الأبناء هم قرة عين والديهم وفلذة كبدهما، وهم زينة الحياة الدنيا، لقوله تعالى: "الْمَالُ وَالبنون زِينَةُ الحياة الدنيا"، لكِن شقاوة الأطفال ومتاعب الأبناء المراهقين لا عد لها ولا حصر، والتي غالباً ما تثير استفزاز وغضب والديهم، وخصوصاً الأم لتأتي منهما مختلف ردود الأفعال والأقوال.
ولعل أكثر ما يصدر عن الأم في ساعات الغضب الدعاء على أبنائها بأدعية تقشعر لها الأبدان مثل "يقصف عمرك" و"روح الله ياخذك" و"اطلع طلعت روحك"، و"الله لا يوفقك دنيا ولا آخرة" و"يعدمني اياك" و"إلهي تنصاب بمرض ما اله دوا" وكثير من الأدعية التي لا يستحقونها، لأنّهم لم يقترفوا ذنباً كبيراً يستحقون عليه تلك الدعوات مهما كان حجم الخطأ.
مراسلة وكالة "خبر" استطلعت آراء المواطنين حول الاستسهال بالدعاء على الأبناء وتأثيره على حياة العائلة، بالإضافة إلى رأى الدين في ذلك لاسيما أنَّ دعوة الوالدين مستجابة كما وضحت الأدلة على ذلك.
"أدعي على إبني وأكره الي يقول آمين"
السيدة ابتسام الأخرس، عقَّبت على القضية بالقول: "نحن أمهات ونُحب أولادنا كثيراً والدعاء عليهم هنا يكون ظاهرياً باللسان، لأنّه لا توجد أم تتمنى حدوث مكروه لأحد أبنائها حتى لو كان غير بارٍ بها فلسان حالها يقول "أدعي على إبني وأكره الي يقول آمين"، وما يدفعها لذلك هو الغضب من فعل قام به أو حركات جنونية في المنزل، أو مشكلة قام بها في الخارج، لكِن في نهاية الأمر لا يوجد ما يبرر دعاء الآباء على أبنائهم لهذا يجب أنّ نقف جيداً عند أيّ كلمة نقولها أثناء الغضب".
وعما إذا كانت تدعي على أبنائها كونها أُم وعاملة خارج المنزل وداخله، وتكون طاقتاه لا تستوعب في بعض الأحيان مزيداً من المشاغبة في البيت، قالت لمراسلة "خبر": "أحياناً أقوم بالدعاء على نفسي من شدة غيظي منهم ومن أفعالهم، وليس عليهم هُم، وأتذكر في مرة من المرات دعوت فيها على ابني الكبير وقلت له (الله يهدك) حتى أصيب بهزال شديد في جسمه استمر لأشهر عديدة، ودخلت بعدها في مرحلة تأنيب الضمير على تلك الدعوة، مع أنني لم أكن قاصدة الدعاء عليه، ومن بعدها لم أتفوه بأيّ دعاء سوى على نفسي، وأتمنى أن يهديني الله ولا أدعي على نفسي كلما أغضبني أولادي".
الأطفال يتعلمون كل ما يصدر عن والديهم من قول وفعل
ناريمان عبد النبي، قالت أيضاً: "للأسف المجتمع الفلسطيني مليء بالآباء والأمهات الذين يقومون بالدعاء على أبنائهم، بل وينعتوهم بأبشع الصفات والكلمات فتجد الابن يتعلم من والديه كل ما يصدر عنه من فعل وقول، وأنا كمربية فصل ومُدرسة أعمل في تدريس طالبات المرحلة الإعدادية، أسمع كثيراً من الفتيات يتلفظن بألفاظٍ سيئة لا يمكن أنّ تصدر من فتاة، وكثيراً من المرات نقوم بمعاقبتهم وباستدعاء ولي الأمر ونكتشف من خلال الحديث معه أنّ ابنته اكتسبت تلك الألفاظ والأدعية على زميلاتها منه، وللأسف كثير من الآباء يستسهلون الدعاء على أبنائهم، ويتحججون بعد ذلك بأنَّ أولادهم أشقياء وكأن الحل هو الدعاء، ولم يُكلفوا أنفسهم باتباع طرق سليمة في التربية بمعزل عن الدعاء والشتم".
وأكّدت عبد النبي، في حديثها لمراسلة "خبر"، على أنَّ المدرسة وحدها لا تستطيع بناء جيل واعي وجيد في المجتمع إذا كانت بيئته الأولى وهي الأسرة غير سليمة، لذلك على الأهل وخصوصاً الأمهات أنّ يتقين ربهن بأبنائهن لأنّهن تعبن فيهم ولا يعقل أنّ يستسهلن الدعاء عليهن، وكأن الموضوع سيُحل بعدها، فالأولى تربيتهم تربية صحيحة والصبر والتحمل على أفعال الأولاد، لأنَّ لكل مرحلة من مراحل العمر لديهم خصوصيتها وواقعها".
