هارتس : العملية في مجدو تؤكد أن الأزمة في إسرائيل تشجع تنظيمات العدو على الربط بين ساحات النضال

عاموس-هرئيل.jpg
حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل

التعتيم الطويل الذي فرض في هذا الأسبوع على تفاصيل العملية قرب مجدو، وعلى مجرد حقيقة أن المخرب الذي نفذها دخل إلى أراضي إسرائيل من الحدود اللبنانية، خلقت كالعادة الكثير من الشائعات المبالغ فيها. أحداث هذا الأسبوع ما زالت لا تبشر بحرب جديدة مع حزب الله أو بالقدوم المتأخر للانتفاضة الثالثة في المناطق. صحيح أنها تعكس تطورات مقلقة، تشير إلى رغبة العدو بالربط بين ساحات النضال المختلفة.

 الأحداث تعكس أيضا امرا أوسع. فقد أُضيف إلى التوتر الأمني الشديد الذي خيم في السنة الماضية الإدراك في أوساط التنظيمات الإرهابية بأنه وجدت الآن فرصة واعدة لهز إسرائيل، الغارقة في أزمة سياسية ودستورية والتي تقسمها إلى قسمين.

العبوة التي فجرها المخرب قرب مفترق مجدو في صباح يوم الاثنين كانت استثنائية من حيث قوتها وحجمها. في السابق واجه الجيش الإسرائيلي عبوات كهذه في جنوب لبنان في التسعينيات. هذه عبوات “كاليمغور” المخيفة – التي هي بالانكليزية كلايمر – التي يتذكرها جيدا المقاتلون المخضرمون هناك. في الانفجار أصيب سائق عربي إسرائيلي بإصابة بالغة من سكان قرية سالم. ما تم العثور عليه في المنطقة إلى جانب الخوف من اختراق تم تشخيصه في مساء اليوم السابق على الحدود مع لبنان، على بعد مسافة 60 كم من هناك، جعل الجيش الإسرائيلي يربط بشكل متأخر النقاط.

المُخطط للعملية كان مستعدا للمخاطرة برد إسرائيلي شديد إلى درجة الوصول إلى عتبة حرب في الشمال

هنا بدأت الملاحقة للمخرب التي كانت نهايتها في مساء يوم الاثنين على الشارع الذي يؤدي إلى قرية يعرا وقرية أدميت على الحدود. المخرب احتجز في سيارة إلى جانب سائق الذي حسب أقوال الجيش كان أحمقا، أي لم يعرف هوية وخطط المسافر. حسب ادعاء رجال “اليمام” والشباك الذين أوقفوا السيارة فقد أطلقوا النار على المخرب وقتلوه عندما قام بحركة مشبوهة. في السيارة تم العثور على حزام ناسف وسلاح وقنبلة يدوية (في الفيلم الذي نشر عن الحادثة في الشبكات الاجتماعية ظهر شخص آخر وهو يركع على ركبتيه ويديه إلى الأعلى خارج السيارة. هذا هو السائق الذي لم يصب، وبعد ذلك تم إطلاق سراحه بعد التحقيق معه).

حول الحادث ما زال هناك علامات استفهام كثيرة. هل في الحقيقة تسلل المخرب من لبنان إلى إسرائيل لوحده؟ من الذي ساعده في الجانب الإسرائيلي للوصول من الحدود إلى مجدو؟ هل عملت هنا شبكة عملياتية كانت شريكة في خطط العملية؟ هل العبوات تم تهريبها في السابق بشكل منفرد؟ لماذا اهتم بالوصول إلى مجدو التي تقع على حدود الضفة الغربية وتفجير العبوة على شارع مهمل بدلا من الدخول إلى إحدى المدن في الطريق؟ هل خطط للعودة إلى لبنان؟ وإذا كان الأمر هكذا فماذا خطط ليفعل بالحزام الناسف؟ حقيقة أن السلطات أجلت نشر تفاصيل الحادث ليومين فقط زادت موجة الشائعات الهستيرية إلى جانب المخاوف والشكوك الكثيرة في أوساط الجمهور. هذه فترة مؤامرات في الأصل، من السهل على الناس الاقتناع بأن الدولة تخفي عنهم بشكل متعمد المعلومات أو تكذب عليهم حتى بخصوص حدث أمني هام.

