لا خلاف جوهرياً وهاماً في المضمون بين قرار يصدر عن مجلس الأمن، او بيان رئاسي يصدر عنه، كلاهما سيذهبان الى أرشيف مجلس الأمن كإضافة الى الكثير الموجود.
الفرق الوحيد كان ذلك المتعلق بدور وموقع الولايات المتحدة الأميركية في أي منهما.
وكان الخيار بين أن يصدر البيان الرئاسي بالإجماع ومن ضمنه الولايات المتحدة، وبين قرار يعرض للتصويت ويسقطه تصويت الولايات المتحدة ضده باستعمالها حق النقض (الفيتو) الذي تمتلكه. وتكون النتيجة سقوط القرار وتحمل أميركا المسؤولية السياسية والمعنوية عن ذلك، ومعها الإحراج.
ما تغلب كان خيار البيان السياسي وقد صدر البيان فعلاً وبالإجماع، وكان هو البيان الأول من المجلس لصالح الحق الفلسطيني منذ تسع سنوات.
وقد أعرب مجلس الأمن في بيانه المذكور عن القلق العميق والاستياء إزاء اعلان إسرائيل في 12 شباط الجاري عن مزيد من البناء الاستيطاني والتوسع الكبير فيه على أراضي الضفة الغربية المحتلة.
وكرر المجلس تأكيده ان استمرار الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية يهدد بشكل خطير إمكانية حل الدولتين على أساس حدود 1967.
واكد المجلس التزامه الثابت برؤية حل الدولتين وإقامة دولتين ديموقراطيتين (إسرائيل وفلسطين) تعيشان بجوار بعضهما في سلام وأمن وبحدود معترف بها اتساقاً وانسجاماً مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
وأعلن المجلس حسب البيان، عن قلقه العميق إزاء إعلان إسرائيل في شباط الجاري عن بناء مستوطنات جديدة، وإضفاء الشرعية على بؤر استيطانية أخرى وبناء آلاف الوحدات السكنية فيها، وداعياً الى احترام الوضع التاريخي القائم في الأماكن المقدسة في مدينة القدس.
ردة الفعل الأولى على هذا البيان لمجلس الأمن جاء من رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو، فقد اعتبره «أحادي الجانب وينكر الحق التاريخي لليهود».
وقال في بيان صدر عن مكتبه (نتنياهو) إن بيان مجلس الامن ما كان ينبغي ان يصدر، وما كان للولايات المتحدة ان تنضم اليه، وان البيان يتجاهل الهجمات الإرهابية الفلسطينية في القدس التي قتل فيها 10 مواطنين إسرائيليين هذا الشهر.
كما اعتبر مكتب نتنياهو ان البيان الاممي يقزم جريمة معاداة السامية التي أدت الى مقتل ملايين اليهود. واكد دفاعه عن قرار حكومته البدء بشرعنة 9 بؤر استيطانية قائمة في اراضي الضفة الغربية لم تكن قد تم تشريعها بعد، وبناء آلاف الوحدات السكنية الجديدة فيها.
إضافة الى بناء عشرات آلاف أخرى من الوحدات السكنية في المستوطنات الأخرى المقامة على أراضي الضفة الغربية المحتلة.
ما تقدم لم يكن أكثر من تفصيل لتوجهات سياسات عامة تنتهجها وتجاهر بها وتعلنها حكومة دولة الاحتلال، وكلها تقوم على التوسع الاستيطاني بلا حدود وبلا ضوابط في كل أراضي الضفة الغربية، مقترنة ومتوازية مع سياسات وإجراءات قمع واضطهاد تصل حد القتل والإبعاد لأهل البلاد، واغتصاب لكل حقوقهم الوطنية في كل المجالات وعلى كل المستويات. وتطال بنارها كل أهل الوطن الفلسطيني، وأيضاً الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون دولة الاحتلال ومعتقلاتها.
وهذا ما يجعل من أي حديث عن حل الدولتين مجرد ترف فكري او لغط سياسي للبعض لا أساس له في ارض الواقع او ارض الاحتمال لدى دولة الاحتلال، وبالذات لدى حكومتها القائمة ومكوناتها من قوى اليمين الأكثر عدوانية وتطرفاً.
ولعل العدوان الدموي والمجزرة التي نفذتها دولة الاحتلال في نابلس بعد بيان مجلس الأمن في الأمم المتحدة بفترة وجيزة، كان التعبير الأكثر دلالةً على ما تقدم ورداً إسرائيلياً سريعاً على ما تسرب عن اقتراح أمني اميركي أدى الى اقناع السلطة الوطنية بالاكتفاء ببيان رئاسي، إضافة الى ما حمله العدوان من رسائل شديدة الوضوح عن سياسات الحكومة اليمينية القائمة وعلى توجهاتها العدوانية بكافة الأشكال والأساليب.
وما تقدم، يؤكد أيضاً على عدم رغبة أو عجز أميركي عن ممارسة أي ضغوطات على حكومة الاحتلال او حتى توجيه أي انتقاد للممارساتها العنصرية والفاشية.
وبالمقابل يؤكد على ضرورة التصدي الموحد لسياسات ومخططات واعتداءات دولة الاحتلال بحكومتها اليمينية المتطرفة وبكل توجهاتها شديدة العدوانية والخطورة. ويؤكد في نفس الوقت جاهزية أهل الوطن وقدرتها على الصمود في وجه تلك المخططات والسياسات والتصدي لتلك الاعتداءات ومواجهتها.
ومجدداً نعيد ونكرر المطلب الدائم والضرورة الملحة الأساسية والحاسمة لوحدة كل القوى الوطنية الفلسطينية المتصدية للاحتلال ومشاريعه المشار اليها ووحدة موقفها وتعبيراته السياسية والنضالية ووحدة أدائها النضالي، وأيضاً وحدة قواها ووحدة هيئاتها القيادية والنضالية والإدارية.
وهذا أمر يملك كل مقومات إمكانية التحقق إذا ما خلصت النوايا الوطنية والنضالية.