لم تبدأ جرائم المستخربين ( المستوطنين المخربين ) في بلدة حوارة ولن تنتهي بما إقترفوه فيها . لكن حوارة علامة فارقة في حملة التخريب والحسم لإتباع العنصيونية ( العنصرية الصهيونية ) تماما مثلما كانت ليلة Kristallnacht (البلور - הבדולח ) نقطة تحول في إبادة النازية لليهود في المانيا في نوفمبر عام 1938 . وبما أن الشيء بالشيء يذكر وليس للتشبيه ، وهو ما حذر منه كبار ومؤثرون من المجتمع الإسرائيلي ونخبه ، آنذاك أحرق ودمر النازيون المنازل والمحال وقتلوا الكثير من اليهود . ولم تتحرك سلطات الأمن الألمانية لصدهم ولم تعاقبهم . ويذكر بحرائق تولسا الأمريكية قبل نحو قرن من الزمان ، عندما هاجم العنصريون البيض منازل وكنائس ومحال الأمريكيين السود وأضرموا فيها النيران. والآن أحرق ودمر وقتل المستخربون العنصيونيون عددا من بيوت حوارة ومحالها التجارية وقتلوا وجرحوا عددا من أهلها ولم يتحرك جيش الإحتلال لصدهم ولا لمعاقبتهم ، وردد متحدثوه أنه فقد السيطرة . ولا يبدو بنيامين نتنياهو الذي يسوق نفسه يمينيا برغماتيا بعيدا عن مخططات اليمين العقائدي الحاكم بقيادة الثنائي وزير الحريقة سموطريتش ووزير الكماجة بن غفير كما يطلق عليه خصومه ، بسبب إنتقامه من الأسرى بمنع الخبز الطازج عنهم. الأنكى من ذلك خرج قادة المستخربون في الحكومة الإسرائيلية يتمنون إحتراق حوارة بالكامل ومحوها من الوجود ، ولم يندد نتنياهو بذلك.
لم يأت هذا من فراغ ، وإنما يجسد المخططات التي يرسمها لهم Kohelet Policy Forum، الذي يقوم على التعبئة الإيديولوجية والتوجيه ورسم السياسات لليمين العقائدي ، لتحقيق الغاية بإسرائيل الكبرى من نهر الأردن الى شرق المتوسط ، وإن علمنا أن الممولين هم مليارديرات يهود يمينيون عقائديون في الولايات المتحدة من رعاة الإستيطان ,ويحملون فكرا مطابقا لمجموعات ال Evangelicalism، الذين أقاموا منظمة CUFI “ مسيحيون موحدون من أجل إسرائيل " ويؤمنون بقدسية اليهود وحقهم المطلق في هذه البلاد ، وهم نفس المجموعات التي أيدت الرئيس دونالد ترامب وجاءت به الى الحكم. ندرك أن تحالف الصهيونية الدينية أحد أدواتهم لتحقيق مآربهم . وهؤلاء مجتمعون يرون في الضفة الغربية والقدس " وقفا يهوديا توراتيا " لا يجوز التخلي عنه أو التفاوض حوله .
فقد كشف ما يبيتون له ، أحد قادة هذا التحالف بتسليئيل سموطريتش في خطة الحسم التي نشرها عام 2017 , وهي خطة تصفية للوجود الوطني الفلسطيني من مرحلتين :
١— مرحلة الحسم الإستيطاني : تكثيف الإستيطان على نحو يؤدي الى تغيير الواقع الديموغرافي. بحيث يصبح ذلك واقعا لا يمكن تغييره . وهو ما هدفت اليه قرارات الحكومة ببناء نحو عشرة الاف وحدة إستيطانية جديدة لتسمين المستعمرات القائمة ، التي يستوطن فيها نحو 470 الف مستعمر ( بدون القدس المحتلة ) ، وبالمقابل حظر البناء الفلسطيني في المنطقة " جيم " ( من إبداعات أوسلو )،والتي تزيد مساحتها على 60% من مساحة الضفة الغربية ، ولا يتجاوز عدد المواطنين الفلسطينيين فيها عن 160 الف نسمة وتلاحقهم سلطات الإحتلال ومستعمروها ويهدمون منازلهم ومنشآتهم ويقتلون أغنامهم ويقتلعون أشجارهم .
