ليس طبيعياً، ولا معتاداً، تدفق كبار المسؤولين الأميركيين إلى منطقتنا: الأردن وفلسطين ومصر، بدءاً من مدير المخابرات وليم بيرنز، ومستشار الأمن القومي جيك سيلفان، ووزير الخارجية أنطوني بلينكن، ورئيس هيئة أركان الجيش مارك ألكسندر ميلي، وليس انتهاء بوزير الدفاع الأميركي لويد اوستن،، ليس طبيعياً ولا معتاداً سلسلة اللقاءات الأميركية مع الأطراف المختلفة، ثنائياً وجماعياً، مع الإسرائيليين والفلسطينيين والأردنيين والمصريين، ولن يكون آخرها اجتماع العقبة الخماسي، وما سيعقبه.
ما الذي يدفع الأميركيون إعطاء الأولوية في اهتماماتهم لهذه المنطقة وقياداتها، والاجتماع معهم، وجمعهم على طاولة الحوار والبحث وخلق التفاهمات بينهم ولو في حدها الأدنى، حتى ولو أدى ذلك إلى ممارسة الضغط لتحقيق الحضور وعقد الاجتماع الجماعي، كما حصل مع الإسرائيليين، لقد تم جلبهم إلى العقبة جلباً، كما سبق وفعلوا بشكل بارز وقوي حينما جلبوا اسحق شامير إلى مؤتمر مدريد يوم 30/10/1991.
للأميركيين أولوية، وفي طليعة أولوياتهم إبراز الاجتياح الروسي لأوكرانيا، وجعل طليعة الاهتمام لدى المشهد السياسي الدولي هو الاجتياح الروسي، وتركيز الأضواء على ما يجري في أوكرانيا، وأن احتلالاً غاشماً مارسته روسيا، يجب معاقبتها على هذا الفعل، ليس عبر هزيمة روسيا بضربة صاعقة، بل عبر استمرار استنزافها بأدوات أوكرانية حتى ولو أدى إلى تدمير أوكرانيا، وتصفية آخر مواطن أوكراني، فالموضوع الأميركي ليس حماية أوكرانيا والتعاطف مع شعبها، بل إخفاق روسيا من تحقيق أهدافها، وما هي أهدافها في نظر الأميركيين:
هدفان تسعى لهما روسيا الأول استعادة أراضي شرق أوكرانيا التي تدعي روسيا أنها كانت جزءاً من الأراضي الروسية، حينما كان الاتحاد السوفيتي، وكانت أوكرانيا جزءاً من السيادة السوفيتية، ولمّا وقعت الواقعة بهزيمة روسيا مع نهاية الحرب الباردة لم تكن قادرة على فرض شروطها على البلدان التي تخلصت من الخارطة السوفيتية ومنها أوكرانيا، ودلالة روسيا على ذلك أن مواطني شرق أوكرانيا المحاذية للأراضي الروسية هم من القومية الروسية.
أما ثاني الأهداف الروسية من اجتياح أوكرانيا، من وجهة النظر الأميركية، هي إلغاء نتائج الحرب الباردة، أي إلغاء نتائج هزيمتها، وبالتالي إلغاء هيمنة القطب الأميركي الواحد المتمكن والمسيطر على السياسة الدولية، وهو خيار وهدف يمس بالمصالح الأميركية وتقليص النفوذ الأميركي.
ما تسعى له واشنطن عبر زيارات قادتها الأمنيين والسياسيين والعسكريين إلى العناوين الأربعة: 1- المستعمرة الإسرائيلية، 2- فلسطين، 3- الأردن، 4- مصر، هو إطفاء حالة الاشتعال الفلسطينية في مواجهة الاحتلال، فالقراءة الأميركية وفق رؤية وتقدير مدير المخابرات الأميركي وليام بيرنز وقراءته، أن ما يجري في فلسطين هو شبيه بالانتفاضة الثانية، التي أرغمت شارون عام 2005 على الرحيل عن قطاع غزة بعد: 1- فكفكة المستوطنات، 2- إزالة قواعد جيش الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة.
الولايات المتحدة تسعى نحو التهدئة في فلسطين، وفي أي منطقة ساخنة أحداثها ومشتعلة أدواتها، لأن التحالف الروسي الصيني يقع في صُلب الضرر لمصالح الولايات المتحدة الأميركية، ولهذا يجب استنزاف روسيا بهدف إضعاف جبهة المواجهة بين واشنطن من طرف وبين موسكو وبكين من طرف آخر، وكل من يقف معهما.