ما أن انتهى "لقاء العقبة" حتى سارعت "الرسمية الفلسطينية" تقديم كل ما في جعبتها من مخزون لغوي لتبرير حضورها غير المبرر، ولجأت الى ما تعتبره نظرية "ملئ الفراغ"، ما يكشف أن جوهر المشاركة ليس حماية لمشروع وطني في مواجهة مشروع فاشي تهويدي احلالي، بل جوهره "خوف سياسي من بديل سياسي"، يبدو أن أجهزة أمنية غير فلسطينية وضعت أمامهم "سيناريو البديل" (الذي رسموه هم) كفزاعة وابتزاز.
ولأن المسألة لم تكن بحاجة لانتظار سقوط كل مبررات المشاركة طويلا، فأقدم نتنياهو وفريقه مباشرة لنفي كل ما تم الحديث عنه، من "تفاهمات"، ليس نظريا وكلاما، بل تنفيذا عبر جرائم حرب متلاحقة، بدأت في بلدة حوارة، حرقا واغتيالا، ودعوات لإخفائها عن الوجود، فجريمة حرب في مخيم جنين، وهدم منازل مقدسية، واعدام 3 شبان في بلدة جبع بجنين داخل سيارتهم استكمالا لمسلسل جرائم لا تتوقف.
المفارقة التي تستوجب أن تقف أمامها "الرسمية الفلسطينية" وقيادة حركة فتح، أن غالبية شهداء فلسطين والذي بلغ 77 شهيدا خلال ما يقارب الـ 100 يوم الأولى من عام 2023، هم من أبناء فتح والأجهزة الأمنية، ما يمثل رسالة مباشرة، بأن دولة الاحتلال وأجهزتها الأمنية لا تقيم وزنا، ولا قيمة لمفهوم "البحث عن فرصة سياسية"، بل أنها تعمل بوعي على خلق "فجوة" داخل فتح قاعدة وكادرا، عن قيادتها لتبدوا وكأنها لا تقيم وزنا للحقيقة الميدانية، وتغرق في مسار لا يخدم ابدا المشروع الكفاحي الفلسطيني، وبالقطع مسار حركة فتح تاريخا وحاضرا.
مسار خلق "الفجوة" بين قيادة فتح وجمهورها هو جزء عملي من مخطط تهيئة "البديل السياسي"، فكلما ذهبت بعيدا عن "المزاج الشعبي العام"، في زمن جرائم حرب دولة الاحتلال، تمنح "اللص السياسي" وقواها المركبة فرصة مضافة، للذهاب نحو خلق فجوات جديدة داخل قوام "الوطنية الفلسطينية" وفي المقدمة حركة فتح.
نظرية "ملئ الفراغ" لا يمكنها أن تكون ابدا عبر الذهاب الى "مصيدة أمريكية" هدفها الحقيقي تهيئة "المناخ الشعبي العام" لقبول "بديلها السياسي" الذي أعدته منذ زمن بعيد، بل مواجهة تلك النظرية بتعبئة كفاحية متلاحقة، يمكنها أن تحاصر "اللص البديل" ومن يعمل على مساعدته..وما حدث في سبتمبر 2005 وما تلاها حتى ساعته، تأكيد اثبات لتلك "الحقيقة السياسية".
حركة فتح ومعها "الرسمية الفلسطينية"، يجب أن تقف أمام خلاصة الأيام التي تلت سحب مشروع الاستيطان من مجلس الأمن، رضوخا لطلب أمريكي، ثم بيان رئاسي مهين وطنيا، الى مشاركتها في "لقاء العقبة"، وما تلاه من مجزرة حوارة الى جريمة حرب بلدة جبع، بتفاصيل لم تعد مجهولة، أن المسار الحقيقي للموقف الأمريكي، هو خلق "فجوة وطنية" داخل فتح، باعتبار ذلك المقدمة الأولى لدفع "اللص السياسي"، ولذا كلما ذهبت خطوة مع رغبة أمريكية، تخسر مقابلها خطوات في مسار الكفاحية الوطنية، وبالتحديد داخل حركة فتح، قبل غيرها.
قيادة حركة فتح، قبل غيرها، عليها أن تضع نهاية لـ "مكذبة تعبئة الفراغ" التي يحاولون تمريرها، والكف عن رهان واهم تماما، بدق جدران خزان فارغ، صدى صوته سيكون سلاحا معاكسا لخدمة مشروع نقيض المشروع الوطني.
لم يعد هناك مجال لتجريب ما بات مجربا عشرات المرات، وأبرزها التي لا يجب أن تغيب عن قيادة فتح ورئيسها محمود عباس ما حدث من مبادرة جورج بوش الابن يونيو 2002، والتي أيضا استهدفت ما اسماه نظرية "ملئ الفراغ"، وصناعة بديل للخالد ياسر عرفات، فأنتجت انقساما وطنيا، ثم بدأ يترسخ نحو انفصال وطني.
قيادة حركة فتح، ومعها الرسمية الفلسطينية كونها "القوة المقررة بها"، ان تضع نهاية لمسار "اللعثمة السياسية" الذي طال زمنه كثيرا، وأن تذهب لصياغة خيار "المواجهة الشامل"، والبداية رفض صريح لأي لقاء مع حكومة التحالف الفاشي المعاصر، أو المشاركة في أي لقاء تكون به حاضرة، وتعيد الاعتبار لمسار مطاردة دولة العدو القومي بكل السبل المتاحة.
نهاية مسار "اللعثمة السياسية" هو البديل الكفاحي لنظرية "ملئ الفراغ"، وغيره سيكون مسارا لـ "الانحدار السياسي" لفتح الباب لـ "اللص السياسي"، الذي يرغبون.
ملاحظة: ما حدث في جنازة "اول شهيد حمساوي" هذا العام في نابلس كان فخا لحرف المسار عن مشهد وطني أربك دولة العدو وأدواتها المحلية...مناورة تآمرية قادت لخطأ من الأمن وسقطة من فصائل..الفتنة لم تعد بعيدة مع مأزق حكومة الفاشيين..ديروا بالكم...فتحوا مخكم قبل عيونكم!
تنويه خاص: سؤال مكرر كتير..هل لا زالت "تنفيذية منظمة التحرير" موجودة، على غير قسيمة الراتب والحصة المالية..اللي بيصير بيقول انها بلا حيل ولا وجود...شو رايكم نسميها "تنفيذية قرارات الرئيس"..مش أحسن لكم.. وللناس أكيد!