أفدت صحيفة "رأي اليوم" الصادرة في لندن في تقرير لها أنه بحسب جميع الدلائل والمؤشّرات فإنّ المصالحة بين تل أبيب وأنقرة، بعد “عداوة” استمرّت خمس سنوات ونصف السّنة في طريقها إلى التبلور، مع انتهاء المفاوضات السريّة بين الجانبين، وتوقيعهما على ورقة تفاهمات أوليّة، تشمل تلبية كل الشروط الإسرائيلية، مع تراجع أنقرة عن شروطها.
وفي هذا السياق، نقلت صحيفة (يديعوت أحرونوت) العبريّة، في عددها الصادر اليوم الأحد، عن مصادر سياسيّة رفيعة المُستوى في تل أبيب قولها إنّ أنقرة قد قامت باختيار سفيرها الجديد في تل أبيب، كان ديزدار، وهو دبلوماسيّ مُخضرم، شغل عدّة مناصب في السلك الدبلوماسيّ التركيّ، علاوة على أنّه يتبوأ اليوم منصب المدير العّام لوزارة الخارجيّة التركيّة. بالإضافة إلى ذلك، قالت الصحيفة، نقلاً عن المصادر عينها، إنّ رئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نتنياهو، وفي بادرة تُعتبر نادرة، قام بالإدلاء بحدث صحافيّ لوكالة الأنباء التركيّة، عبّر فيه عن أمله في إعادة العلاقات الطبيعيّة بين البلدين. مع ذلك، لفتت الصحيفة إلى أنّ نتنياهو، الذي شارك في مؤتمر (دافوس) الاقتصاديّ، لم يلتقِ برئيس الوزراء التركيّ، أحمد داوود أوغلو، الذي شارك هو الأخر في المؤتمر المذكور.
وأضافت الصحيفة، نقلاً عن المصادر نفسها، إنّ التوقعّات الإسرائيليّة تُشير إلى أنّ عودة العلاقات الطبيعيّة قد تحدث في غضون عدّة أيام أو أسابيع.ولكي نضع الأمور في نصابها الصحيح، يجب التذكير في هذا السياق بأنّه قبل عدّة أيّام، وربطًا بعزلة تركيا وتردّي علاقاتها مع كل الدول من حولها، غازل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إسرائيل ودعاها إلى المصالحة، لافتًا في تصريحات أدلى بها للصحافيين، لفت إلى أنّ الشرق الأوسط سيكسب كثيرًا من تطبيع العلاقات بين الجانبين، وقال أيضًا في مطلع الشهر الجاري إنّ تركيّا بحاجة لإسرائيل، على غرار إسرائيل التي تحتاج أيضًا لتركيّا في الشرق الأوسط، داعيًا إلى المضي في تطبيع العلاقات بين البلدين، على حدّ تعبيره.
هذا تلقّت إسرائيل المغازلة التركيّة ببرودةٍ تامّةٍ، لا بل باستهزاءٍ شديدٍ، خاصّةً أنّها تشمل شرط فك الحصار عن قطاع غزة، الأمر الذي رأت أنّه مستحيل التحقق، وطرحت بدورها شروطًا على الأتراك، وبعد ذلك تبينّ أنّ أنقرة رضخت لها بالكامل، بما يشمل تخليها عن شرط فك الحصار عن الفلسطينيين، الذي غاب عن ورقة التفاهم المتفق عليها، كما أعلنت تل أبيب رسميًا. القناة العاشرة العبرية بالتلفزيون الإسرائيليّ، كشفت النقاب، نقلاً عن مصادر سياسيّة رفيعة المُستوى في تل أبيب، عن أنّ العلاقات بين إسرائيل وتركيّا باتت أمام تحول تاريخيّ، بعد لقاء سريّ جمع في الأيام الأخيرة في سويسرا رئيس مجلس الأمن القوميّ الإسرائيليّ ورئيس جهاز “الموساد” الإسرائيليّ الذي عُيّن في منصبه الأخير قبل عدّة أيّام، يوسي كوهين، ومساعد وزير الخارجية التركيّ، فريدون سينيرلي أوغلو، الذي انتهى، كما كشفت المصادر عينها للتلفزيون الإسرائيليّ، بورقة تفاهم أوليّة حول بنود المصالحة التاريخيّة بين الجانبين.