لقد سبقت العملية تحذيرات استخبارية، من غير الواضح إلى أي درجة كانت دقيقة. ولكن نجاح عملية التسلل على الحدود يجب أن تثير الشكوك حتى بخصوص التبجح الثابت الذي يسمع من الجيش الإسرائيلي وكأن عمق الاختراق الاستخباري إلى داخل حزب الله يمكن إسرائيل من معرفة كل ما يحدث في التنظيم. أيضا من عملية الاختطاف التي أدت إلى حرب لبنان الثانية في 2006 إسرائيل تفاجأت. هل يمكن أن نستيقظ ذات صباح على هجوم مفاجئ وكثيف لقوة الرضوان، وحدة النخبة في حزب الله، على طول الحدود؟

السؤال الأساسي الذي ما زالت إسرائيل تتركه مفتوحا هو هوية المسؤولين عن العملية الطموحة. المشبوه الفوري هو حزب الله الذي قليل من الأمور تحدث على الحدود بدون موافقته. هل يمكن، مثلما في السابق، أنه كان هنا إخراج مشترك مع أحد التنظيمات الفلسطينية الناشطة في جنوب لبنان، من حماس وحتى فصائل أصغر. من المرجح أن الأمر يتعلق بعملية خاصة تم التخطيط لها لوقت طويل. ومن أجل تنفيذها تحت أنف الجيش الإسرائيلي فان الأمر يحتاج إلى مستوى عال من التدريب والمهنية. النتيجة بالمناسبة تبدو مخيبة لآمال المخططين: ضرب هدف مختلف، حافلة على سبيل المثال، كان يمكن أن يؤدي إلى عدد كبير من القتلى.

من هنا ينبع أن من قرر تنفيذ العملية كان مستعدا للمخاطرة برد إسرائيلي شديد إلى درجة الوصول إلى عتبة حرب في الشمال. هذا الاستنتاج يناقض تقديرات الاستخبارات القديمة التي تقول بأنه رغم الخطاب العلني التهديدي له فان رئيس حزب الله، حسن نصر الله، ما زال يحمل معه ندب الحرب الأخيرة. حسب هذه المقاربة ورغم أن الحرب في 2006 انتهت بتعادل مخيب للآمال بالنسبة للطرفين، إلا أنه غير متحمس لفحص التحسن منذ ذلك الحين في قدرات الجيش الإسرائيلي.

من خطاباته في الشهر الماضي من الواضح أن حسن نصر الله يشعر بالراحة التي لا بأس بها من الخلافات الداخلية في إسرائيل. وحتى أنه تنبأ بأننا لن نحظى هنا بالاحتفال بعيد الاستقلال الثمانين، أي بعد خمس سنوات. في خطابه في 16 شباط حذر نصر الله من أنه إذا اتخذت الولايات المتحدة تجاه لبنان سياسة اقتصادية تضر بمؤيدي منظمته وتدفع لبنان نحو الفوضى فهي ستدفع ثمن ذلك بفوضى في كل الشرق الأوسط. في نظر الدكتور دانييل سوبلمان، الباحث في علاقات إسرائيل وحزب الله في الجامعة العبرية، فان الهدف الرئيسي لتهديدات نصر الله هو إسرائيل وليس الولايات المتحدة. نصر الله ينثر التهديدات لأنه يلاحظ حرج إسرائيل. أيضا مصادر رفيعة في حماس، مثل صالح العاروري (الذي يقضي جزء من وقته في لبنان) ومروان عيسى، نشرت مؤخرا تحذيرات لإسرائيل قبل بداية شهر رمضان بأسبوع.

