حين الحديث عن الاحتجاجات التي تعصف بدولة الاحتلال الاسرائيلي نتيجة نيّة الائتلاف الحكومي بسط سيطرته على الجهاز القضائي بشكل كامل لاسباب ايديولوجية وشخصية قمت بنقاشها في مقال سابق، يجب علينا العودة الى تاريخ مفصلي في الاحتجاجات الشعبية في دولة الاحتلال الاسرائيلي، والتي ارست أسس الاحتجاجات التي تشهدها اليوم، الا وهي احتجاجات صيف عام 2011، والتي طالبت بإصلاحات اجتماعية واقتصادية وسياسية. وقد أثرت هذه الاحتجاجات بشكل كبير على المشهد السياسي في دولة الاحتلال بحيث أدت إلى تحول الأجندة السياسية الشعبية من القضايا الأمنية والعسكرية إلى القضايا الاجتماعية والاقتصادية، حيث كانت الحكومة الإسرائيلية في ذلك الوقت تركز بشكل رئيسي على الأمن القومي والمفاوضات السياسية، ولكن الاحتجاجات أجبرت الحكومة آنذاك على التركيز على قضايا الاقتصاد الداخلي والأمور الاجتماعية. كما أدت تلك الاحتجاجات إلى زيادة الوعي السياسي والمشاركة المدنية بين اليهود بشكل غير مسبوق. وشهدت دولة الاحتلال نسبة عالية من المشاركة في هذه الاحتجاجات، وهذا أدى إلى وتحفيزمواطني دولة الاحتلال للمشاركة في العملية الديمقراطية المُقتصرة في شكلها الكامل على المواطنين اليهود في الدولة الصهيونية بموجب القوانين والاديولوجية العنصرية الحاكمة فيها .
ومؤخراً شهدت دولة الاحتلال احتجاجات واسعة النطاق ضد التغيرات القضائية المقترحة التي ستؤثر على الاستقلالية النسبية للسلطة القضائية وتضيق على الحريات الديمقراطية الحصرية لليهود الاسرائيليين. ومن المتوقع أن تؤثر هذه الاحتجاجات بشكل كبير على المشهد السياسي في إسرائيل في المستقبل لأنها ستؤدي إلى تغيير النظرة العامة لشعب دولة الاحتلال حول النظام القضائي وسيشعر المزيد من المواطنين اليهود بالقلق إزاء تأثير هذه التغييرات على ديمقراطيتهم وحرياتهم الفردية، وقد يؤدي هذا القلق إلى تغييرات في النظرة العامة تجاه السياسة والسلطة.
كما سينتج عن هذه الاحتجاجات تعزيز للدور السياسي للقضاة والمحامين والشخصيات العامة الأخرى في المجتمع المدني. وسيشعر المزيد من الناس بالحاجة إلى التعبير عن آرائهم والمشاركة في الحركة الدسياسية وعملية صنع القرار التي باتت بشكل كبير تحت تأثير أصحاب الايديولوجيات المتشددة والفاشية في معظم الاحيان، ومن المتوقع أن يعزز هكذا مراج عام من دور القضاة والمحامين والشخصيات العامة الأخرى في الدفاع عن الحريات الفردية والديمقراطية الحصرية لليهود الاسرائيليين.
ومن المهم الإشارة إلى أن العديد من المؤسسات والشخصيات الدولية قد أعربوا عن قلقهم إزاء التغييرات القضائية المقترحة في دولة الاحتلال، وأكدوا على أهمية الحفاظ على استقلالية السلطة القضائية وضمان حماية الحريات الفردية والديمقراطية المعهودة بالرغم من عيوبها. ومن المرجح أن يؤثر هذا الضغط الدولي على المشهد السياسي في إسرائيل ويعزز دور المجتمع المدني في الدفاع عن الحقوق التي يتمتع بها المواطن اليهودي في دولة الاحتلال.
كما ستؤثر الاحتجاجات، بلا شك، على مستقبل الانتخابات الإسرائيلية. فمعظم الأحزاب السياسية تعتمد على الدعم الشعبي للفوز بالانتخابات، وإذا حظيت حركة الاحتجاج ضد التغييرات القضائية بدعم واسع النطاق من الجماهير، فقد يؤثر ذلك على نتائج الانتخابات المقبلة وعلى تركيبة الحكومة الإسرائيلية الجديدة، وقد رأينا بعض الاستطلاعات في الأيام الاخيرة والتي تُرجح انهزام الائتلاف اليميني المتشدد القائم الان أمام ائتلاف المعارضة الأقل تشدداَ لكن ليس أقل خطراَ على المنطقة.
ومع ذلك، يجب الإشارة إلى أنه لا يمكن التنبؤ بالتأثيرات الدقيقة للحركات الاحتجاجية، فالعديد من العوامل المختلفة تؤثر على نجاح أي حركة احتجاجية، بما في ذلك العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ومن الممكن أن تظهر تأثيرات غير متوقعة للحركة الاحتجاجية على المشهد السياسي سواء كانت إيجابية أو سلبية. وبالتالي، يجب مراقبة التطورات في هذه الحركة الاحتجاجية بعناية وتحليلها بشكل دقيق ومستمر، ومناقشة النتائج المحتملة.