ضمن بنك الأهداف الذي أحضره الفاشيون إلى حكومتهم استكمال برنامج تفكيك السلطة الوطنية، الهيكل الأخير الذي بقي من اتفاقيات أوسلو، تفكيكها وتحديد صلاحياتها ووظيفتها وليس القضاء عليها، إذ إنها، السلطة، في مستوى ما تشكل ضرورة لتخفيف الأعباء عن سلطات الاحتلال، هذا هو مفهوم منظومة «الأبارتهايد» في إسرائيل لدور السلطة الوطنية، نوع من إعادة إنتاج الإدارة المدنية، تقوم بالخدمات وتحصل على مصادر تمويل أوروبية وعربية وذاتية، يبدو الأمر مثاليا وغير مكلف لدولة احتلال فاشية، يمكن تتبع مراحل التفكيك المتدرجة من ملاحق أوسلو نفسه، من فكرة تقسيم المناطق الفلسطينية إلى ألف وباء وجيم، والتي على قاعدتها أعاد الاحتلال تموضعه وانتشاره خارج المدن والتجمعات كأحد الدروس بعد الانتفاضة الكبرى، ومع تسلم نتنياهو للحكم في إسرائيل بعد اغتيال رابين وهزيمة شمعون بيريس في منتصف تسعينيات القرن الماضي تحول الأمر إلى سياسة ثابتة ومتدحرجة.
عملية إعادة الانتشار ستصعد بقوة مع عملية «السور الواقي» التي نفذها الثنائي شارون/ موفاز، وصولا إلى الانسحاب من غزة ثم الانقلاب في صيف 2007 الذي شكل واقعا جديدا سمح للاحتلال بحصار غزة وعزلها عن الضفة والقدس، وإعادة احتلال الضفة.
سيكون من السذاجة الحديث عن خطر يهدد السلطة الوطنية التي نتجت عن اتفاق مع الاحتلال، ضمن مهمة محددة هي القيام بتأدية الخدمات الحياتية للفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة وغزة، بينما الهدف الحقيقي الذي لم يتغير هو القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية التي تمثل الشعب الفلسطيني في كافة تجمعاته بما فيها الضفة وغزة، وهو تمثيل يشمل أكثر من ستة ملايين لاجئ، لم تتوقف محاولات إخراجهم من المعادلة وتصفية قضيتهم، بما فيها المحاولة الأخيرة الجارية، الآن، في الكونغرس الأميركي لحرمان أحفادهم من حقوقهم كلاجئين وإنهاء دور وكالة غوث الأمم المتحدة، القرار مدار البحث الذي يستكمل أفكار فريق الرئيس الأميركي السابق ترامب وصهره كوشنر وينهي في نفس الوقت حق العودة.
لطالما كانت المنظمة هي الهدف الحقيقي لكل محاولات ضرب المشروع الوطني الفلسطيني المستقل، وهو ما ساهمت فيه الرؤية الضيقة التي قادت السلطة منذ تأسيسها، متجاهلة أنها مجرد ذراع للإطار الأم، وتصرفت كجسم موازٍ للمنظمة قبل أن تبدأ بالتهامها، ونقل صلاحياتها وتجويف مؤسساتها.
تجلى استنزاف منظمة التحرير عبر أشكال متنوعة لعل أهمها وأكثرها ضررا كان: الجمع بين رئاسة المنظمة ورئاسة السلطة، ونقل صلاحيات وزارة الخارجية والعمل الدبلوماسي والاتصالات الدولية إلى السلطة، وتغييب دور المنظمة في المفاوضات مع الاحتلال.
في استطراد يمكن تتبع عمليات إفراغ المنظمة من دورها عبر نقل المنظمات الشعبية من هيكلية المنظمة واختصار دورها، كما كان يمكن سرد تغول المجلس التشريعي على دور المجلس الوطني بكل ما يعنيه الأمر من تداخل وأخطاء متراكمة، عندما كان لدينا مجلس تشريعي، الدور الذي توجته قرارات منح المجلس المركزي صلاحيات الوطني، ما يعني إسدال الستارة تماما على الهيئة الأهم وصاحبة القرار في المنظمة وإحالتها إلى الظل.
المهمة الحقيقية خلف الأقنعة والثرثرة الفصائلية والتفجع هي حماية منظمة التحرير، منظمة التحرير هي الجدار الأخير وهي حق العودة ووثيقة الاستقلال ونشيد موطني.