وهذا يهيئ للمرحلة التالية :
٢— مرحلة الحسم أمام الفلسطينيين ، بحيث تكون خياراتهم ، إما :
أ—- ان يعيشوا رعايا مع حقوق فردية وليست جمعية ،ليسوا شعبا له حقوق وطنية .
ب—- أن يتم تشجيعهم على الهجرة والرحيل بوسائل وذرائع مختلفة .
ج—- أن يكلف الجيش بمعالجة وضعهم ، ويستذكر سموطريتش هنا ما جرى في النكبة عام 1948 . من قتل وتهجير بأيدي العصابات الصهيونية لثلثي الشعب الفلسطيني .
إذا ما أضفنا الى ذلك ما يتم سنه من قوانين للإنقلاب على القضاء وسيادة القانون كما يصفها المعارضون ، بدءا من سن قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين المدانين بعمليات قتل فيها يهود ، وقرصنة مخصصات الأسرى وعائلات الشهداء . والإستيلاء على أراض فلسطينية وإقامة بؤر عليها ، ومن ثم إضفاء القانون الإسرائيلي عليها ، كما جرى مؤخرا بتشريع حكومة أقصى اليمين المتطرف تسعة منها ، وسن قانون التغلب على المحكمة العليا لتحييد تأثيرها وقراراتها تمهيدا لإلغاء القانون الاساسي "كرامة الإنسان وحريته "، الذي تستند اليه لإبطال قرارات حكومية غير مشروعة وأحكام جائرة ، وقانون يبيح للأغلبية اليمينية الحاكمة الإستيلاء على مؤسسة القضاء من خلال التفرد بتعيين القضاة . وهذه كلها من إفرازات قانون القومية الذي نص على أن إسرائيل دولة قومية لليهود فقط ، وشطب بذلك حقوق الأقليات والمقصود بها العرب طبعا . وتذكر هذه القوانين في فحواها بما كانت النازية الألمانية قد سنته في سبتمبر 1935 ، وهما قانونان معروفان بإسم قانوني نورمبرغ ( The Nuremberg Laws ) قانون رايخ للمواطنة وقانون حماية الدم والشرف الألماني.
لذلك هذه القوانين وخطة الحسم والمشاريع الإستيطانية الجديدة منها والقديم هدف واحد هو :
القضاء على الوجود الوطني الفلسطيني وتحديدا في الضفة الغربية والقدس المحتلة . وما إحراق حوارة إلا نذير شؤم لما تبيته هذه العقلية العنصيونية ، التي لم يعد جزء كبير من الشارع الإسرائيلي قادرا على تحمل جرائمها ومواقفها . إذ ترى أن الإنتخابات الأخيرة التي جاءت بها الى الحكم بأغلبية من 64 نائبا في الكنيست ، إنما نقلت الوضع من إدارة الصراع مع الفلسطينيين الى مرحلة حسم هذا الصراع بشروط اليمين الصهيوني العقائدي .
كما ترى أن ما تبقى من السلطة الفلسطينية بحكم أنها تجسد مشروعا وطنيا ورغم هزالتها ، يجب أن يتلاشى لتحل مكانها إدارات حكم ذاتي محدود ، أشبه بمجالس بلدية لكل منطقة على حدة ، ومنفصلة عن بعضها البعض ، على أساس أن الفلسطينيين مقسمين على عشائر وليسوا شعبا واحدا .
الخطورة لا تنبع فقط من كون هؤلاء أصحاب مشروع يجتهدون من اجل تحقيقه ، وإنما لكون الضحية وهي الجانب الفلسطيني ممثلا بالسلطة وكافة الفصائل ،كل منهم يغني على ليلاه . ناهيكم بالطبع عن تداعيات الواقع العربي والإسلامي المخزي .