يديعوت : الحرب الأهلية باتت هنا

عوفر شيلح.jpg
حجم الخط

وكالة خبر

 



في بداية أسبوع آخر من كفاح محمل بالمصير على صورة إسرائيل، فإنه لا يبدو في الأفق أي حسم أو حل وسط. فالقصة هنا لم تعد منذ زمن بعيد هذا البند أو ذاك في منظومة العلاقات بين الحكم وجهاز القضاء. فهذه يمكن صياغتها بسهولة نسبية إذا ما جلس الطرفان للحوار، لكن هذا ليس حقا ما يحصل هنا.
إن الفظاظة العنيفة ليريف لفين، سمحا روتمن، وشركائهما، بإدارة وكيل الفوضى الذي يجلس في مقر رئيس الوزراء، رفعت الغطاء عن صندوق المفاسد الذي يتمترس فيه منذ عشرات السنين شياطين المجتمع الإسرائيلي. لكنهم لم يخلقوهم، ولم يخلقوا حقيقة أن القبائل الإسرائيلية تأتي إلى هذا الصراع كما تقول النكتة العنصرية القديمة عن رجلين ليس مهما من أي طائفة؛ يأتيان لا لأجل لعب النرد بل مباشرة لأجل الخصام. الخصام هو الغاية.
تجمع هذا هنا منذ سنوات طويلة. هذا هو الشيطان الطائفي، والحريديم ضد العلمانيين واليهود ضد العرب، "يجب تغيير الشعب"، و"اليسار نسي ماذا يعني أن يكون المرء يهوديا". هذا هو تعطل الساحة السياسية كمنصة متفق عليها تتحقق فيها مواضيع جوهرية لأجل الإحسان لحياتنا، وتحولها إلى سيرك يتفجر فيها العنصر المختلف لوجودنا الجماعي الواحد على الآخر بنباح وأفواه خراف. هذه هي اللغة الإسرائيلية، التي أصبح السعي إلى التوافق فيها ضعيفاً، وكل جدال يجب أن ينتهي بالحسم في صالحي وبالأساس في هزيمتك.
انه جهاز التعليم والوعي الذي ينمي منذ عشرات السنين أناسا كل ما يتعلمونه هو أنهم يكرهوننا وأننا محقون، وفقط العنيف وعديم الثبات يسود، وعليه فيجب علينا أن نكون أفظاظا وغليظي القلب، وأن نرى في الأخلاق ضعفا حقيرا وفي الآخر خطرا مهددا. وهذا، بالطبع الفيل ابن الـ 55 سنة من الاحتلال الذي يُحظر الحديث عنه. هذا "يسار" و"يمين" رغم أنه لا توجد ديمقراطية ولا يوجد امن ولا يوجد جهاز قضاء إذا كنا في ثلثي أيام دولة إسرائيل نتحكم بالقوة بشعب آخر.
قبل خمسة عقود ربما من "بلاد رائعة" تحدث يشعياهو ليفوفيتش عن حرب أهلية كـ"إحدى اللحظات المنشودة" في تاريخ الأمم، وواصل، "لا أفهم لماذا حرب زائدة فقط مع أبناء شعوب مختلفة وليس بين أبناء الشعب ذاته إذا كان يوجد بينهم تضارب جوهري أحدهم يرى في قيمة معينة أمرا من أجله يجب التضحية بالحياة أو أخذ الحياة، وعندها يكون ملزما بأن يقاتل ضد شخص آخر يرفض هذا الأمر".
وها هو على الأبواب. هذا لن يرتدي شكل أناس يطلقون النار الواحد على الآخر، لكنه بات هنا. فالكثير من الإسرائيليين يستعدون له منذ سنين: يجمعون جوازات السفر الأجنبية بذرائع الراحة، ويطورون كراهية تجاه الآخر ومشاعر ضحية ذاتية تبرر كل شيء. والآن يأتي نتنياهو، لفين وروتمن ليرفعوا الغطاء ويحصل هذا: المال يضخ إلى الخارج، الرموز الإسرائيلية – مثل الاحتياط، التي تعتبر منذ زمن بعيد كتطوع للدفاع عن الدولة التي حقا لا تستحق – تلقى جانبا، والمجاري تتدفق في الشبكات الاجتماعية.
في نوع من العاصفة كاملة الأوصاف ترتبط بالعاصفة من الداخل تهديدات أمنية، هي أيضا نتيجة سياسة عمى، نزعة قوة وتبرير ذاتي لكل حكومات إسرائيل. ولكن بخلاف الماضي لا تتسبب للجمهور الإسرائيلي بأن يرص الصفوف ويهجر الخلاف الداخلي بل يزيدون نارها. وهي سبب وجيه إضافي آخر للرحيل من هنا، جسديا أو اقتصاديا أو عاطفيا، وليبقى هنا الآخرون ليتصدوا للثمار الفجة التي أنبتناها هنا.
الساحة السياسية مثلما هي ليست ذات صلة في مثل هذه الأزمنة. في احد جانبيها الحكومة الحالية، وهي جمع من سكرى القوة المتهكمين وعديمي الشخصية بقيادة شخص يعزف على ناي التحريض بينما تحترق مملكته، وفي جانبها الآخر معارضة ضعيفة تحاول كيفما اتفق امتطاء ظهر نمر الاحتجاج والسير في الخط مع المشاعر الأكثر تطرفا لديها. إن محاولة الرئيس الوصول إلى حوار تحقر على الملأ، إذ لا أحد يريد حقا. يريدون القتال، الحسم، الإبادة والضياع.
إذاً ما العمل، على شفا الهوة؟ إذا كنا نحن نحب الحياة في إسرائيل، ونحاول إغلاق الغطاء من خلال طلب لا لبس فيه وشرعي للحوار، في ظل الامتناع عن التصويتات في الكنيست في أثنائها. إذا كان اتفاق في موضوع هو سبب الحرب فلعل المصيبة الفورية تمنع وتبدأ مسيرة حساب للنفس. صحيح، الحكومة ورئيسها يمسكان بأساس القوة لعمل ذلك، ولكن يجب الاعتراف بانهما هما أيضا لا يمكن هزيمتهما إلا بثمن فظيع لكل الأطراف.
من يبدو هذا في نظره سذاجة انهزامية، فليتذكر البديل. أمم اكبر وأقوى منا، على حد قول ليفوفيتش، حسمت في مواضيع وجودية عن طريق حرب أهلية وخرجت منها قوية. أما نحن فمن المشكوك فيه أن ننجح فيها.


عن "يديعوت"