اتصال بلينكن بالرئيس عباس واستدراك الترحيل القادم قبل فوات الأوان

تنزيل (16).jpg
حجم الخط

بقلم: المحامي زياد أبو زياد

 

اتصال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن يوم أمس مع الرئيس محمود عباس هو جزء من حملة الضغط المكثف "الكومبريسة" التي تمارسها الإدارة الأمريكية على القيادة الفلسطينية لحملها على التراجع عن الطلب الى مجلس الأمن اصدار قرار بإدانة الاستيطان والطلب من إسرائيل التوقف فورا ً وكليا ً عن كافة الأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية والقدس بما في ذلك بناء او توسيع المستوطنات ونقل الإسرائيليين للاستيطان في الأراضي المحتلة ومصادرة الأراضي وهدم البيوت وترحيل الفلسطينيين ، والتأكيد بأن هذه التصرفات باطلة ولا يترتب عليها أي اثر قانوني وتشكل خرقا للقانون الدولي ، والذي من المقرر أن يصوت عليه المجلس يوم غد الاثنين.
والملاحظ أن البيان الرسمي الفلسطيني الذي صدر في أعقاب اتصال بلينكن بالرئيس عباس لم يتضمن تفاصيل ما قاله بلينكن للرئيس، ولكنه نقل بالتفصيل ما قاله الرئيس عباس لبلينكن! علما ً بأن الهدف من هذا الاتصال هو الضغط على القيادة الفلسطينية للتراجع عن طلبها اصدار قرار من مجلس الأمن وقبول استبدال ذلك ببيان باهت لا قيمة له يصدر عن رئاسة مجلس الأمن.
فالإدارة الأمريكية تُشكل درعا ً سياسيا ً واقيا ً يحمي إسرائيل من أي قرار ادانة يصدر عن مجلس الأمن وتتمادى في استخدام حق الفيتو لصالح إسرائيل ضد حقوق شعبنا. وقد بلغ عدد المرات التي مارست فيها أمريكا حق الفيتو لصالح إسرائيل 53 مرة منذ عام 1972 منها 21 مرة في عهد الرئيس الأسبق أوباما الذي تجرأ في الأسابيع الأخيرة من ولايته في كانون أول عام 2016 على الإيعاز لمندوب أمريكا في مجلس الأمن آنذاك بالامتناع عن التصويت مما أتاح للمجلس اصدار قراره رقم 2334 ضد الاستيطان في الأراضي المحتلة بما في ذلك القدس.
ومحاولات أمريكا منع اصدار قرار من مجلس الأمن ضد إسرائيل لم تقتصر على الضغط المباشر على القيادة الفلسطينية وإنما أيضا من خلال التلويح ببدائل لمجلس الأمن كان منها البيان المشترك الذي صدر قبل أيام عن وزراء خارجية الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا والذي أعرب عن رفض القرارات الإسرائيلية الأخيرة بشرعنة تسع بؤر استيطانية وبناء عشرة آلاف وحدة سكنية جديدة في المستوطنات الموجودة، ومطالبة إسرائيل بالتراجع عن هذه القرارات.
ويبقى السؤال هو: ما الذي تريده أمريكا ولماذا تعارض صدور قرار من مجلس الأمن ضد الاستيطان طالما أن وزير خارجيتها يوقع على بيان ضد الاستيطان؟
والجواب هو أن الإدارة الأمريكية برئاسة جو بايدن لا تختلف في جوهرها عن إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب الذي أظهر عداءه السافر ضد حقوق الشعب الفلسطيني، ونزع القناع عن الوجه الأمريكي واتخذ العديد من الإجراءات في هذا السياق أهمها الاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب للقدس، وإغلاق مكتب المنظمة بواشنطن، ونزع صفة "الأراضي المحتلة" عن الأراضي الفلسطينية، واعتبار المستوطنات جزءا ً من إسرائيل وشرعنة ضمها وغير ذلك.
ورغم أن البعض استبشر بنجاح بايدن وتوليه الرئاسة إلا أن بايدن لم يقم بإلغاء أي قرار من قرارات ترمب بل أبقى عليها جميعا مثبتا ً أن ادارته ليست سوى استمرار لإدارة ترمب وأن هناك قوى خفية هي التي تُملي وتتحكم بالسياسة الخارجية الأمريكية وخاصة فيما يتعلق بإسرائيل والعرب.
ولقد تزامن تقديم الطلب الى مجلس الأمن بإدانة إسرائيل وأنشطتها الاستيطانية مع طلب أمريكا من الجمعية العمومية للأمم المتحدة اصدار قرار ضد روسيا واحتلالها لأجزاء من أوكرانيا، في الجلسة التي ستُعقد بعد أيام في الرابع والعشرين من الشهر الحالي، ويبدو أن استخدام أمريكا غدا ً لحق الفيتو قد يسبب لها بعض الحرج وهي تطلب من الجمعية العمومية ادانة الاحتلال الروسي لأراضي أوكرانيا، ولذلك تحاول مسبقا ً تجنب ذلك بإرغامنا على سحب طلبنا من مجلس الأمن.
وقد عُلم بأن الرئيس عباس أكد على موقف القيادة بعدم التراجع عن طلبها في مجلس الأمن إلا اذا تدخلت الإدارة الأمريكية بشكل سريع وحاسم ومارست الضغط على إسرائيل لوقف هذه الأنشطة الاستيطانية الخطيرة وفتح أفق سياسي قائم على أساس حل الدولتين!
ومع أنني لا أزعم بأنني أملك كل تفاصيل وحيثيات ما يجري إلا أنني لا أستطيع أن أفهم استمرار الحديث عن "الأفق السياسي وحل الدولتين" في حين أن كل المعطيات على الأرض تثبت دون أي مجال للشك بأننا تجاوزنا مرحلة حل الدولتين، وبأننا أمام واقع جديد من الضم الزاحف وهيمنة اليمين المشيخي اليهودي على الحكم، وأن الخطط التي تحاك الآن في الخفاء والتي يجب أن نعيها ونتصدى لها قبل فوات الأوان ترمي الى خلق الأجواء والمبررات لطرد جماعي للفلسطينيين من الأراضي المحتلة الى دول الجوار استكمالا ً للنكبة التي ما زالت تدور منذ عام 1948 والتي يسعى اليمين الإسرائيلي الى انهاء فصولها بترحيلنا من أراضينا وتحقيق حلم إسرائيل الكبرى من النهر الى البحر.
من يستطيع أن يقرع الجرس ويؤذن بأن استمرار التعلق بأهداب سيناريوهات الماضي لن يؤدي بنا إلا الى ضياع النزر اليسير الذي لا يزال بين أيدينا والذي قد نبحث عنه قريبا فلا نجده.