يبدأ عهد الطفل بأمه بلمسة، وكذلك يبدأ عهد الأحبة أجمعين، سواء رفاق الرحلة من الأصدقاء، أو شريك الحياة الزوجية، وكذلك علاقات الحب العفوية التي تحاول دائمًا شاشات السينما رصدها، جميعها تلعب فيها ضمّة اليدين دورًا كبيرًا.
يسلم عليك أحدهم بعد فراق دام لسنوات فيربت على يديك بقوّة وربما يحتويها بين يديه الاثنتين ليعبر فقط عن مدى اشتياقه ووحشته، وآخر يعزيك في حزن أصابك يعقد يديه فوق يديك ويضغط ضغطة واحدة وكأنه حضن الجسد يحتويك ويواسيك، وأبوك في عهدك الأول بالمشي كان ممسكًا بيديك بمنتهى الخفة لتحترف العبور دون أن يخبرك للحظة أنه تعب من الطريق أو سأم تعليمك، ومع بلوغك سن الشباب يتعلق قلبك بإحداهن فتلخص لمسة من أيديكما كل كلمات الحب المعروفة، ثم يمر العمر ويصيب الشيب وآثاره بدنك وطاقتك فيرد ابنك جميل سنوات الطفولة مانحًا كفه لتتكيء عليه.
تختصر اللمسة عشرات الكلمات، وتبوح بما يعجز اللسان عن ذكره لتعبر عن كل المشاعر على اختلافها بحركة بسيطة تتحد فيها الأيادي مع بعضها البعض، لذلك صار لها قداسة وأهمية، لا مجرد حركة اعتدنا تمريرها بيننا في المراسم العادية، لكنها تحمل عشرات التعبيرات والرسائل الضمنية، يصل مدلولها لا محالة في موقفها وموقعها الذي تحدث فيه، أيًا كان، حبًا، سندًا، احتواءً، أو حتى غِلاً.