التمثلات الشعبية للعرين والتحول السياسي

حجم الخط

بقلم جهاد حرب

 

 

 أعاد تفاعل المواطنين الفلسطينيين الواسع مع نداء مجموعة عرين الأسود للخروج إلى الساحات العامة أمس، وتكاثر المجموعات المسلحة وانتشارها في مدنٍ وبلداتٍ متعددةٍ، والغضب الشعبي على جرائم الاستعمار اليهودي بتمظهراته العسكرية والاستيطانية، مسألة التمثلات الشعبية التي خلقتها المجموعات المسلحة لدى الجمهور الفلسطيني في ظل تراجع المكانة السياسية والاجتماعية للفصائل الفلسطينية، وضعف ردود أفعالها بما لا ينسجم مع المتخيل منها في الدفاع عن المواطنين.

إنَّ استمرار ظاهرة "عرين الأسود" والكتائب المسلحة وتمددها برمزية عابرة للجغرافيا الفلسطينية وحوزها على القبول الشعبي يعود لقدرتها على استعادة التمثلات الشعبية؛ لمفهوم التضحية المتجسدة في صورة الفدائي الفلسطيني أولاً، ولمفهوم المقاومة أي الفعل المبادر لمواجهة الاحتلال العسكري الإسرائيلي والاستعمار اليهودي ثانياً، ولعجز كلٍ من القيادة السياسية وقوى المقاومة عن تنفيذ أو إنجاز المشروع الوطني بإنهاء الاستعمار اليهودي ثالثاً، ولامتناع السلطات الحاكمة في الضفة والقطاع عن استعادة الوحدة وإنهاء الانقسام رابعاً، ولتجسيمها الوحدة الوطنية ميدانياً بدمائهم وبمقاومتهم خامساً، ولرمزية جيل الشباب الذين يتنمون إلى هذه المجموعات مقارنةً بالكهول "القيادات السياسية" التي تتحكم بسلطة الحكم في الضفة والقطاع سادساً، ولبساطة رسائل المقاومين ووصاياهم التي ترسل في اللحظات الأخيرة قبل ارتقائهم شهداء سابعاً، ولعدم انغماسها في الصراعات الاجتماعية والسياسية الداخلية وتجنب الإساءة للأشخاص أو الأجهزة أو المؤسسات أو الخروج عن القانون العام ثامناً، وللغة الخطاب البسيط الذي تستخدمه في بياناتها واعتزازها بالمواطنين وتكبير مكانهم أيّ أنّها لم تأتِ من عَلَّي فارضة عليهم أوامرها تاسعاً.

إنَّ التغيرات الجارية في الفضاء الشعبي وفي البني الثقافية والاجتماعية للمجتمع الفلسطيني، خاصة في الضفة الغربية، تشي بتحول سياسي اجتماعي لنظام القيادة لإعادة رسم طبيعة وشكل علاقات القوة والسيطرة للسلطة الحاكمة في الشارع الفلسطيني، والتحكم في السلوك الشعبي وعلاقته بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

هذه التغيرات أو التحولات ليست بمعزل عن الظرف الموضوعي القائم اليوم من فقدان الأمل بإنهاء الاحتلال في المستقبل القريب، وتغول الاستعمار اليهودي في قتل الفلسطينيين، وتهويد مدينة القدس وبالاعتداء على المقدسات الإسلامية والمسيحية. وذلك يترافق مع احباط واسع لدى المواطنين الفلسطينيين من الخيارات السياسية المطروحة؛ فحوالي ثلثي المواطنين في الضفة يعارضون خيار حل الدولتين، ويرون أنَّ حل الدولتين لم يعد ممكنا بسبب التوسع الاستيطاني، وأنَّ فرص قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل ضئيلة وضئيلة جداً في الأعوام الخمسة القادمة. وارتفاع التأييد للمقاومة المسلحة لدى الجمهور الفلسطيني حيث زادت نسبة الذين يتعبرون المقاومة المسلحة أنَّها الطريقة الأفضل لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية، وارتفعت نسبة المؤيدين للانتفاضة المسلحة، وللعمليات الفردية ضد المدنيين الإسرائيليين داخل إسرائيل باعتبار أنَّها تساهم في خدمة المصلحة الفلسطينية.