إسرائيل تفكر بفرض المعازل في الضفة

WptCE.jpg
حجم الخط

بقلم رجب أبو سرية

 

 

 

لم يكن اجتماع العقبة متوافقا مع هوى التطرف اليميني الحاكم في إسرائيل، والدليل أن بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية والوزير في وزارة الجيش، المسؤول عن الاستيطان في الضفة الفلسطينية المحتلة، وكذلك بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية نفسه، أعلنا مباشرة بعد ذلك الاجتماع الإقليمي/الدولي، السياسي الأمني، أنه لم يتم التراجع عن البناء الاستيطاني، والذي يعد حتى من قبل الولايات المتحدة، في أضيق اعتباراتها إجراء أحاديا، منافيا للاتفاقيات الموقعة بين فلسطين وإسرائيل، فضلا عن أنه يقتل كل أمل بإمكانية تنفيذ حل الدولتين، وهذا يعني أن الضغط السياسي الممارس من قبل كل من الأردن ومصر والولايات المتحدة سيتواصل على الحكومة الإسرائيلية لإلزامها، بما تم الاتفاق حوله في العقبة في السادس والعشرين من شباط الفائت.
ولأن الحكومة الإسرائيلية الحالية تضم اليمين المتطرف، الذي وصل بشكل مؤثر للحكم، ولا يفكر سوى بتنفيذ برنامجه الاحتلالي الفاشي، والذي جوهره، «أسرلة» أرض الضفة الغربية كلها، وقهر سكانها الفلسطينيين، بممارسة أقصى مستويات القتل بحقهم، لتهجير من يمكن تهجيره خارجها، ومن ثم فرض العزل العنصري على من يبقى، وهو فعلا أطلق العنان للعنف ميدانيا، مستغلا اقتحامات الجيش للمدن الفلسطينية، المستمرة منذ عام، ومن خلال ممارسة الضغط السياسي على وزير الجيش الليكودي، وارتكاب جرائم القتل الميداني بشكل يومي، وعبر إطلاق العنان لإرهاب المستوطنين، الذي ووجه بإدانة عالمية، شاركت فيها أميركا وروسيا وأوروبا، وحتى المعارضة الإسرائيلية ورجالات أمنها السابقون صريحة وغير مسبوقة، حين ارتكب المستوطنون الجريمة البشعة بحق حوارة، بعد العملية التي أوقعت قتيلين مستوطنين على أطرافها، حيث مارسوا الإرهاب بحق البلدة بكل سكانها وبالقرى المحيطة بها، فأوقعوا شهيدا ومائة جريح، وحرقوا سيارات ومنازل المواطنين، بشكل فاشي، يذكر بحروب الإبادة الجماعية التي كانت تمارسها قوات النازيين والفاشيين قبل عقود طويلة مضت.
لذا فإن إبقاء حكومة نتنياهو على مقودها بيد بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، يعني أن يواصل الجيش اقتحام المدن، وأن يستمر المستوطنون في ارتكاب جرائمهم ميدانيا، وذلك وصولا لشهر رمضان الذي يكون عادة محتقنا كما أشرنا أكثر من مرة، وفعلا قال مسؤولون أمنيون إسرائيليون إن الدوائر الأمنية تلقت عشرات الإنذارات لتنفيذ عمليات، حيث عقب على تلك التحذيرات مسؤولون كبار في الجيش الإسرائيلي بالقول، إنه من المستحيل منع العمليات الفلسطينية إلا بالعودة لتنفيذ العمليات العسكرية في مراكز المدن الفلسطينية، أي باقتحامها.
هذا يعني باختصار وبكل بساطة أن نتنياهو الحريص على عدم تفكيك الائتلاف الحاكم سريعا، سيتمسك بكل من سموتريتش وبن غفير في الحكومة، ولا يمكنه أن يدخل معهما في سجال حول مدى التزامه بالاتفاقيات الائتلافية بينهما من عدمه، خاصة وهو يواجه تحديات المعارضة السياسية والجماهيرية الجدية التي تدور حول خطته المثيرة للجدل والخاصة بتعديل نظام القضاء، حيث يفضل أن يتراجع قليلا في هذه المسألة الداخلية، على أن يتراجع لإرضاء أميركا والأردن، بكبح جماح شريكيه المتطرفين فيما يفعلانه بالضفة الفلسطينية، وذلك لأنه لا يمكنه أن يتراجع في الملفين الداخلي والاحتلالي معا، وفي نفس الوقت، وهو في أحسن أحواله، سيحاول أن يمنح الأميركيين والعرب - الأردنيين والمصريين، الأقوال، مقابل منح سموتريتش وبن غفير الأفعال، كما حدث تماما بارتكاب مجزرة نابلس، عشية عقد الاجتماع في العقبة، كما أشرنا أعلاه.
