سياسة كي الوعي الاسرائيلية هي الوجه الآخر لسياسة النازيين

حجم الخط

بقلم : تيسير خالد


المجزرة الوحشية ، التي ارتكبها جيش الاحتلال الاسرائيلي مؤخرا في مدينة نابلس وغيرها من مدن الضفة الغربية وخاصة مدينة جنين تعيد الى الذاكرة سياسة موشيه يعلون في كي وعي الفلسطينيين . مثل هذه السياسة في التعامل مع الفلسطينيين لا تشبه سياسة التعامل مع اليهود في اوروبا خلال الحرب العالمية الثانية فقط من بعيد ، فلا فرق من حيث الجوهر والأهداف بين سياسة كي الوعي ، التي تعتمدها اسرائيل مع الفلسطينيين منذ حولها رئيس اركان جيش الاحتلال موشيه يعلون في حينه الى سياسة رسمية لدولة اسرائيل في مطلع الألفية الجديدة خلال انتفاضة الأقصى المباركة ، وبين سياسة الغرب التي حولوها الى سياسة رسمية لدولتهم في تعاملهم مع اليهود والغجر والسلاف في روسيا وبولندا ويوغوسلافيا، فضلاً عن المعارضين السياسيين.

سياسة الابادة الغربية التي كانت تقوم على على النفي الجسدي للآخر بكل ما يرافق ذلك من أعمال وحشية يندى لها جبين الانسانية ، فيما تقوم سياسة كي الوعي الاسرائيلية على النفي السياسي والمعنوي وفي حدود مدروسة النفي الجسدي ، جيلا بعد جيل ، بكل ما يرافق ذلك من ممارسات وحشية كأعمال القتل والقمع والاستخدام غير المتناسب للقوة ، التي من شأنها أن تدفع الآخر للتسليم بقدر محتوم لا يملك طاقة على مقاومته أو الصمود في وجهه ، وفي كلا الأمرين فإن المنبع الايدولوجي للسياستين واحد ، هو الاستعلاء والشعور بالتفوق والتميز العنصري .

حكام اسرائيل لم يتعلموا شيئا من دروس الماضي ، لا من تجربتهم الخاصة ولا من تجربة اسلافهم فواصلوا العمل كوكيل لمصالح أسيادهم في عواصم القرار . تجربة اسلافهم كانت حزينة حين عملت مؤسساتهم وعمل حاخاماتهم وكلاء لطبقة النبلاء والبارونات في بولندا وروسيا واوكرانيا في اضطهاد وقمع الفلاحين الفقراء في هذه البلدان فعادت عليهم بالكوارث ، مثلما هي تجربتهم قبل وبعد قيام دولتهم كوكلاء للدول الاستعمارية في العدوان على بلدان محيطهم وشعوبها ، وخاصة الشعب الفلسطيني حين أعلنوها حرب تطهير عرقي في الحرب العدوانية التي شنوها ضد هذا الشعب عام 1948 وما تلاها من أعوام نكبة الشعب الفلسطيني .

حكام اسرائيل يخطئون إذا هم اعتقدوا بقدرتهم على مواصلة نفس السياسة أو بقدرتهم على تحقيق النصر على الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية من خلال سياسة كي الوعي ونفي حقوق بل وجود الفلسطينيين أو من خلال الالتفاف على هذه الحقوق اعتمادا على دعم أسيادهم في عواصم القرار في الغرب وخاصة أسيادهم في الولايات المتحدة الأميركية ومقاربتهم لتسوية الصراع مع الفلسطينيين من خلال " اتفاقيات ابراهيم " الاسطورية . فعالم اليوم هو عالم حقوق الانسان ، حتى لو اختل التوازن مع هذه الحقوق بحكم محدودية الوضع الانساني العالمي ، الذي تتحكم به شرائع الغاب الاستعمارية وخاصة الاميركية المسيطرة على عالمنا بالبطش والقوة الغاشمة تارة وبازدواجية المعايير تارة أخرى .

فمن تورة " البراق " عام 1929 الى الثورة الفلسطينية العظمى العام 1939 الى الثورة الفلسطينية المعاصرة عام 1965 وما تلاها من انتفاضات في سبعينات وثمانينات القرن الماضي ومطلع هذا القرن يتواصل نضال الشعب الفلسطيني أجيالا بعد أجيال يتوارث فيها أبناء هذا الشعب تقاليد صمود اسطوري في وجه النبوءة الزائفة لبن غوريون أول رئيس وزراء اسرائيلي ، الذي أخطأ التقدير بقوله أن " الكبار يموتون والصغار ينسون " ورددها من بعده جون فوستر دالاس ، أحد أشهر وزراء خارجية الولايات المتحدة الأميركية ، ليتضح بعد طول سنين أن ذاكرة الشعب الفلسطيني كأمواج البحر تتدافع حتى تصل شاطئ الأمان .