 الخوف الأساسي الذي يسمع في نقاشات جهاز الأمن يتعلق بإمكانية أن هذه الغيوم يمكن أن تتجمع معا في ساحات مختلفة. معضلة إسرائيل مع كشف العلاقة بين العملية ونشطاء من لبنان ستكون أين الرد وبأي درجة. حتى الآن اتبعت الحكومات، معظمها برئاسة نتنياهو، خطا حذرا في الرد على مثل هذه العمليات. حزب الله استغل امتناع إسرائيل عن القيام بنشاطات هجومية ضده في الأراضي اللبنانية من أجل ترسيخ منظومة إنتاج سلاحه. في السنتين الأخيرتين توسعت أيضا منظومة الدفاع الجوي للحزب في لبنان بفضل تهريب منظومات سلاح متقدمة من إيران. في هذه الظروف تقلصت حرية عمل سلاح الجو في لبنان. التعتيم المستمر على تفاصيل الاحداث عكس أيضا محاولة استيعاب. عندما لا يكون من الواضح ما الذي حدث فلا يتم استخدام أي ضغط فوري على الطرفين. ولكن هذا الصمت كان له ثمن في علاقات الجيش الإسرائيلي مع سكان البلدات القريبة من الحدود. هؤلاء بقوا في وضع ضبابي مدة ثلاثة أيام بصورة لم تساهم في تطوير ثقة تجاه الجيش التي سنكون بحاجة اليها في يوم المعركة. من الجدير الإشارة إلى أن الكثير من سكان المواجهة الذين وصلوا إلى هناك بعد حرب لبنان الثانية، لم يشهدوا احتكاكا دائما على الحدود وهم غير متعودين على حالات الطوارئ.

       ثمار المصالحة

 

ليس فقط حسن نصر الله هو الذي يجب أن يقلق، بل أيضا الخط الهجومي الذي تتبناه حماس بشكل علني. في الجيش يكثرون من الارتكاز على الهدوء النسبي الذي تركته وراءها في قطاع غزة عملية “حارس الأسوار” في أيار 2021. أيضا في أيام التصعيد لعملية “بزوغ الفجر” في آب الماضي اقتصر القتال على الجهاد الإسلامي، وحماس امتنعت عن التدخل. جزء من هذا الهدوء تم التوصل اليه بفضل التسهيلات الاقتصادية. حكومة نتنياهو لم تنحرف عن القرار الذي اتخذته الحكومة السابقة، السماح بدخول 17 ألف عامل من قطاع غزة للعمل في إسرائيل.

هذا لم يزعج مروان عيسى، نائب قائد الذراع العسكري في حماس، الذي وعد أمس في مقابلة مع قناة “الأقصى” بـ “الكثير من الاحداث في الأيام القريبة القادمة”. والإعلان بأن “المشروع السياسي في الضفة الغربية انتهى”. الإدارة الأمريكية التي تخشى من اندلاع قوي في الساحة الفلسطينية في شهر رمضان قامت باستدعاء قمة طارئة أخرى لدول المنطقة في شرم الشيخ في يوم الاحد القادم. هذه هي القمة الثانية من حيث نوعها خلال شهر. في الأسبوع الماضي قلل الجيش الإسرائيلي نشاطاته في مناطق أ بناء على طلب من أمريكا والسلطة الفلسطينية. ولكن ظهر أمس قتل أربعة فلسطينيين في عملية للجيش في جنين كانت موجهة ضد نشطاء في الجهاد الإسلامي. كالعادة يوجد تحذير من إطلاق صواريخ من قطاع غزة ردا على ذلك.

في القدس انشغلوا في هذا الأسبوع أيضا بتطور آخر، الذي هو غير مشجع بالنسبة لنتنياهو، اتفاق المصالحة بين السعودية وإيران. في تحليل مهم في صحيفة “وول ستريت جورنال” كتب أن ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، يتوسط الآن بين الصين، التي كانت الوسيطة في الاتفاق، وبين روسيا وامريكا في محاولة أن لا يظهر متماهيا أكثر من اللازم مع أي دولة عظمى.