لكن ذلك لن يطول كثيرا، حيث يمكن لنتنياهو أن يخدع الآخرين مرة أو مرتين، أو بعض الوقت، ولا يمكنه أن يواصل خداع الناس كل الوقت، حيث سرعان ما سيعتبر الأردنيون والمصريون والأميركيون تلك الاقتحامات خرقا لتفاهمات العقبة، وبذلك لا تعود الاقتحامات فقط عدوانا على الفلسطينيين وحسب، بل خرقا لالتزام إسرائيل مع أطراف العقبة، ويمكن حينها أن يرد الأردنيون والمصريون بدعم أي تحركات سياسية فلسطينية، تعتبرها إسرائيل وأميركا إجراءات فلسطينية أحادية، نعني بتلك الإجراءات التحرك نحو المنظمات الأممية، بما فيها مجلس الأمن، وأميركا نفسها، ضغطت على مجلس الأمن، للاكتفاء بإصدار بيان، وليس قراراً يدين الجريمة الإسرائيلية في نابلس، أو على أقل تقدير الأعراب عن الإدانة الشديدة للممارسة المفرطة باستخدام الجيش للقوة في الضفة، ومواصلة الإعلان عن الوقوف ضد إرهاب المستوطنين.
لهذا نرجح أن تفكر حكومة نتنياهو باللجوء إلى فرض الأطواق على المدن الفلسطينية، فهي ستقلل تحت ضغط أطراف العقبة، من اقتحاماتها لداخل المدن، في الوقت نفسه، لن تسمح بحرية الحركة للمواطنين الفلسطينيين، تحت وقع التحذيرات الأمنية، وشيئا فشيئا، ستجد إسرائيل نفسها، لا تكتفي بالسور العازل الحالي، الذي يفصل الضفة عنها، بل ستشرع بإقامة المعازل العنصرية حول المدن الفلسطينية المحتلة، تماما كما هو الحال في قطاع غزة، المفروض عليه من قبل إسرائيل الحصار شبه التام منذ أقل قليلا من عشرين عاما!
كل هذا يمكن أن يحدث، أي أن يتحول الاحتلال الإسرائيلي إلى نظام عنصري صريح، بإقامة المعازل على شاكلة معازل نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، التي كانت تحيط المناطق التي يسكنها السود، والتي ستكون أشبه بالسجون الجماعية الدائمة، تعزل نحو ستة ملايين فلسطيني في الضفة والقطاع عن العالم الخارجي، وعن التواصل فيما بينهم، بشكل يمثل جريمة إنسانية بكل معنى الكلمة، وكل هذا يحدث لأنه ما زال التفكير من قبل إسرائيل وحتى من يهتم بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي من العرب والأميركيين، تفكيرا أمنيا، أي أنه يحاول عبثا تحقيق هدف مستحيل، وهو تحقيق الأمن في ظل الاحتلال.
وما يزيد الطين بلة، أو المشكلة تعقيدا، هو أن إسرائيل لا تنظر للمدن الفلسطينية ولا للأرض الفلسطينية على أنها محتلة، وأن احتلالها مؤقت، بل على أنها أرض إسرائيلية، ما زالت تعتقد واهمة أنه يمكنها أن تهنأ بها عبر الاستيطان، أي من خلال زرع السكان اليهود الإسرائيليين في تلك الأرض، وتضطر مع هذا لأن تفصل بينهم كمواطنين إسرائيليين وبين المواطنين الفلسطينيين كمقيمين بشكل مؤقت في نفس الوقت.
وعلى ذلك جاء المستوطنون باعتقاد واهم، وهو أنهم باقون على هذه الأرض، فيما الفلسطينيون على أهبة الرحيل، وحيث إنهم ما زالوا يتمسكون بوطنهم وأرضهم، فلا بد من إجبارهم على الرحيل، وهذا جذر العنف الذي يمارسه بشكل متزايد المستوطنون مع مرور الوقت، أي أن الوقت بدلا من أن يحمل والحالة هذه في طياته الوعد بالهدوء والأمن، ينطوي على العكس من ذلك على كل عوامل المواجهة والعنف.
لكل هذا نقول إنه ليس من باب الترف الفكري ولا العبث السياسي، القول بضرورة وأهمية معاملة ملف الاحتلال على أنه ملف سياسي وليس أمنيا، وكل الدنيا، بما في ذلك المفكرون السياسيون الإسرائيليون يقولون منذ وقت طويل، إنه ليس أمام إسرائيل إلا أحد خيارين لا ثالث لهما، وهما: إما الانسحاب من الأرض الفلسطينية، والسماح بإقامة دولة فلسطينية متصلة وقابلة للحياة، على أساس حل الدولتين، وإما التحول لدولة فصل عنصري، ما دامت لا تقبل ولا بأي شكل فكرة الدولة الواحدة بشعبين أو قوميتين. وبأيدي التطرف الذي صار مؤثرا جدا في حكومة نتنياهو السادسة، وليس بيد غيره، تجري إسرائيل عملية تسارع في الخطى نحو ذلك المفترق، وبعد أن طالت مرحلة إدارة الصراع، الذي أساسه وجوهره الاحتلال، كثيرا، أكثر من 55 سنة، فقد آن الأوان لحله، وما دامت إسرائيل عاجزة عن حله بالانسحاب، أو بالتحول لدولة ثنائية القومية، فإن على الآخرين أن يفرضوا عليها الحل، وهؤلاء الآخرون، هم أولا الفلسطينيون، عبر المقاومة الشعبية، وغيرهم من دول الجوار، ومن قائدة العالم، صديقة وحليفة إسرائيل.