حريق حوارة فصل من جرائم الحرب

حجم الخط

بقلم مهند عبد الحميد

 

 

 


أشعل المستوطنون الحرائق في بيوت ومتاجر وسيارات في حوارة وزعترة وبورين، وأغلقت قوات الاحتلال كل الحواجز العسكرية المحيطة بمدينة نابلس وتعرض آلاف المواطنين إلى منع الدخول أو الخروج وإلى تعطيل حياتهم وسط كم هائل من قنابل الغاز.
يوم أسود مشهود كتبته ميليشيا فاشية مرخصة رسمياً ومحمية من دولة الاحتلال.  عقوبات جماعية شملت سيارات الإسعاف والدفاع المدني التي لم تتمكن من إنقاذ المصابين وإطفاء الحرائق.
بالأمس قدمت دولة العالم الحر نموذجاً لمجموعتين سكانيتين، مجموعة الأكثرية من السكان الأصليين التي تتعرض لسرقة أراضيها ومواردها وقمعها وقتلها، ومجموعة المستوطنين، الأقلية التي وضعتها دولة الاحتلال فوق القانون.
سابقاً زعمت القيادة السياسية والأمنية الإسرائيلية أن الهدف من إقامة المستعمرات هو حماية أمن دولة إسرائيل، لكنهم بمضي الوقت تراجعوا وكشفوا الهدف الحقيقي وهو التوسع الكولونيالي ونهب الموارد ومنع إقامة دولة فلسطينية وبناء نظام أبارتهايد استعماري.
الدولة تستخدم المستوطنين في المهمات القذرة التي لا تليق بسمعة دولة عالم حر.  فالمستوطنون بالتعاون مع منظمات المال يستولون على أراضٍ خاصة وأراضٍ مشاع ويقومون ببناء بؤر استيطانية خارج القانون الإسرائيلي وبالضد من القانون الدولي، وفور إقامة البؤر يتم تزويدها بالماء والكهرباء ويشق لها طرق وتسخر لها حراسة من جيش الاحتلال، الذي لا يتوانى عن قمع أي احتجاج سلمي فلسطيني.  
وبمرور الوقت يتم التشريع وتتحول البؤر غير القانونية إلى قانونية، ويتحول المستوطنون إلى أسياد البلاد كما وصفهم الكاتب الإسرائيلي عكيفا إلدار في كتابه الشهير «أسياد البلاد».
أصبح تمثيل المستوطنين قوياً في الكنيست وفي الحكومة وحتى في المحكمة العليا - يوجد لهم عضو -، بحيث يمكن تسمية الحكومة بحكومة مستوطنين بعد أن أصبح صوتهم هو الأعلى.
بالأمس في حوارة وزعترة وكل الطرق المؤدية إلى نابلس كان المستوطنون أسياداً في الحرق والترهيب وازدراء حقوق المواطنين، وبالأمس عبر المستوطن «بنتسيون» نائب رئيس مجلس مستوطنات شمال الضفة عن مشهد الرعب بالقول، يجب محو قرية حوارة، كفى حديثاً عن بناء الاستيطان، يجب إعادة الردع على الفور ولا مجال للرحمة».
وبالتناغم مع الدعوة لبى المستوطنون الدعوة وشرعوا بإحراق البيوت والمتاجر والسيارات. وسرعان ما أعاد وزير المالية سموتريتش نشر التغريدة «يجب محو حوارة».
رئيس المعارضة فسر ما حدث بالقول: «إن ميليشيات سموتريتش خرجت لإحراق حوارة لإفشال قمة العقبة».
وبالفعل قال سموتريتش: «أدعو رئيس الوزراء إلى إعادة الوفد الإسرائيلي من العقبة فوراً، الهدوء لن يتحقق إلا عندما يضرب الجيش مدن الإرهاب ومرتكبيه بلا رحمة بالدبابات والمروحيات، لنوصل لهم رسالة بأننا أصبنا بالجنون وسنجعلهم يرتدعون عن مهاجمتنا».
يتفق سموتريتش وبنتسيون على المحو ويتفوق الأول في تحديد أدوات المحو باستخدام الدبابات والمروحيات لضرب مدن الإرهاب واستخدام العقاب الجماعي بمستوى تدمير المدن رداً على عملية فردية قتل فيها مستوطنان.