الصحيفة تصف خطوات بن سلمان الأخيرة، بأنها خطوات براغماتية ذكية جدا. الصفقة ستهدئ التوتر مع إيران وستؤدي إلى تعزيز العلاقات مع الصين، الشريكة التجارية الرائدة للسعودية دون أن تتخذ واشنطن أي خطوات عقابية ضد الرياض.

إضافة إلى ذلك يوجد الفتور في العلاقات بين إسرائيل والإمارات. يبدو أن جزء من الصفقات الأمنية بين الطرفين تتقدم ببطء. الإمارات أيضا أجلت في هذا الأسبوع في اللحظة الأخيرة اجتماعا كان سيعقد في أبوظبي بمشاركة مراسلين إسرائيليين، ومشاركين من كل الدول التي وقعت على اتفاقات إبراهيم. في الولايات المتحدة التي كانت مشاركة في تنظيم اللقاء شرحوا بأنهم في الإمارات فضلوا تأجيله على خلفية المواجهة السياسية الشديدة في إسرائيل.

 

خطة التهرب من الخدمة

 

في آخر خطة الرئيس التي حظيت بالإجمال بالمباركة المعتدلة من قبل اليسار تختفي قطعة حلوى للحريديين. أيضا في ظل غياب فقرة الاستقواء فان اسحق هرتسوغ يقترح الدفاع عن العملية الأكثر أهمية بالنسبة لقائمة يهدوت هتوراة، وهي إجازة قانون جديد للتجنيد، يضمن تهربا مصرحا به لكل الشباب المتدينين من التجنيد للجيش.

بعد مرور عشرات السنين على الخلافات والتظاهر وكأن الجيش قد نجح في طرح نموذج للتجنيد الجزئي للحريديين، سيحصل الحاخامات على طلبهم. شاب علماني أو شاب متدين سيتجند للخدمة الإلزامية، الشاب الحريدي سيحصل على إعفاء كامل من الخدمة، في الوقت الذي تضمن فيه له الدولة مكانة من خدم في الجيش من أجل الحصول على تسهيلات اقتصادية (يبدو أيضا أنها ستكف عن سجنه لعدة سنوات في المدرسة الدينية وهو الأمر الذي لن يكون مرضيا لبعض الحاخامات). سيكون هناك من يقولون بأن هذا هو الحل المطلوب لأسباب غير أيديولوجية. في وزارة المالية، حتى قبل تعيين سموتريتش، كان تأييد للنموذج الذي يخرج الحريديين إلى الدراسة والعمل مع التنازل عن المطالبة بالخدمة في الجيش. ولكن في الوقت نفسه تحدث أيضا عملية معاكسة على خلفية الاحتجاج ضد الانقلاب النظامي، الذي يعتبر وبحق إعفاء الحريديين من الخدمة كمبرر سيخرج أيضا العلمانيين غير المبالين إلى الشوارع. هذه الأقوال تجسدت أمس عندما اقام رجال الاحتجاج من الاحتياط “مكتبا رمزيا للتجنيد” في بني براك وتصادموا لليوم الثاني على التوالي مع سكان المدينة الحريديين. الدكتورة عيديت شفران غتلمان، من معهد بحوث الامن القومي، قالت أمس للصحيفة بأنه “رغم أن موقف الرئيس من هذا الشأن مقبول على الكثير من رجال القانون كجزء من مصالحة حيوية بالنسبة لهم، إلا أنه يتناقض بصورة مباشرة مع مشاعر قوية في أوساط أعضاء الاحتجاج”. حسب قولها فان “إنقاذ جيش الشعب والتوتر بين الذين يتحملون العبء والذين يتهربون منه هو من الرسائل الرئيسية للاحتجاج. في هذه الأثناء يبدو أن الحريديين قد نجحوا في إنهاك المؤسسة السياسية وحصلوا على طلباتهم. ولكن مشكوك فيه أن يكون هذا مقبولا لحركات الاحتجاج”.

 


هآرتس