صعود اليمين الفاشي والشعبوي في إسرائيل

لقطة الشاشة 2023-02-23 110233.png
حجم الخط

بقلم نهى نعيم الطوباسي

 

 

 لم تعد حالة السخط على الحكومة الإسرائيلية الجديدة خافية على أحد، وهي تنتشر في الأوساط الإسرائيلية المختلفة، وعلى مستوى الشارع، حتى بلغت أوجها بخروج عشرات آلاف المتظاهرين إلى شوارع تل أبيب وحيفا ثم القدس، احتجاجا على سياسات الحكومة الجديدة، وقراراتها التي اعتبرها المحتجون هجوما على " الديمقراطية" اثر الإعلان عن مشروع "إصلاح القضاء" الذي اعتبره معارضوه "انقلابا" على السلطة القضائية، وتقويضا للنظام الديمقراطي، ومحاولة للمساس باستقلالية القضاء وصلاحيات المحكمة العليا تحت عنوان "قانون التغلب"، وهو قانون يتيح للحكومة والكنيست إلغاء قدرة المحكمة العليا على إبطال قوانين شرعها الكنيست.

يبدو أن الموضوع هذه المرة ليس مجرد زوبعة  في فنجان،  فحالة التوتر المحتدمة في الأوساط الإسرائيلية، منذ فوز حزب الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو مع شركائه من اليمين الديني واليمين القومي الصهيوني المتطرف، وحصولهم معا على أغلبية المقاعد، بات ينذر بصراع وشيك داخل إسرائيل يطال كل النظام السياسي وطابعه وحتى الحقوق المدنية والفردية. ولا تخلو تصريحات المسؤولين السابقين في الجيش والدولة والنخب الثقافية والأكاديمية وحتى قطاع الأعمال من إظهر القلق عن المستقبل الذي تدفع له هذه الحكومة.

رئيس الدولة اسحاق هرتسوغ وهو ذو مكانة اعتبارية ونادرا ما يتدخل في السياسات اليومية، أكد في تصريحاته "إن إسرئيل تشهد انشقاقا خطيرا، يهدد بتقويضها وأن هناك أزمة دستورية وانقساما غير مسبوق تشهده الدولة".

وعلى الرغم من تخلي اليسار الصهيوني التقليدي عن الساحة للأحزاب اليمينة المتطرفه، إلا أن الأحداث أعادت توحيد كل خصوم نتنياهو بمن فيهم اليسار في مواجهة هذه الحكومة الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل.

 تامير باردو، الرئيس السابق لجهاز الموساد، قال في محاضرة القاها بكلية "نتانيا" أن إسرائيل تنهار من الداخل وأكد "بينما كثر الحديث عن التهديدات الكبيرة،  التي تحدق بإسرائيل، فإن التهديد الأكبر يتمثل بنا نحن الإسرائيليين، بظهور آلية تدمير الذات في السنوات الأخيرة، تمامًا مثل أيام تدمير الهيكل الثاني، مما يستدعي وقف هذا المسار الكارثي قبل نقطة اللاعودة، لأن إسرائيل تنهار ذاتيًّا. صحيح أنها غنية وميسورة، لكنها ممزقة ونازفة، والمخاطر لا تنقضي" .

وأيضا رون خولدائي، رئيس بلدية تل أبيب قال " إن إسرائيل تتحول "من ديمقراطية إلى ثيوقراطية، ديكتاتورية دينية" وكان رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك من أوائل من أطلقوا صفارة الإنذار، حين أعرب عن خوفه من لعنة العقد الثامن وزوال إسرائيل، قبل حلول الـ80 عام لتأسيسها، مستشهدا بانهيار النظام الإيطالي الفاشي والنظام النازي في المانيا".

ليس غريبا أن ينقلب السحر على الساحر، فلا يمكن لاحتلال غاشم يمارس كل أشكال البطش والظلم بحق الإنسانية، ويتعدى على حرية الشعوب أن يوفّر السلام والعدالة لأفراده، فمن الطبيعي أن يمتد التطرف والعنصرية إلى أفراده، ومؤسساته وشرعنة ممارسته على الملأ.