ودعت الأمها إلى الكف عن الدعاء وضرب أبنائهم بسبب أو بدون سبب، وأنّ يتركوهم ليلعبوا، وعليهم سوى توجيههم لطريقة اللعب أو التصرف السليم.
الآباء يشتكون
سامي. ظ، يقول: "للأسف أنا أعاني من هذا الموضوع منذ زمن مع زوجتي التي تصرخ طوال الوقت على الأولاد، أحيانا أعطيها العذر للعصبية التي تنتابها، لدينا سبعة أطفال جميعهم في أعمار متقاربة، وأكبرهم يبلغ من العمر خمسة عشر عاماً، وهم في وجهها طوال اليوم، لأنّني أقضي غالبية قوتي في العمل ولا أرى ولا أسمع شيئاً، لكِن أرى المعاناة التي تُعانيها فقط يوم الجمعة فهو يوم إجازتي، وألاحظ ما تُعانيه من مشاغبة أطفالي، وأستمع منها لدعوات كثيرة عليهم ، مثل "الله يهدكم- يعدمني اياكم- يكسر رجليكم" فأصرخ عليها وأقول لها لا تدعي عليهم أولاً لأنّهم أولادنا أعز ما نملك حتى لو لم تكن الدعوات من قلبها فربما تُصيب، ولأنّني أعرف زوجتي جيداً، فهي تخاف كثيراً حين يمرض واحداً منهم وتبقى طوال الليل ساهرة علي راحتهم".
وأضاف في حديثه لمراسلة "خبر": "أخشى من دعوات زوجته على أطفالي، فربما تُصيب إحدى دعواتها"، راجياً لها الهداية والامتناع عن الدعاء على أولادها قبل فوات الأوان.
ولا يقتصر الدعاء على الأولاد على الأمهات فقط، فهناك آباء يدعون على أبنائهم ويضربونهم ويعنفونهم بحجة تربيتهم، متناسين أنَّ ما بُني على باطل فهو باطل، والتربية السليمة لا تقوم على الدعوات بالشر على الأبناء أو ضربهم وتعنيفهم، فالتربية السليمة أسس صحيحة عليهم اتباعها جيداً.
الإسلام ينهى عن الدعاء على الأبناء
وقد نهى الإسلام عن الدعاء على الأبناء، وأوضح مفتي المسجد العمري بمدينة غزّة، الشيخ نمر أبو عون، أنَّ البيوت الغزّية مليئة بالآباء الذين لا يتوانون لحظة عن الدعاء على أولادهم، غير مدركين لخطورة تلك الدعوات على بيوتهم وأبنائهم.
وقال أبو عون، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الدعاء على الأولاد والأموال والأنفس" إنسان وحتى حيوان"، خشية أنّ يوافق ساعة إجابة، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا تَدْعُوا عَلَى أنفسكم وَلا تَدْعُوا عَلَى أولادكم وَلا تدعوا عَلَى أموالكم، لا تُوافقوا مِنْ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فيستجيب لَكُمْ)، وأيضا قال: (ثَلاثُ دعواتٍ يُستجاب لَهُنَّ لا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ المظلومِ، ودعوةُ الْمُسَافِرِ، ودعوةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ)".
وشدّد على أنَّ الخطأ الذي يقع فيه كثيرٌ من الآباء والأمهات، هو أنهم يدعون على أولادهم إذا حدث منهم ما يغضبهم، والذي ينبغي منهم هو الدعاء لهم بالهداية وأنّ يصلحهم الله ويلهمهم رشدهم.
وعما إذا كانت دعوات الآباء مستجابة أم لا، وخصوصاً أنّها تصدر في لحظة غضب وليست من القلب، قال: "من رحمة الله تعالى أنّه لا يستجيب دعاء الوالدين على أولادهما إذا كان في وقت الغضب والضجر، وذلك لقوله تعالى (ولو يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)".
وأكمل: "هذا لا يعني أنّ يستمر الآباء طوال الوقت بالدعاء على أبنائهم بحجة الغضب، وبأنّ الله لن يستجيب لدعائهم، فكثير من الحالات تمت الاستجابة الآنية فيها كأن يمرض الابن أو يتعرض لحادث طرق، وهناك أمثلة كثيرة على ذلك، أتذكر أن إحدى الأمهات دعت على ابنها المشاغب، وقالت له "إنّ شاء الله يصيبك مرض ما إلو دوا"، وفعلاً أُصيب ابنها بداء عجز الأطباء عن إيجاد دواء له في غزّة وخارجها، لذلك على الأمهات أنّ يراعين الله في أولادهن وحتى الآباء أيضاً".
ودعا الآباء إلى ضبط النفس والمداومة على قراءة القرآن، خصوصاً أننا مقبلين على شهر رمضان المبارك، حيث تكون فيه النفس غير متقبلة شقاوة الأطفال وأفعالهم، وكذلك على الأمهات ألا يتلفظن بأيّ دعاء فيه ضرر على أولادهن في هذه الأيام المباركة.