يديعوت : "تسونامي" القوانين الجديدة: الهدّامون قادمون

ناحوم-برنياع.jpeg
حجم الخط

بقلم: ناحوم برنياع



نقف على شفا هاوية، والآن سنسير خطوة واحدة إلى الأمام، يعلن السياسي في النكتة. مضحك أم غير مضحك، هذا ما يحصل هنا منذ إقامة حكومة نتنياهو الثانية. تسونامي قوانين جديدة، بعضها مغرض، وبعضها سخيف، تغرق الإسرائيليين، وتهدد بإلحاق ضرر لا رجعة عنه بحريتهم، واقتصادهم، ورفاههم، واستقرارهم، وأمنهم. قصة النجاح الإسرائيلي قيد الاختبار. وقد نكتشف أن خليط الغباء، التطرف، والمصالح الشخصية قد يكون فتاكاً.
أول من أمس، شرعت الحكومة في بحث الميزانية. وجرى هذا في ظل سياقَين متضاربَين: الأول، التحذيرات الشديدة للمحافظ وللمالية من سقوط اقتصادي. والثاني، ضغط لتحقيق كل الوعود المبالغ فيها التي أطلقها نتنياهو ولفين لشركائهما أثناء المفاوضات الائتلافية. هذه المرة لا يدور الحديث فقط عن سلب ونهب صندوق الدولة بل أساساً عن الآثار الاقتصادية لانقلاب النظام.
إن الإحساس الذي نعيشه نوع من جنون لا علاج له. الثلاثاء الماضي، أُجري لقاء صحافي مع وزير العدل، يريف لفين، في مؤتمر "يديعوت أحرونوت" و"واي نت" في القدس. موران أزولاي، المراسلة السياسية في "واي نت"، هي التي أجرت اللقاء. كانت الأسئلة موضوعية. أما لفين فرد بشغب. من يشاهد الشريط يصعب عليه أن يصدق أن هذا هو وزير العدل لدولة يفترض بها أن تكون دولة سليمة النظام.
في كانون الأول الماضي، عقدت في جامعة تل أبيب ندوة أكاديمية اجتذبت إليها بروفيسورات في العلوم السياسية من عدة دول في الغرب. وقد استدعي لإحدى الجلسات نواب من الكنيست. الوحيد الذي جاء كان سمحا روتمن، الذي كان يوشك في حينه على أن يعين رئيساً للجنة الدستور والقانون والقضاء.
سيطر روتمن على النقاش فوراً. فقد كشف على مسمع من البروفيسورات من الخارج عناصر الانقلاب في النظام الذي يوشك على أن يحدثه. وكان مذهبه مرتباً، وإنجليزيته دقيقة. أطلق أحد المشاركين في الندوة، رجل حزب العمل، ملاحظة لم يستطبها روتمن. فهاجمه هجوماً شديداً. لحظة بدا أنه يعتزم ضربه جسدياً. وكل الوقت كانت مساعدته الشخصية تحوم حوله وتبرز هاتفها النقال في وجهه لتوثق كل صرخة. أخذ الضيوف من الخارج انطباعات عميقة، ومنحوا الحدث عنوان عرض روتمن المرعب. أما أنا فكنت أقل إحساساً بالتسلية. فقد اعتقدت أنه في الائتلاف الجديد سيكون الجنون هو الأمر الاعتيادي. الذخر الانتخابي. فإذا لم تكن مجنوناً فأنت غير موجود.
في المساء ذاته رنّ روتمن. شرح بأن ليس هكذا يتصرف بشكل عام، فبشكل عام هو مكبوح الجماح. أجرينا حديثاً طويلاً استغرق مدى الليل. قال لي ما يعتقده عن المحكمة العليا، وعن النيابة العامة، وعن الساحة السياسية. في النهاية سألته لماذا يكره بهذه الحدة كل ما بني هنا في الـ 120 سنة من الصهيونية، ومن أين جاءت هذه الكراهية اللاذعة. أما هو فقد نفى. قرأت الكتاب القصير الذي كتبه ووجدت فيه الكراهية المهووسة إياها، مغلفة بمحاولات تذاكٍ قضائية وبأنصاف حقائق.
روتمن إنسان مؤهل، يكاد يكون موهوباً، لكن فهمه للديمقراطية، وتوازناتها، وكوابحها، ولقواعد اللعب فيها يقترب من الصفر. هو ليس جاهلاً، بل أعمى. يعتقد أنه يمقت القضاة. الحقيقة هي أنه يمقت مجرد النظام الديمقراطي، وحلوله الوسط، وتردداته، وصفقاته، ويمقت على نحو خاص الديمقراطية الصهيونية، تلك التي بنت هذه البلاد الرائعة.
روتمن ولفين ليسا مذنبين: المذنب هو من أودع في أيديهما مستقبل الديمقراطية في إسرائيل. نزع نتنياهو السدادة، فخرجت الشياطين من القمقم. حتى لو أراد وقف التسونامي ليس له قوة سياسية لعمل ذلك: دون كتلتَي سموتريتش وبن غفير لا توجد له حكومة.
في واقع سياسي مسيطر عليه أكثر حكمة، كان الائتلاف سيركز على عدد صغير من مشاريع القوانين المهمة له، ويؤجل كل ما هو أقل إلحاحاً. أما الواقع في هذه اللحظة فيذكرنا بحلقات النار للأولاد في عيد لاغ عومر: يسعى كل وزير وكل نائب ليضيف شيئاً للنار.
أقر قانون المكتبة الوطنية بالكنيست في 2007 بعد 20 سنة من المشاورات. وقد أقر باحتفالية وبالإجماع. "الليكود" أيّد. كانت المشكلة لضمان أن تكون المكتبة محررة من التدخل السياسي. ولهذا الغرض أقيم مجلس غير سياسي. المجلس يعيّن مجلس إدارة. منذ نيسان 2022 رئيس مجلس الإدارة هو سلاي مريدور.
يريد كيش قانوناً يسمح له بأن ينحي ويعين أعضاء مجلس الإدارة. فماذا تساوي المكتبة - المؤسسة الأهم في إسرائيل في كل ما يتعلق بالتراث الثقافي للشعب اليهودي - إذا لم نكن نسيطر عليها؟ لم يتكبد كيش عناء التوجه إلى المكتبة حتى قبل أمس. ودافعه لهذا الفعل ليس واضحاً. هل هذا ثأر نتنياهو من شاي نيتسان الذي تولى منصب النائب العام والآن منصباً في المكتبة، أم أنه يثأر من المريدوريين أو لمجرد هكذا كي يضيف شيئاً إلى الشعلة. على أي حال أعلن متبرعان كبيران، أول من أمس، تعليق تبرعاتهما. يدور الحديث عن خسارة قرابة 100 مليون شيكل، مبلغ هائل، ولا يقل ألماً. شخصيات ثقافية مهمة، دافيد غروسمان هو واحد من كثيرين، سلّموا أرشيفاتهم للمكتبة، وهم وورثتهم قد يطالبون باستعادة المادة. عندما تتحطم الثقة فإنها تتحطم.
مقارنة بتهديد النظام والاقتصاد هذه ملاحظة هامشية. لكنها تمثل جيداً حجوم الجنون. من أجل ماذا؟ بأي حق؟ ماذا يوجد لهم؟ الهدامون قادمون.

عن "يديعوت"