المذابح، والأيدي الممدُودة

تنزيل (2).jpg
حجم الخط

بقلم  د  بكر ابو بكر

 

 

 لم يكن اليوم عاديًا أبدًا، إذ كانت الفاجعة كبيرة بحجم الشها.دة والرائحة الزكية، وبحجم المذبحة البشعة، وحجم الدم الذي سال في أزقة نابلس القديمة أنهارًا.
فأن يسقط 11 بطلًا مضرجًا بدمه بمجزرة في وضح النهار أمام القوة العسكرية الصهيونية الداهمة وغير المتكافئة-مرة أخرى- فكأنك أمام معادلة غير قابلة للتفكيك!
معادلة واحد الى مائة ألف تمامًا!
معادلة عُزّل أمام رياحٍ مدجّجة بزلازل وبراكين!
من الطرف المناضل فإن ما حصل يمثل قمة التضحية والمواجهة، عدا عن الثبات والإصرار الذي لا يفتُ من عضده حجم القوة المعتدية.
إن ألم الفقد لا يعادله إلا ألم الوقوف متفرجًا!؟
فالميث قد سقط فداء لواجبه أمام الله، ودفاعه عن الوطن والأرض ضد المحتل الغازي، وهو عند ربه حيّ يرزق كما وعده خالقه سبحانه وتعالى.
أما الألم والوجع فهو لمن شا.هد ونظر أو سمع أو رأي الأحداث أو عاصرها أو قرأ عنها، وكان يتفتت من الحريق الداخلي الموجع.
فهل يظن ساسة الكيان الصهيوني المولعون بالقتل! ثم مزيد من القتل بدلًا من الحل! هل يظنون أن معالجة الواقع الفلسطيني ستنجح بمزيد من القوة الداهمة لعساكرهم وللمستوطنين المتعطشين للقتل؟ وهل يظنون سلامًا وأمنًا سيقوم بمزيد من استجلاب ردود الفعل المقصودة منهم لانتفاضة ساحقة، ومزيد من القتل؟!
ما حصل في مذبحة نابلس 22/2/2023م (وسبقها مذبحة نابلس في شهر 10 بالعام 2022م) حيث ودعنا 11 قمرًا منيرًا هو ذاته ما حدث (ويتكرر) في مجزرة جنين يوم 26/1/2023من حيث ودعنا من الأقمار حينها 9 شهد.اء، ثم كان ما كان ممن لحقهم في جنين، وأماكن أخرى في فلسطين بين مذبحة أريحا و7 أقمار (6/2/2023)، وشهد.اء الخليل وبيت لحم وطوباس وطولكرم ورام الله وكامل الأنحاء.
شَهيدٌ يسقط ليسلم الراية لمن يتلوه في غضب شديد وحريق ألم داخلي لن يطفئه مزيد من القوة والبطش والإرهاب الصهيوني.
قال أرباب الكيان الصهيوني قديما وما صدقوا "أن الكبار يموتون والصغار ينسون"! فمات الكبارُ رحمهم الله، وتصادف اليوم التالي لمجزرة نابلس وفاة الاخ القائد أبوعلاء قريع فلم يكن ومن سبقه من الشهداء الكبار إلا وقودًا لاستمرار المسيرة، فموت الكبار إلهامٌ للصغارالذين جعلوا فلسطين عصيّة على النسيان.
ما بين شَهيدٍ وشَهيدٍ، وما بين أسير وأسير، وخلف كل مناضل ومناضل وثائر وثائر بالميدان والقلم والرواية والإعلام والفكر والسياسية تقف الفصائل الفلسطينية إما عاجزة أو فاقدة لمعنى وجودها، أو متفرجة! أو مرتاحة لتشتتها وتشرذمها!؟
الفصائلُ التي تَسِمُ نفسها بأنها امتلكت الثورة والمقاومة "حصريا"! وما صدقت، اليوم مطلوب منها التخلي عن البيانات التي شبعنا منها، والتخلي عن الكلمات الباهتة المدبجة، ومدّ اليد .
والتنظيم الذي يكافح ويقاوم أبناؤه بإرادته أو رغمًا عنها-بكل الميادين- لأنهم رؤوا النضال فكرة، تحتاج لشعلة دائمة، وليست صورًا باهتة، مطلوب منه التعالي على جراح الانقلاب والانقسام ومدّ اليد.
ليس على الفصائل والشرائح منها النقابات والاتحادات أجمعين ومنظمات المجتمع المدني والأهلي، وقادة الرأي أن تقف مغلولة الأيدي أو فاقدة للنطق أمام المذابح وحملات الاعتقال الشرسة، وسرقة الأرض والتهويد الذي سيُسقِط الأهداف ويضيّع القضية تحت أرجل المختلفين المتصارعين!
هل من المقبول أن تظل ردود الفعل الفلسطينية من الشمال والجنوب واقفة عند حدود التنديد والترحم على الشهداء! أو مخاطبة العالم الميت وكأنه سيسمع؟
لطالما كانت الدعوة الأصيلة –وبضرورة أشد منذ استلام حكومة الإرهاب اليمينية في الكيان الصهيوني- أن تمتد كل الأيدي لتتجاوز الجدارالنفسي، والسلك الشائك السياسي، والفصل الجغرافي، وصراع السلطة والنفوذ البئيس، لتتصافح لمرة واحدة وأخيرة، فتكون فلسطين موحدة.
بغير الأيدي الممدودة، والعقول المفتوحة، والأكف المتصافحة، والوحدوية البرامجية والنضالية لن يعيرنا العالم أي التفاتة، وكيف يفعل ولماذا يفعل؟ وكلٌّ بهذا العالم مستريحٌ بكرسيه الوثيرة، وأعرابُ المناسبات يأكلون حتى الشبع مع المستعمر الإسرائيلي دون أدنى شعور بالقباحة!
لن ننسى، فالنكبة منذ العام 1948 كبيرة، ولن يتنازل الصغار، وستظل الأقمارترتفعُ في سماء فلسطين داعية للسلام، وساعية للحرية وهادفة لتحرير الأرض والانسان، والعقل حتى تصبح المساحة كلها مضيئة ليلًا ونهارًا، وحينها سيعلم المحتلون أي منقلب ينقلبون.