المنتدى الإقتصادي العالمي كشف عن وجهه الحقيقي المعادي للفلسطينيين

حجم الخط

بقلم : خالد السبعاوي 

لا يتوانى المنتدى الاقتصادي العالمي عن إظهار التضامن مع الشعب الأوكراني وإدانة روسيا، ولكن عندما يتعلق الأمر بإدانة الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، فإنه يصر على البقاء محايداً.

 

 

 

في كل عام، يجمع المنتدى الاقتصادي العالمي (WEF) النخبة العالمية في دافوس تحت شعارات غارقة في الفضيلة والمثالية مثل "تحسين وضع العالم". ومع ذلك، لم يقف أحد حتى الآن ليسأل من الدول التي يشملها المنتدى الإقتصادي العالم بالضبط في تعريفه لـ"العالم"؟ حسناً، لقد فعلت. والجواب لا يشمل الفلسطينيين، وقد لا يشمل أيضاً أي شخص ليس أبيضاً.

في عام 2015، قبلت الترشح لمنتدى القادة العالميين الشباب (YGL) ، وهو مجتمع يندرج ضمن المنتدى الاقتصادي العالمي أنشأه مؤسس ورئيس المنتدى الاقتصادي العالمي كلاوس شواب. 

على الرغم من أنني نشأت في كندا، إلا أنني ابن لاجئين فلسطينيين من غزة، ومن المُفترض أنه تم قبولي كفلسطيني في منتدى القادة العالميين الشباب لتميزي في ريادة الأعمال في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ورغم أن نخبوية المنتدى الاقتصادي العالمي لا تتمتع بمصداقية كبيرة في المجتمعات المهمّشة، فقد تم حثي على أن التغيير يمكن أن يأتي من داخل المنتدى، وكذلك، كم مرة ستتاح فرصة لقاء قادة العالم برواد الأعمال الفلسطينيين؟.

في شهر مايو/ أيار من العام 2021، عندما شنت إسرائيل غارات جوية مدّمرة على قطاع غزة، شعرت بالمسؤولية عن إثارة هذه القضية في مثل هذا المنتدى العالمي. كما شعرأعضاء آخرون في منتدى الشباب العالمي بنفس هذا الشعور بالضبط، فالفلسطينيون هم بين من أكثر الشعوب تهميشاً وحرماناً في العالم، وقد خلصت منظمات حقوق الإنسان الرائدة إلى أن شعبنا يعيش بأكمله تحت ظل نظام فصل عنصري إسرائيلي.

لذلك، كتبنا رسالة مفتوحة موجهة إلى شواب، نطالبه فيها بإدانة العدوان الإسرائيلي على غزة، وانتهاكاتها لحقوق الإنسان، والتضامن مع الشعب الفلسطيني. ولقد دعونا أصحاب المصلحة في المنتدى الاقتصادي العالمي للتوقيع عليها، وفي غضون أسابيع قليلة، وقع 1,196 عضواً على خطابنا المفتوح - وهو عمل غير مسبوق أظهر إمكانية إحداث تغيير حقيقي داخل المنتدى الاقتصادي العالمي.

وخلال يوم واحد من تلقي شواب لرسالتنا، أجاب شواب بسرعة: "البيان الذي تطلبونه سيقوض هدف ودور منظمة محايدة".

لقد أكدنا في رسالتنا أنه لا يمكن للمرء أن يكون محايداً اتجاه انتهاكات حقوق الإنسان، كما قال الشهير باولو فريري: " إن غسل يد المرء في الصراع بين الأقوياء والضعفاء يعني الوقوف إلى جانب القوي، وليس الحياد". 

وبعد أسبوع، نشر السيد شواب مقالًا كرد مباشر على رسالتنا، يدعي فيه أن المنتدى الاقتصادي العالمي يمكنه تحسين العالم بشكل أفضل من خلال كونه "وسيطاً محايداً ومستقلاً"، بالرغم من أننا تألمنا من رفض شواب، فقد سلّمنا بالقيود التي فرضتها قوانين المنتدى الاقتصادي العالمي.

وبعد أقل من عام، غزت روسيا أوكرانيا، وأصدر المنتدى الاقتصادي العالمي بياناً رسمياً وقعه شواب بنفسه يدين فيه عدوان روسيا ويعلن عن تضامنه الكامل مع الشعب الأوكراني. و بالرغم من أن ذلك كان عملاً تضامنياً مهماً، فقد جعلنا نشعر أننا لسنا أعضاء متساويين في مجتمع المنتدى الاقتصادي العالمي.

وعلى الفور، وقعت مجموعة تضم 29 عضواً من أعضاء منتدى القادة العالميين الشباب على رسالة بريد إلكتروني موجهة إلى شواب، أرسلتها إليه من بريدي الإلكتروني الشخصي، نشكره فيها على موقفه ونعبر عن استيائنا الشديد من ازدواجية معايير المنتدى الاقتصادي العالمي. لقد أعربنا فيها عن ازدياد قناعتنا بأننا أناس ملونون، وأن قيم المساواة والشمولية التي يتبناها المنتدى الاقتصادي العالمي ليست سوى واجهة.

الحقيقة هي أنه منذ إنشاء المنتدى الاقتصادي العالمي عام 1971، نُفذت غزوات ضد مراكز تواجد الملونين المهمّشين في جميع أنحاء العالم، واختبأ المنتدى الاقتصادي العالمي وراء راية الحياد. ولكن عندما يتم غزو مجتمع أوروبي أبيض، يتخذ المنتدى الاقتصادي العالمي موقفاً. هذه المعايير المزدوجة على أساس العرق غير مقبولة ببساطة.