ولفت التلفزيون الإسرائيليّ، كما جاء في نشرته المسائيّة المركزيّة، مع تأكيد لاحق لوسائل الإعلام العبرية، إلى البنود المتفّق عليها بين الجانبين، التي تشمل: إعادة سفيري البلدين إلى أنقرة وتل أبيب، وموافقة تركيّا على إلغاء الدعاوى القضائية بحقّ جنود وضباط الجيش الإسرائيليّ، على خلفية الاعتداء الإسرائيليّ على سفينة (مافي مرمرة) في أيّار (مايو) من العام عام 2010، بالإضافة إلى موافقة إسرائيل على التأسيس لصندوق خيري لمتضرري سفينة مرمرة (شهداء أسطول الحرية ــ سفينة مرمرة)، إلى جانب استعداد تركيّا لمنع ما أسمته المصادر السياسيّة الرفيعة في تل أبيب الأنشطة الإرهابيّة ضدّ إسرائيل انطلاقًا من أراضيها، وأيضًا موافقتها على مرور أنبوب الغاز الإسرائيليّ عبر أراضيها، ومنع القياديّ في حركة “حماس″، صلاح العاروري، من الدخول والإقامة في تركيّا، خصوصًا وأنّ إسرائيل تتهّمه بالتخطيط لعمليات عسكريّة ضدّها من مقّرّ إقامته في أنقرة. وأخيرًا، شدّدّت المصادر في تل أبيب، على موافقة الطرفين على إجراء مداولات حول شراء تركيا للغاز الإسرائيليّ.
وبعد كشف القناة العاشرة عن ورقة التفاهم، بادرت وسائل الإعلام العبرية إلى توضيح البنود واستكمالها. صحيفة “هآرتس″ العبريّة أكّدت على أنّ عبارة منع الأنشطة الإرهابيّة من الأراضي التركيّة، تعني أنّ أنقرة وافقت على الشرط الإسرائيليّ بمنع حماس من النشاط في تركيّا بصورةٍ عامّةٍ، والموافقة أيضًا على طرد الناشط في الحركة، صالح العاروري، الذي تتهمه إسرائيل بتحريك وتمويل خلايا إرهابية في الضفة المحتلة. ونقلت الصحيفة عن مصدر إسرائيليّ رفيع المستوى قوله إنّ تل أبيب وافقت على دفع مبلغ عشرين مليون دولار لعائلات الضحايا من المواطنين الأتراك، الذين قتلوا على متن سفينة مرمرة عام 2010.
أما الإشارة الأهّم، فهي خلوّ ورقة التفاهم بين الجانبين ممّا يتعلق بالشرط الأساسيّ لأنقرة، التي تمسكت به في السنوات الماضية، وحال طويلاً دون المصالحة، وهو رفع الحصار عن قطاع غزة، بل هو الشرط الذي ورد على لسان أردوغان قبل أيام، كشرطٍ أساسيٍّ، لتطبيع العلاقات ضمن ما ورد في بيان المغازلة لتل أبيب، الأمر الذي يعني أنّ إسرائيل فرضت شروطها كما هي، فيما بلعت أنقرة أحد أهم شروطها.
يذكر أن رئيس الموساد الجديد، يوسي كوهين، فاوض الأتراك بصفته رئيسًا لـ”مجلس الأمن القومي” الإسرائيليّ، فيما غابت وزارة الخارجية الإسرائيلية، التي يقودها بنيامين نتنياهو نفسه، عن مسار التفاوض، ولم يصل إلى علمها إلّا من التقارير المنشورة في وسائل الإعلام، كما ذكرت صحيفة (هآرتس).
الأمم المتحدة للعلاقات العامة..!
22 سبتمبر 2023