إنّ الخطاب السياسي الحالم هو خطابٌ يوهم المجتمع بأمورٍ غير واقعية ويعدّ ممارسةً سياسيةً مُدمّرةً، إذ يؤدي إلى ايهام الناس بوعودٍ كاذبةٍ، لشغلهم عن القضايا الواقعية الهامة، وإعفاء السياسيين من مسؤولياتهم وعُذرهم لعدم القيام بأعمالٍ حقيقيةٍ توفي بمسؤوليات مناصبهم. كما يُعدّ امتهان بيع الأحلام مِن جانب السياسيين ممارسةً سلبيةً، حيث يتم الاستغلال الواعي لرغبات وآمال وأحلام الناس لتحقيق مكاسب سياسيةٍ وشخصيةٍ، ويؤثر سلبًا على المجتمع بأكمله.
يتم تحقيق النجاحات والإنجازات الحقيقية في العالم السياسي بعدة وسائل منها الحوار والتفاهم والتعاون، ولكن التمادي في الخطاب الحالم وامتهان بيع الأحلام يؤدي إلى تعزيز الانقسامات وتأجيج الصراعات وإفساد صورة العمل الوطني بشكلٍ عام.
ويمكن رؤية تأثيرات الخطاب الحالم وامتهان بيع الأحلام في العديد من الأمثلة، ففي السياسة الأمريكية، يمكن رؤية كيف استخدم العديد من السياسيين الخطاب الحالم وأمتهنوا بيع الأحلام لكسب التأييد الشعبي والفوز بالانتخابات، دون القيام بأي عملٍ حقيقيٍ لتحقيق الوعود التي قطعوها على المنصات الانتخابية. ومن اوضح هذه الامثلة وعود الرئيس الاسبق دونالد ترامب ببناء جدار حدودي مع المكسيك واجبار جارته الجنوبية على دفع تكاليفه، فبالرغم من التغطية الاعلامية التي حظي بها هذا الموضوع والشعبية التي كسبها ترامب وكانت احد الاسباب الرئيسية لنجاحه في انتخابات 2016، الا ان الجدار لم يُبنى والمكسيك لم تدفع اي شيء.
كذلك، في العديد من دول المنطقة، تمارس بعض المجموعات السياسية الخطاب الحالم وامتهان بيع الأحلام من أجل الحفاظ على السلطة وتحقيق مكاسب سياسية، دون تحمل المسؤولية عن تلبية احتياجات ومطالب الشعب. وتتجلى هذه الممارسة في الخطابات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، ويبرز في هذا الدور تاريخياً الرئيس السوري السابق، حافظ الاسد، الذي حافظ على خط خطابي مُتشدد تجاه القضية الفلسطينية بينما كان يقصف مخيماتنا في لبنان، ويحارب قيادتنا الشرعية المتمثلة في منظمة التحرير الفلسطينية، وفي نفس الوقت كانت حدوده مع دولة الاحتلال تشهد هدوءاً وامناً مثاليين واوضاع شعبه تزداد فقراً وسوءاً.
وبيع الاوهام السياسية غير مقتصر على السياسيين، بل اصبح نهج مَن لا دور او قيمة وطنية له، ولكل من يبحث عن مكان في فضاء الحوار الوطني بدون دفع ثمن وطنيته الزائفة، وكثيراً ما يخترع هؤلاء اكاذيب وإيماءات عن ادوار وطنية ناتجة عن خيالهم، والاخطر من ذلك، ان هؤلاء الافراد، وفي كثير من الاحيان يكونوا مُجرد اداة في ايدي جهات مختلفة بما في ذلك، وليس حصرياً على، اجهزة استخبارات دولة الاحتلال.
و يؤدي التمادي في الخطاب الحالم وامتهان بيع الأحلام إلى تفاقم المشاكل والصعوبات التي يعاني منها المجتمع، فالأمور لا تتحقق بسهولة ولا بدون جهد وعمل حقيقي وتنوّع فكري يصعب تنميته في اجواء "سوق مزايدات" بيع الاوهام والاحلام، وينتج عن هذا الخطاب ايضاً تفكك المجتمع وانحرافه عن الهدف الحقيقي الذي يسعى إليه.
إن استخدام الخطاب الحالم وامتهان بيع الأحلام ليس السبيل الصحيح لتحقيق الأهداف الوطنية بل هو اقصر السبل لتحقيق عكس ذلك.