المشكلة تتجاوز ميليشيا المستوطنين وقيادات ووزراء ومحو حوارة، يقول نداف تمير رئيس جي ستريت في «معاريف»: تنتشر الزعرنة في كل مكان، ويصل العنف ذروته ضد الفلسطينيين، العنف وزعرنة المستوطنين تجاه الفلسطينيين فعل يومي، الزعرنة السياسية تعبر الخط الأخضر وتنتشر داخل المجتمع الإسرائيلي وتبلغ ذروتها عندما يندفع الائتلاف الحاكم بسرعة إلى «تحييد» الديمقراطية الإسرائيلية.
توجد علاقة مباشرة بين الاحتلال الذي يمتد منذ عشرات السنين وبين ما يحصل في إسرائيل هذه الأيام، القمع ينتقل من هناك إلى هنا، ولن يبعد اليوم إلى أن يصل الاستخفاف بحياة الإنسان إلينا أيضاً.
الطريق إلى الديمقراطية الإسرائيلية يجب أن يمر في إنهاء الاحتلال ووقف عملية الزعرنة التي يجتازها المجتمع الإسرائيلي.
الكاتب يربط الخطر الحقيقي على الديمقراطية الإسرائيلية بالاحتلال في «المناطق».  
فلا ديمقراطية مع احتلال. ولحسن حظنا كفلسطينيين، زيادة عدد الاسرائيليين الذين يربطون الاحتلال بالتهديد الذي تتعرض له الديمقراطية الإسرائيلية. يقول عوفر شيلح: كل ما نتعلمه هو أن الفلسطينيين يكرهوننا وأننا محقون، والبقاء في هذه المعادلة يكون  للأقوى وعليه فيجب علينا أن نكون أفظاظاً وغليظي القلب، وأن نرى في الأخلاق ضعفاً حقيراً.
هذه الحالة نتاج لاحتلال مستمر منذ 55 عاماً يُحظر الحديث عنه. ويخلص إلى أنه لا توجد ديمقراطية ولا يوجد أمن ولا يوجد جهاز قضاء إذا كنا نتحكم بشعب آخر بالقوة.  
ضمن هذه المواصفات كيف ستتعامل حكومة نتنياهو الجديدة مع اتفاق العقبة الذي جاء كمحصلة للمسعى الأميركي المصري الأردني للتهدئة ونزع فتيل الانفجار؟.
قبل أن يجف حبر الاتفاق أشعل المستوطنون النيران في حوارة ومحيط نابلس، وعقب  سموتريتش على الاتفاق بالقول: «لن يكون هناك تجميد للبناء وشرعنة البؤر الاستيطانية ولو حتى ليوم واحد، وقال هنغبي رئيس الوفد الإسرائيلي إنه «على عكس التقارير حول قمة العقبة، لا يوجد تغيير في السياسة الإسرائيلية، في الأشهر المقبلة ستتم شرعنة 9 بؤر استيطانية وستتم الموافقة على بناء 9500 وحدة جديدة في الضفة». ولا يوجد أي قيود على أنشطة الجيش الإسرائيلي في الضفة.
بدوره أعلن نتنياهو أنه «خلافاً للتغريدات، سيستمر البناء وشرعنة البؤر في الضفة وفقاً لجدول التخطيط والبناء، دون أي تغيير، ولن يكون هناك تجميد. وكانت الحكومة قد اتخذت قرارات بالبناء وتشريع بؤر وقوانين ضد الأسرى ما يفيض عن الزمن المقرر في التهدئة 3 - 6 شهور.
الحلقة المفقودة هي انعدام الثقة بأي تعهد من نتنياهو وحكومته، حريق حوارة وأقوال نتنياهو ووزرائه بعدم الالتزام، تجعل اتفاق العقبة أضغاث أحلام.
من حق أي مواطن وأي تنظيم سياسي واجتماع الفصائل في غزة ألا يثقوا بالاتفاق وأن يتخوفوا من عودة التنسيق الأمني في ظل استيطان زاحف وتطهير عرقي والمس بالأسرى وبالمسجد الأقصى، من حق الجميع رفض كل ما يتعارض مع مصلحة الشعب الفلسطيني الوطنية.
وفي نفس الوقت من حق كل مواطن أن يعرف المسار البديل وكيفية الانتظام به وممارسته، وعدم الاكتفاء بشعارات النفير العام دون نفير الفصائل، والمقاومة والاشتباك مع الاحتلال دون تنظيمات أو تنظيم للمقاومة ودون رؤية وأهداف ملموسة.