بفلم د ناصر إسماعيل اليافاوي
قيل في أمثالنا الشعبية ما ذهب الفقر الى مكان الا وصاحبه "الكفر".، بل يقال ان الكفر هو من طالب الفقر بان يكون رفيق دربه في زياراته للقرى والمخيمات .
وكثيرا ما دفع الفقر اناسًا للكفر ، ليس بالضرورة ان يكون كفرا دينيا والعياذ بالله. ولكنه كفر بكل المستويات الوطنية والاخلاقية ، وكفر بكافة القادة الصنميين واوهامهم واكاذيبهم ، وغيرها من ادبيات الحياة الانسانية.
ومن رؤيتنا ومتابعتنا للواقع المعاش في بلادنا ،ادركنا يقيناً ان الفقر والكفر لا يمكن مواجهتهما بالأدعية والوعودات الفضفاضة فقط ، بل يواجهان بأعمال اصحاب النوايا الحسنة ، المتخندقين دوما وراء مصالح الفقراء والمحتاجين من ابناء شعبهم ، وخاصة أنهم اصبحوا في تسارع بعد الحروب والنكبات التي ألمت بهم في سنين العجاف التي شهدها قطاع غزة مؤخرا ..
هذا هو اختصار ما تقوم به بعض المؤسسات الوطنية والاعلامية في غزة ، وبشكل موضوعي اخص بالذكر ذلك الدور النبيل التي تقوم به إذاعة صوت الشعب من غزة ، وطاقمها الوطني الفدائي الذى يمارس دوره دون كلل ، وينحاز الى المحتاجين والفقراء ، ويبرز معاناتهم ومشاكلهم ويصرخون بصوت عالي ويطرقون جدار الخزان ، للوصول الى اهدافهم الوطنية ، ولا يهمهم الا مرضاه الله ثم ابناء الوطن ..
بالأمس القريب كانت الاذاعة تنادى بحملة البر والاحسان ، هذه الحملة التي تحمل الخير الى كل المناطق في قطاع غزة ، عبر فكرة نبيلة تقوم على أساس ملامسة شعور الفقراء ، وتتضامن معهم في ظل اجواء الفقر المدقع المتزايد وزحف البرد القارس الى القطاع. ..وكانت الاستجابة فقط من الفقراء استجابة لنداء صوت الشعب صوت كل الفقراء ...
شواهد واقعية من استجابة الفقراء لنداء صوت الشعب..:
في جلسه عصف ذهني ، ومن خلال نقاش حول واقع غزة التراجيدي ، ساقنا الحديث مع الصديق حسن جبر مدير اذاعة صوت الشعب ، وذكر لنا العديد من الشواهد ، مفادها ان الفقراء في غزة هم فقط من يتبرع للفقراء ، وعجبنا من تلك المعادلة الغزية ،ودلل لنا الشواهد المثالية التالية :
- طفل فقير يعمل بائع متجول لحلويات وسكاكر للأطفال في ساحة الجندي المجهول ، كان ثمار بيعه فقط 10 شواكل ، وتبرع بها كلها في مقر الاذاعة ..
- طفل آخر جاء من احدى المخيمات وباع جزء من المواد التموينية في بيتهم وتبرع بمبلغ 20 شيكل ..
- عجوز في أواخر عمرها جاهدت على نفسها وصعدت الي مقر الاذاعة في الطابق العلوي ، وكانت بصعوبة تتكأ على عصاها القديمة ، وتبرعت ب 50 شيكل لعائلة مريض من غزة ، و عجوز أخرى تبرعت ب 9 علب حليب لعائلة محتاجة ، و تلتها اخرى تبرعت بملابس العيد ..
- عامل بناء في مجال (القصارة ) تبرع بأجره عمله كاملة لمساعده اسره فقيرة، بمجرد سماعها لمناشدة الاذاعة ..
- مدير مدرسة يحرج طالب فقير ويضغط عليه بدفع الرسوم المدرسية ، واحيانا يهدده بالطرد والفصل فما كان من الطلاب الفقراء في المخيم الا جمعوا مصروفهم اليومي ، ودفعوا الرسوم عن الطالب الفقير دون ان يدري ..
تأسيسا لتلك الشواهد الحية ، نرى ومن خلال خبرات سابقة وحالية ، ان الفقراء هم من يشعرون بأحوال بعضهم ، ورغم حاجاتهم الا ان قيمهم وكرمهم غلبت اصحاب رءوس الاموال الجبانة ، الذين يكدسون اموالهم ولا يخرجونها الا للتباهي والتفاخر ، وللسادة المنتصبين على كاهل وعاتق الفقراء نقول (ان الفقر والحاجة هما بيئة خصيبة لنمو الكفر ، حتى ذلك الكفر الذي يلبس لبوس الدين ، فالجوع ابو الكفار والفقر والجوع والكفر حلفاء فهل يدرك الدعاة ؟؟
ثمة من يدعمون الايمان ، ويحارب الكفر عبر محاربة الفقر لكنهم بحاجة الى دعمنا ، دون النظر الى مبلغ الدعم فالقليل الكثير يصبح كبيرا ودرجة البر والاحسان رحلة جديرة بالاحترام والتقدير ، فهي ليست صدقات مؤقتة بل وسائل تعمل على ديمومة التكافل ، وتساهم في علاج الكثير من الآفات الاجتماعية ، وتعيد النسق القيمي الى اصوله وتحارب تبدل القيم الذى زرعه فينا الانقسام ، ولفرسان صوت الشعب نقول انكم تستحقوا منا كل الاحترام ونطالبكم بالاستمرار في نهجكم ..
ولا يكفي الشكر والمراقبة من بعيد فقط ، ولكن المطلوب وتحديدا من كافة المؤسسات الاجتماعية والحزبية ، واصحاب الشركات والمصانع ان تلتفت الى حالات النجاح تلك ، ويعرضوها من اجل نشر ثقافة التفاؤل والامل وسط هذا الاحباط الرهيب.فى مجتمعنا المنكوب ..
أمين عام مبادرة المثقفين العرب لنصرة فلسطين