدة، هؤلاء الشركاء يقرؤون الخارطة جيدا ويدركون أن لا مفر أمام نتنياهو إلا الاستجابة صاغرا لكل مطالبهم فهم الأقوى في حكومته. لكن ذلك يؤدي لزيادة مأزق نتنياهو مع الخارج وخصوصا الولايات المتحدة التي أرسلت ما يكفي من الإشارات قبل أن يرد عليها بن غفير الذي يعرف ممكنات قوته بسخرية مهينة للبيت الأبيض.
بين مطرقة سموتريتش - بن غفير وسندان الخارج يجد رئيس وزراء إسرائيل نفسه، وهذه المعادلة هي ما سيتسبب بسقوطه فهو يحاول إمساك العصا من الوسط ويتصرف باحتيال كعادته، لكن لن يتمكن طويلاً من اللعب على حبال حادة وخصوصا أنه أمام شركاء مخلصين لمواقفهم لا تهمهم الحكومة، ولهم سابقة في ذلك قبل عامين عندما رفض سموتريتش أن يكون في حكومة يدعمها منصور عباس، والمسألة الأهم أن نقطة ضعف نتنياهو مكشوفة أمامهم والبديل هو السجن.
وصلت الأزمة لنقطة فاصلة أول من أمس مع إخلاء الجيش الإسرائيلي لكرم زراعي استيطاني في الضفة بعد قرار المحكمة بأنه أقيم على أرض خاصة وتعليمات وزير الجيش يوآف غالانت بإخلائه، وكان هذا عكس إرادة سموتريتش الذي يتقاسم الوزارة بما يتعلق بالضفة الغربية مع غالانت ما أثار زعيم حزب الصهيونية الدينية الذي يبدو أنه يوصل نتنياهو للحظة حرجة قائلا: «إما صلاحيات الضفة كاملة أو ينتهي التحالف».
الأسبوع الماضي قام فلسطيني بدهس ركاب على محطة باص في القدس فكانت ردة فعل وزير الأمن الداخلي بن غفير شديدة أفلت لسانه بتصريحات تتوعد بالانتقام على نمط «سور واقي 2» وزيادة الاستيطان، تلك التصريحات كانت محل سخرية في الفضاء الإسرائيلي لكن تبين أن بن غفير لم يأتِ للحكومة ليتحول إلى مهرج ويخسر قاعدته بل ليضع نتنياهو على المحك أو حل الحكومة، ولم يكن أمام نتنياهو إلا أن يصادق على شرعنة تسع بؤر استيطانية.
لن يقدم سموتريتش أي تنازل فهو في موقع قوة ويعرف نتنياهو جيدا ويعرف ألاعيبه، فهو من قال عن رئيس الوزراء في تسريب صوتي قبل أشهر «كذاب ابن كذاب» وبالتالي ليس أمام نتنياهو إلا أن يسلمه الصلاحيات كاملة وخاصة بعدما قال سموتريتش وبن غفير أول من أمس إن «السياسة الحالية للحكومة تتناقض مع الاتفاقيات الائتلافية « وألمحا بأن الأمر من شأنه يعرض وجودها للخطر وهذا لمن يعرف الخارطة السياسية لم يكن تهديدا عابثا .
لن يتمكن نتنياهو طويلا من اللعب على الحبال، فإما أن تحل الحكومة بأسرع من التوقعات إذا لم يستجب لكل ابتزازات ثنائي قائمة الصهيونية الدينية وهذا كابوس لن يتعجل به نتنياهو لأنه يعني النهاية التي يخشاها أو أن يستجيب لسياساتهم والتي بالإجمال لا تصطدم مع توجهات نتنياهو اليمينية ويخسر أكثر على الساحة الدولية ويضحي بالعلاقة الراسخة مع الولايات المتحدة التي تشكل ضمان القوة الإسرائيلية.
معهد السياسة والإستراتيجية IPS الذي يترأسه اللواء احتياط عاموس جلعاد نشر أول من أمس ورقة يتناول فيها العلاقة بين السياسة الداخلية لإسرائيل وبين علاقتها مع الخارج جاء فيها «المبادرات الحكومية تجاه سلطة القانون وتجاه الفلسطينيين من شأنها أن تؤثر على قوة إسرائيل الإستراتيجية، هذه تعتمد على مدماكين مركزيين الأول: قوة الجيش وجهاز الأمن والثاني: الفهم السياسي الذي يسمح بحرية عمل استراتيجية، وبينما تأخذ القدرات العسكرية والأمنية في التحسن قد ينشأ تآكل في منظومة العلاقات مع الإدارة الأميركية والدول العربية وذلك سيؤثر سلبا على القدرة على بلورة جواب استراتيجي على التهديد الإيراني وتحقيق التطبيع مع السعودية».
ولفت المعهد إلى أن الإدارة الأميركية تمتنع حتى الآن وبشكل استثنائي عن أن ترسل دعوة علنية لرئيس الوزراء للولايات المتحدة بالإضافة إلى إشارات التحذير من مؤسسات اقتصادية في أميركا وأوروبا بالمس بالتصنيف الاقتصادي لإسرائيل.
وكان بن غفير قد تسبب بإلغاء زيارة كان نتنياهو يحلم بها إلى دولة الإمارات باقتحامه للمسجد الأقصى قبل أسابيع بل وأصبحت الإمارات التي قامت بالتطبيع بلا شروط الدولة التي تقدم الشكاوى ضد إسرائيل في مجلس الأمن بحكم عضويتها.
يعد نتنياهو أذكى رؤساء وزراء إسرائيل، فهو كالساحر الذي اعتاد على إخراج الأرانب من القبعة ما جعل بعض المراقبين يحاولون اكتشاف المخرج الذي سيجده نتنياهو واضعين الحرب كأحد خياراته تجاه غزة أو إيران أو حزب الله، لكن الأمر ليس بهذه السهولة هذه المرة، فقرار الحرب مع إيران ليس بيده وقد حصل واتخذ قرارها سابقا أكثر من مرة إحداها بالشراكة مع إيهود باراك حين كان وزير دفاعه العام 2010 واصطدمت برئيس الأركان غابي أشكنازي صاحب الصلاحيات بحكم موقعه، ثم كررها بعد مغادرة أشكنازي واصطدمت مرة أخرة بخليفته بني غانتس.
كذلك تضاءلت فرص نتنياهو في الحرب مع حزب الله بعد توقيع اتفاق الغاز، وربما تصطدم بموقف رئيس الأركان حيث لا سبب للحرب في ظل حالة الهدوء التي تعيشها إسرائيل على الجبهة الشمالية.
تبقى الساحة الوحيدة هي إحراق السفن مع الفلسطينيين تحضيراً لحرب تدخل بها غزة وصواريخها، وها هم شركاؤه يتكفلون بهذا التحضير من اجتياحات في القدس وتضييقات للمواطنين وتوسيع المشروع الاستيطاني والقرارات الطفولية لبن غفير ضد الأسرى حول الخبز والمياه والاستحمام، فهل يقترب الفلسطينيون وإسرائيل من لحظة الصدام أي يستخدم الشركاء ضد مصلحتهم؟ وهل أصبحت حاجة نتنياهو ملحة لمعركة يقلب فيها الطاولة أمام الإدارة الأميركية التي ستأخذ مواقف أكثر مرونة لصالحه من صواريخ غزة وأمام المعارضة التي تتظاهر وأمام شركائه المناكفين؟. هو مناور حقا لن يسلم بسهولة، وينبغي قراءة اللحظة بعمق.