ففوز الأحزاب الدينية والقومية الصهيونية المتطرفة، بأغلبية مقاعد الكنيست ووصول تحالف اليمين الفاشي (بن جفير وسموتريتش) واليمين الشعبوي المتطرف إلى الحكومة، تحمل دلالات ومؤشرات واضحة، حول رسوخ ظاهرة التطرف في إسرائيل، وأن الإرهاب والتطرف، متأصل ومتغلغل في المجتمع الإسرائيلي، وتشير إلى قوة نفوذ ميليشيات المستوطنين والجماعات المتطرفة، التي ترتكب الاعتداءات اليومية وتشرع العنف ضد الفلسطينيين وضد أبناء جلدتها وكل تمارس الإقصاء والعدوانية من يعارضها في النظام الإسرائيلي الحاكم.

ينتمي بن جفير، صاحب السجل الطويل من السوابق الجنائية، إلى حركة كاخ، والتي أسسها الحاخام كهانا، وسبق حظرها ومنعها من خوض الانتخابات العامة  بسبب شدة تطرفها وعنصريتها تجاه الإسرائيليين أنفسهم، ومدرجة ضمن قائمة المنظمات والحركات الإرهابية في العالم، وأتباع هذه الحركة هم من غلاة المستوطنين والمتطرفين، والشرائح غير المتعلمة والناقمة على المؤسسات، وتحمل الكراهية والعداء الشديدين للفلسطينيين.

سلوك بن جفير المتطرف، سواء تجاه الأسرى الفلسطينين، والعقوبات الجماعية المحرمة الدولية بحق أهالي الشهداء وذويهم، والتهديد بسحب الإقامة من المقدسيين، والتوعد بتنفيذ أوامر هدم لمئتي منزل ومبنى بالقدس، ودعوته لتنفيذ عملية السور الواقي 2، ضد الفلسطينيين في القدس المحتلة، هي إجراءات وقرارات تدل على الجنون والتخبط، الناتج عن الشعور بالعجز، أمام عنفوان الشعب الفلسطيني، وإرادته التي لا تكسر. لذلك يحاول بن جفير أن يشفي غليله وغليل المستوطنين والإسرائليين، من هذا الانكسار وإرضاء لنزعة التوحش، وإرواء التعطش عند تلك الجماعات المتطرفة، والمستوطنين بسلسلة من الإجراءات الانتقامية، ومواصلة الجرائم ضد الشعب الفلسطيني والتضييق عليه، والإستيلاء على أرضه، وتهجيره بالقوة.

ما يحصل في إسرائيل، يثير التساؤلات عن هذا الموقف الذي لا تحسد عليه الولايات المتحدة الأمريكية، كدولة عظمى تدعو إلى محاربة الإرهاب في العالم، وبنفس الوقت تقف مكتوفة اليدين، تلوذ بالصمت تجاه جرائم إسرائيل، وعدم إعلان موقف حازم وحاسم من الحكومة الإسرائيلية التي تشكلت من جماعات متطرفة، أدرجت على قوائم الإرهاب. وإذا كانت صحيفة هآرتس وغيرها من الصحف الإسرائيلية، علقت على فوز بن جفير في الكنيست أن الخاسر الأكبر هي إسرائيل. فهل ستختار الولايات المتحدة الأمريكية الاستمرار في دعم حكومة أوراقها كلها خاسرة.

أخيرا، بالنسبة للشعب الفلسطيني وبعد خمسة وسبعين عاما، على الاحتلال الإسرائيلي لايبدو أن ثمة كبير فرق بين حكومة إسرائيلية وأخرى، فكلهم اتفقوا على طرد الشعب الفلسطيني واستخدام كل ادوات البطش لقهره بما في ذلك المذابح ، كلهم ارتكبوا المجازر وجرائم الحرب والتهجير، واغتيال الشباب والأطفال ورموز الشعب الفلسطيني وثورته، ومارسوا كل أشكال القهر والتعسف والظلم، بحق الشعب الفلسطيني، لكن  الفرصة اليوم للتفوق وانتصار القضية الفلسطينية، أقوى من أي وقت مضى، باستثمار هذا السخط الدولي على الحكومة المتطرفة وهذه الانشقاقات والإنهيار التدريجي في اسرائيل، لصالح القضبة الفلسطينية، وتعزيز التحالفات الدولية والعربية والأقليمية، وممارسة كل أشكال الضغط العربي والدولي على إسرائيل لوقف جرائمها، ووضع حد لهذا الاحتلال الغاشم.