ماذا يعني سقوط باخموت؟

WSv8G.jpeg
حجم الخط

بقلم هاني عوكل

 

 

 

أيام ربما تفصلنا عن سيطرة القوات الروسية على مدينة باخموت الأوكرانية التي تقع شرقاً، وسط تواصل القتال واستماتة أوكرانية لمنع تقدم مجموعة فاغنر الروسية، التي تمكنت حتى الآن من السيطرة على حوالى 55% من المساحة الكلية لباخموت.
لماذا تسعى روسيا كل هذا الوقت للسيطرة على باخموت؟ وماذا يعني هذا في ميزان القوة؟ وهل يشكل سقوط المدينة بيد القوات الروسية نقطة تحول في مجرى الحرب وبداية سقوط المزيد من المدن الأوكرانية والحديث عن انتصار روسي وبداية نهاية الصراع؟
لقد حاولت موسكو تحقيق انتصار عسكري في باخموت منذ أكثر من ستة أشهر، ولم تفلح في ذلك في إطار الدعم العسكري السخي واللامحدود الغربي لأوكرانيا، لكن هذه المرة تصر القيادة السياسية الروسية على تغيير خارطة الحرب بإعادة تحقيق مكاسب عسكرية في الجبهة الشرقية لأوكرانيا.
منذ سيطرتها على بلدة سوليدار التي تبعد حوالى عشرة كيلومترات شمال مدينة باخموت، تحاول القوات الروسية مستفيدةً من فصل الشتاء البارد، التقدم في المدينة واستكمال المعركة للسيطرة على منطقتَي كراماتورسك وسلوفيانسك فوق باخموت.
أما لماذا تتقدم موسكو لابتلاع باخموت، فالموضوع متعلق بتحقيق انتصار رمزي يعيد الثقة للقوات الروسية التي فقدت عدداً من المناطق التي سبق أن سيطرت عليها شرق أوكرانيا. هذا عدا التأثير المعنوي السلبي على الجندي الأوكراني الذي يدعوه الرئيس زيلينسكي إلى القتال وعدم الاستسلام.
أي ابتلاع أراضي أوكرانية من قبل القوات الروسية هو قيمة مضافة بالنسبة للقيادة السياسية التي اعتمدت إستراتيجية جديدة في الحرب مع أوكرانيا، تستهدف سياسة الأرض المحروقة ومن ثم التقدم العسكري البطيء للحصول على المكاسب العسكرية.
تزامناً مع تقدم القوات العسكرية الروسية، فتحت مدفعية الأخيرة وطائراتها الحربية النار على منشآت حيوية وبنى تحتية في باخموت وكييف وبعض المناطق الأوكرانية شرقاً، بهدف إضعاف الروح القتالية الأوكرانية وتشتيت انتباه القيادة العسكرية.
وكذلك جرى إطلاق العديد من الطائرات المسيّرة لتنظيف باخموت من أي معدات عسكرية خفيفة أو ثقيلة، تمهيداً لتقدم القوات الروسية، ما أدى في النهاية إلى السيطرة على أكثر من نصف مساحة المنطقة، في الوقت الذي لم يستمع فيه زيلينسكي لنصائح أميركية بشأن الانسحاب من باخموت.
إذا تمكنت موسكو من الإحاطة الكاملة بمدينة باخموت فهذا لا يعني على الأرجح نقطة تحول في ميدان الحرب، طالما أن الولايات المتحدة وحلف «الناتو» يقدمان الدعم العسكري لكييف، وسبق أن تمكنت الأخيرة من انتزاع بعض مدنها التي حاصرتها القوات الروسية العام الماضي.
أما بشأن الخلاف بين الرئيس الأوكراني بخصوص المرابطة والقتال في باخموت والأوربيين والأميركيين حول موقفهم بشأن الانسحاب من المدينة المذكورة، وإعداد العدة لتوجيه هجوم أوكراني في منطقة الجنوب، فهذا متعلق برغبة زيلينسكي في تضخيم المعركة للحصول على المساعدات العسكرية الفورية من الغرب.
رسالة الرئيس الأوكراني من ميدان باخموت أنه يريد بشكل سريع تأمين مليون طلقة من قذائف المدفعية للدفاع عن المدينة، والأهم توفير معدات جوية تشمل طائرات حربية لوقف التقدم الروسي، وفي الحقيقة ثمة مداولات أوروبية واستعدادات دولية سواء تحت مظلة حلف «الناتو» أو خارجها لتأمين المعدات العسكرية لكييف.
وفي اجتماع لوزراء دفاع الاتحاد الأوروبي بمشاركة وزير الدفاع الأوكراني، جرى الاتفاق على ضخ مليار يورو لتزويد كييف بالذخيرة، لكن الوزير الأوكراني لم يكن مرتاحاً من الدعم الأوروبي، لأنه يرى أن بلاده تحتاج بشكل عاجل إلى معدات عسكرية وأسلحة وذخائر تتجاوز 4 مليارات يورو.
ثم المشكلة أن الخلاف في التوقيت، إذ في حين تحاول موسكو كسب الوقت للتقدم نحو الشرق الأوكراني، فإن كييف ليس أمامها سوى انتظار الأسلحة الأميركية والأوروبية المتطورة التي قد تحصل عليها بعد عدة أسابيع لوقف التقدم الروسي واحتمال تحويل مجرى الحرب من الدفاع إلى الهجوم.
باخموت ستقع تحت القبضة الروسية كما حذّر من قبل الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، الذي دعا إلى عدم التقليل من شأن الدب الروسي، لكن قد تبدو المعركة خلال هذا العام نسخة شبيهة للعام الماضي.
المعنى أن العام الجاري ربما لن يشهد تحولاً إستراتيجياً في مجرى الحرب، والسبب أن روسيا تضع كل إمكانياتها وأسلحتها وخبرتها العسكرية في هذه المعركة المفتوحة، والولايات المتحدة الأميركية وأوروبا تدفع بالمزيد من الضخ المالي والعسكري لتجنب سقوط أوكرانيا.