ربما كنت تعتقد بعد ذلك كله أن منتدى مكرس ظاهرياً للحوار، سوف يجري فريقهم حواراً مفتوحاً معنا. على العكس تماماً. أظهر المنتدى الاقتصادي العالمي سلوكاً نموذجياً للمنظمات التي يديرها الرجال البيض في السلطة الذين اعتادوا التمتع بالإفلات من العقاب من خلال استخدام بطش قوى الأمن والترهيب العنصري وتشويه السمعة.

في غضون ساعات من تلقي شواب لبريدنا الإلكتروني، رد شواب بازدراء بأنه يشعر "بالإهانة" من كلماتنا – مستخدماً نبرة الشرطة - وضاعف من تأكيده أن أوكرانيا "حالة خاصة". وفي اليوم التالي تلقيت بريداً إلكترونياً سيئاً للغاية من شواب ومصمم من أجل ترهيبي: لقد هدد بحل منتدى القادة الشباب العالميين بأكمله، كما فعل مع نسخة سابقة من نفس المجتمع. اتهمني شواب بـ "اتهامات عنصرية خبيثة".لقد أشرنا في رسالتنا فقط إلى ازدواجية المعايير على أساس العرق.

 لكن ردة فعله تُعرّف بالفضيحة - عندما يشير إلى الملونيين بعنصرية ويقلب كلامهم بشكل فاضح لتحويل التركيز بعيداً عن العنصرية. وأخيراً، أظهرت ردة فعل شواب ما يُعرف بالشك الافتراضي وفجوة التعاطف – أي عندما يقابل الأشخاص البيض المتميزون عرقياً كلام ومواقف الاشخاص الملونيين بدفاع مليء بالشك وبالتالي يكون لديهم تعاطف أقل معهم.

 

وبعد بضعة أشهر، تلقيت خطاب تعليق عضويتي من منتدى القادة الشباب العالميين إلى أجل غير مسمى. وتم تجاهل طلبي حول أسباب تعليق عضويتي واستئنافها. إن الكثير من مبادىء "رأسمالية أصحاب المصلحة" و "التعاون في عالم مجزأ" التي يتبناها المنتدى الاقتصادي العالمي علنا هي أشبه بالعنصرية وإساءة استخدام السلطة وانعدام الشفافية. لقد علمت بشكل مباشر أن بعض أعضاء المنتدى هم مخبرون يسربون الاتصالات الخاصة مباشرة إلى قيادة المنتدى الاقتصادي العالمي.

 يبدو وكأنه نظام استبدادي يتجسس على دائرته الانتخابية ويكره حرية التعبير أكثر من كونه منتدى عالمياً. أما بالنسبة إلى أعضاء المنتدى السابقين، فقد احتج عدد قليل منهم فقط من القادة الحقيقيين على تعليق عضويتي. كان صمت "القادة العالميين الشباب" المتبقين يصم الآذان، ولكن بالنظر إلى الماضي، أدرك أن صمتهم يعبر عن النوع الدقيق من القيادة الميكافيلية التي يسعى المنتدى الاقتصادي العالمي إلى تعزيزها.

 

في تصرفهم بإسكاتي كشخص ملون، كشف المنتدى الاقتصادي العالمي عن لونه الحقيقي: الأبيض، وأن المنتدى الاقتصادي العالمي يمثل في الواقع المنتدى الاقتصادي الأبيض. كما كشف أن إعلاناته الفاضلة حول التنوع والشمولية هي مجرد شعارات. لكن كونفوشيوس حذرنا منذ فترة طويلة من أن "الأشياء الجيدة هي لصوص الفضيلة" لأولئك الذين يصدرون شعارات عامة بالفضيلة والذين هم في كثير من الأحيان لا يجسدونها. تكشف تجربتي الشخصية أن موقف المنتدى الاقتصادي العالمي الذي يجب أن ينقذ العالم له آثار خطيرة سواء كانت مقصودة أم لا: 

  1. أنه يعمل على جذب الملونيين من المجتمعات المهمشة إلى شبكة من الانتهازيين والمهنيين الميكافيليين بشكل أساسي، مما يحفزهم على التزام الصمت بشأن المعاناة والمظالم التي يجب على شعوبهم معاناتها مقابل الوصول إلى الامتياز والسلطة،

 (2) يمكّن للمنتدى الاقتصادي العالمي من الظهور بمظهر أكثر شمولاً وتنوعاً بينما يمارس معايير مزدوجة على أساس العرق.

 

إن تكميم أفواه الملونيين من قبل المنتدى الإقتصادي العالمي لإشارتهم إلى مثل هذه المعايير المزدوجة هو في حد ذاته اعتراف بالذنب وعمل عنصري. كما يوضح أن المنتدى الاقتصادي العالمي ليس لديه اهتمام بجميع أصحاب المصلحة في العالم. إذا كان هناك شيء إيجابي قد ينشأ من تجربتي، فهو تولد الشك لدى الملونيين في مجتمع المنتدى الاقتصادي العالمي حول عضويتهم وتفكيرهم بجدية في احتمال أن يغريهم المنتدى الاقتصادي العالمي من خلال تقديم وهم الوصول إلى السلطة حتى يضعوا مصلحتهم الذاتية فوق مصلحة مجتمعهم. من الواضح أنه في الوقت الذي لا يمكن فيه تغيير منظمات مثل المنتدى الاقتصادي العالمي من الداخل، يمكن تغييرها فقط من خلال الضغط نحو التحول الديمقراطي والتمثيل والشفافية والمساءلة. لذلك، احذر من شعارات الفضيلة المعلنة التي تسمعها قادمة إليك من مراكز القوة والامتياز للشيطان.