سيصعب على رجل يهبط الى كوكبنا من الفضاء الخارجي أن يفهم معنى الجنون الذي ألم ببني البشر في مواجهة «داعش». فمن جهة يعتبره الرئيس الأميركي هامشيا، كفريق احتياط لمدرسة ثانوية، وبالفعل فان الخمسين ألف مقاتل التابعين لـ»داعش» في سورية وفي العراق هم لا شيء في مواجهة القوة العظمى الأميركية، كالصوص في مواجهة اسلحة الجو التابعة للقوى العظمى، وهو لا يشكل عمليا تهديدا على الولايات المتحدة، ولا على الغرب بشكل عام، بل هو مجرد جسم ارهابي اسلامي متطرف. وفي الوقت ذاته يقاتل ضده ائتلاف واسع جدا يضم الكثير من الدول، ويخيل لي أنه لم يسبق له مثيل في التاريخ البشري. فالولايات المتحدة تتصدر ائتلاف من 65 دولة، لعل الرجال من الفضاء الخارجي يعرفون ما هو دور كل دولة في هذا الائتلاف؛ اما روسيا فقد اقامت ائتلافا من أربع دول، والسعودية أقامت ائتلافا من 34 دولة اسلامية، وفرنسا حاولت هي الاخرى بناء ائتلاف. الكل ضد «داعش» (غالبيتهم بالاقوال) و»داعش» ضد الكل. ولكن من يقاتل «داعش» حقا، وبنجاح، هم الاكراد في شمال العراق وسورية ممن ليسوا اعضاء في أي ائتلاف. فما هي، إذاً، صورة وضع «داعش» في سورية وفي العراق في بداية العام 2016 كما يلخصها ضمن امور اخرى «مركز الاستخبارات والارهاب»: بداية، كان العام 2014 عام الانجازات الكبرى لـ»داعش»، اما العام 2015 فهو عام الهزائم، فقدان الاراضي، فقدان المداخيل، الضرر اللاحق بشبكات النفط وفقدان المقاتلين. لقد دخل «داعش» العام 2016 وهو في حالة دفاع استراتيجي. والسبب المركزي في ذلك أساسي: مخزون غير كبير من القوة المقاتلة، اساسها قوته في معارك حرب العصابات والحركة الواسعة. وعندما يصطدم بقوة مقاتلة مدربة ومصممة، فانه يفشل، ومقابل وحشية مقاتليه ونشطائه الحيوانية، تمارس الميليشيات الشيعية التي تقاتل ضده وحشية مشابهة له. حيوانات تلتقي حيوانات. ثانيا، رغم الهزائم، لا يزال «داعش» يسيطر على مناطق واسعة غرب العراق وشرق سورية، ومركز حكمه في الموصل في العراق وفي الرقة في سورية لم يهتز بعد؛ وهو لا يزال التنظيم الارهابي الاغنى في العالم؛ والقوى العظمى تمتنع عن استخدام القوة البرية ضده، وكل التنظيمات التي تقاتله تتنازع فيما بينها. ثالثا، «داعش» هو أولا وقبل كل شيء فكرة، ايديولوجيا. قوة جاذبيته الايديولوجية في اوساط المسلمين في ارجاء العالم لم تتبدد بعدد. وهو يواصل كونه عامل الهام ليس للمسلمين فحسب، بل ولكل «معذبي العالم» الغربي ومحبي المغامرات. وعليه فان الضغوط التي تمارس على «داعش» في العراق وفي سورية ستبقى تضعفه خلال 2016، ولكن لن يكون بوسعها على ما يبدو الحاق الهزيمة بالتنظيم وبالتأكيد ليس بالفكرة الايديولوجية. وبالطبع لن يبقى «داعش» صامتا، وينبغي لنا أن نتوقع بان يصعد هجماته الارهابية في الخارج (فيما تكون اسرائيل هي الاخرى على بؤرة الاستهداف) كي يحافظ على صورته كجهة مخيفة ومظفرة. وبالمقابل فيصعد جهوده لتثبيت ذاته في دول عربية/اسلامية اخرى. هذه هي طبيعة السرطان. في المركز ثبات اقليمي في ليبيا. هنا، مقابل ايطاليا، تبنى الآن دولة اسلامية متطرفة غنية اخرى ستشكل التهديد المركزي على اوروبا. فماذا يفعل الغرب حيال ذلك؟ لا شيء. لأن «كل العالم» يقاتل ضد «داعش» في سورية وفي العراق، ولكن ليست لديه استراتيجية شاملة لقتال حقيقي ضد «داعش»: لا ضد الخلايا السرطانية الصغيرة التي في سيناء، ولا ضد الخلايا الاجرامية التي في ليبيا، وبالتأكيد لا في حرب الوعي الناجحة التي يقودها.