معاريف : الاحتلال يجبي ثمناً أليماً من الإسرائيليين

حجم الخط

بقلم: نداف تمير*

 

 


"إذا استمر الوضع القائم ستسود الزعرنة – أو ربما ينبغي القول التحول النازي – في صفوف الشعب والمجتمع في إسرائيل، وسيكون محتما"، كتب البروفيسور يشعياهو ليفوفيتش في 1988. اليوم، بعد 35 سنة من ذلك، فإن الزعرنة وصلت ذروتها: تنتشر الزعرنة في كل مكان، ويصل العنف ذروته حيال الفلسطينيين، وهم يعدون منذ بداية السنة عشرات القتلى الفلسطينيين غير المشاركين. العنف وزعرنة المستوطنين تجاه الفلسطينيين فعل يومي.
في بُعد آخر تصل الزعرنة السياسية ذروتها في داخل إسرائيل، عندما يندفع الائتلاف بسرعة إلى "تحييد" الديمقراطية الإسرائيلية.
الزعرنة هنا أيضا في شكل مشاريع تشريعية شخصية هدفها شرعنة الجريمة المنتظمة لمنتخبي الجمهور.
توجد علاقة مباشرة بين الاحتلال الذي يمتد منذ عشرات السنين وبين ما يحصل في إسرائيل هذه الأيام. إذ إن الاحتلال عوّد الإسرائيليين على أنه يوجد جمهور كبير غير جدير بالانصات، المراعاة أو حفظ حقوقه.
لن يكون عجيبا إذا ما كانت الحكومة لا تريد حقا الانصات لمعارضي الثورة النظامية، ولا تهمها حقا حقوقه. مثلما في موقفها من الفلسطينيين من السهل عليها أن تطالب بقبضة حديدية ضد المتظاهرين ضدها. إذ في مفهوم معين، فإن معارضي الثورة النظامية أصبحوا بالنسبة لها أعداء.
مثلما توقع البروفيسور ليفوفيتش بأن الاحتلال يجتاز الخط الأخضر وينتشر في المجتمع الإسرائيلي.
أساليب هناك تنتقل إلى هناك، القمع من هناك ينتقل إلى هنا، ولن يبعد اليوم إلى أن يصل الاستخفاف بحياة الإنسان إلينا أيضا. لكن في كل هذا الظلام، يوجد أيضا بصيص من الأمل.
جموع الإسرائيليين يرون في أن دولتهم تسعى لأن تزيل عن نفسها آخر الألجمة الديمقراطية، ويشعرون بأنهم يسعون لأن ينزعوا حريتهم في الإعراب عن الرأي، التظاهر، الحق في محاكمة نزيهة.
المزيد فالمزيد منهم يفهمون بأن هذا لا يحصل في فراغ وأن الأساليب التي تعلموها على مدى أكثر من خمسة عقود في "المناطق" بدأت تنفذ هنا أيضا، باتجاههم.
يحتمل أن يبدأ الآن بالنشوء فهم بأنه لا يمكن حقا إيجاد ديمقراطية تجاه الداخل ودكتاتورية تجاه الخارج.
في نهاية الأمر فإن جانبا ما سيتغلب على الآخر. إما أن تنتصر الديمقراطية بوساطة وقف السيطرة العسكرية على شعب آخر أو أن تتغلب الدكتاتورية، في شكل استخدام للأدوات الدكتاتورية التي جردناها جميعنا في "المناطق"، حتى على مواطني إسرائيل. في هذه اللحظة تمتد يد الدكتاتورية إلى عمق الديمقراطية في إسرائيل، واعتقد مواطنون كثيرون حتى الآن بأن الفصل بين هناك وهنا سيكون تاما، سيبدؤون، ربما، في الفهم بأنهم هم أيضا يدفعون ثمن الاحتلال.
يحتمل أن يحسم هذا الواقع الأمر لدى ملايين الإسرائيليين بحيث يفهمون أخيرا أن إبقاء الاحتلال يجبي ثمنا أليما ليس فقط من الفلسطينيين بل منا نحن الإسرائيليين أيضا؛ وأن الطريق إلى الديمقراطية الإسرائيلية لا يمكنها أن تنتهي فقط في تأخير أو تغيير إجراءات الحكومة الحالية، بل يجب أن تمر في إنهاء الاحتلال ووقف عملية الزعرنة التي يجتازها المجتمع الإسرائيلي.
في هذه الأثناء يحذر معظم المتظاهرين من عقد هذا الربط، ويخشون من متحدثين يحاولون ربط الخطر الحقيقي على الديمقراطية بالاحتلال في "المناطق" أو من رفع إعلام فلسطين في التظاهرات. لكن قد تأتي اللحظة التي يستيقظون هم فيها أيضا ويفهمون بأن لا ديمقراطية مع احتلال.
عندما يحصل هذا سنتمكن من أن نشكر "دهاء التاريخ" الذي تسبب للأغلبية الصامتة بأن تنهض وتتصدى للواقع الذي يزحف من "المناطق" إلى إسرائيل كي تعيد دولتنا إلى رؤياها الأصلية.

عن "معاريف"
ـــــــــــــــــــــــــــ
*مدير عام "جي ستريت".