عام على الحرب الروسية.. هل من أفق؟

WSv8G.jpeg
حجم الخط

بقلم هاني عوكل

 

 

عام مضى على الحرب الروسية على أوكرانيا، ولم تلح في الأفق بعد أي بوادر تتعلق بالحسم العسكري، أو مبادرات سياسية للتفاوض بشأن وقف القتال، وسط محاولات روسية لإدارة الحرب بطريقة تتفوق فيها على كييف وحلفائها الغربيين.
الحرب الحالية أشبه بالحروب الاستنزافية التي تأخذ وقتاً طويلاً حتى تتحقق عملية الحسم، ذلك أن أوكرانيا التي لا يمكن لها الوقوف أمام الدب الروسي في هذه المعركة، تحصل على المساعدات الفورية والمستمرة من قبل حلف «الناتو»، خاصة الولايات المتحدة الأميركية.
حينما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحرب على أوكرانيا، أدرك منذ البداية أن هذه الحرب ستكون مع الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية، خصوصاً أن موسكو عانت طوال سنوات ماضية من التمدد الأوروبي إلى حدودها الجغرافية.
ثمة فواتير كثيرة استعد بوتين لدفعها من أجل وقف التمدد الغربي وتطويق روسيا في القارة الأوروبية، وهو مستعد إلى هذه اللحظة للدفع بكل قواته، وحتى استخدام أقوى الأسلحة وأخطرها على الإطلاق لإنجاح مساعيه بالتفوق العسكري على أوكرانيا.
بعد عام على هذه الحرب التي استعجلت فيها موسكو حسم المعركة سريعاً، بدا أنها أمام معركة طويلة وشاقة وعداوات دولية؛ بسبب شيطنة الولايات المتحدة لروسيا وتخويف أوروبا الغربية بأطماع الدب الروسي في القارة الأوروبية، وجعل الغرب يقطع كل حبال الود والسياسة والعلاقات الاقتصادية مع موسكو.
انطلاقاً من موقف الرئيس الروسي الثابت تجاه حقيقة نجاح عمليته العسكرية الخاصة في أوكرانيا، كما يحلو له إطلاق هذه المسمى عليها، باتت واشنطن والدول الأوروبية على قناعة أن وقف هذه العملية مرهون بروسيا من الداخل.
المعنى من ذلك، أن نجاح المساعي الروسية في أوكرانيا هي مسألة أمن قومي بالنسبة للأولى، ولا يمكن بأي حال من الأحوال خسارة هذه الحرب حتى لو دفعت روسيا ما فوقها وتحتها من الأموال والسلاح والرجال، ويعتقد الساسة الأميركيون والأوروبيون أن حرف مسار الحرب في أوكرانيا يعتمد على الداخل الروسي.
ربما تعوّل واشنطن والغرب على الرأي العام الروسي الذي قد يتذمر عاجلاً أم آجلاً من هذه الحرب إلى حد الانقلاب على بوتين أو الإطاحة به في انتخابات عامة، غير أن هذا الخيار على واقعيته يبقى فرضية وسط مواقف الرأي العام والنخب الروسية التي تعتبر أن هذه المعركة ضرورية لهزيمة الشر وتنتمي لحق تقرير المصير.
موسكو التي لا تريد أن تزج بكل ثقلها العسكري في هذه المعركة، تحاول هي الأخرى فهم العقلية الأوروبية التي بدأت تتأفف من تبعات الحرب على اقتصاداتها تحديداً، إلى حد أن العديد من دولها بدأ يتساءل عن الجدوى من حرب خسّرتهم الكثير من الأموال.
الأمين العام لحلف شمال الأطلسي «الناتو» ينس ستولتنبرغ اشتكى قبل عدة أيام من أن استهلاك أوكرانيا لعدد كبير من الذخائر يضع أمن الحلف ودفاعه على المحك. ولفت في مؤتمر صحافي إلى أن كييف تستخدم أسلحة غربية كثيرة أكثر مما ينتجه حلف «الناتو».
ثم إن ستولتنبرغ قال: إنه لا يرى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يرغب في التفاوض بشأن مصير أوكرانيا، وهذا يفسر على لسان شخصية ثقيلة مثل أمين عام حلف «الناتو» أن الدول الأوروبية بدأت تشك في مسألة ضرورة الوقوف مع كييف ودعمها بالمال والسلاح.
مع ذلك، فإن أوروبا غير قادرة على السير عكس الاتجاه الأميركي الذي يدفع بقوة نحو دعم أوكرانيا حتى تظل صامدة وواقفة على أرجلها، ومصلحة واشنطن أن تأخذ الحرب سنوات ولا تتحقق فيها معادلة الحسم لصالح روسيا، لأن ذلك سيعني خروج موسكو من دائرة الانشغال الأميركي بها.
المعركة التي تريد واشنطن أن توفرها هي للصين التي تحل ثانياً على العالم من حيث قوة الاقتصاد، وترى الولايات المتحدة أن الثقل الرئيس بالنسبة لها ينبغي أن يكون موجهاً نحو بكين، باتجاه وقف نموها الاقتصادي وطموحها للتربع على عرش النظام الدولي.
الخلاصة في هذا الكلام أن مصير كييف بيد الولايات المتحدة والغرب، ويد روسيا ستظل على الزناد طالما لم تحقق مصالحها الإستراتيجية في أوكرانيا، حتى لو طال عمر القتال، وأوروبا على الأرجح أنها بدأت تئن من فواتير تمويل الحرب وصعوبات تأمين إمدادات الطاقة والتكاليف الباهظة للحصول عليها من مصادر غير روسيا.
الحرب ستستمر في العام الجاري 2023، وقد تبادر بعض الدول الأوروبية إلى الحديث بصوتٍ عالٍ عن مصلحتها من هذا القتال، وبالتالي التركيز على أهمية فتح قنوات للتفاوض مع روسيا، سواء عن طريقها أو ربما عبر وسيط دولي مقبول روسياً مثل تركيا.