كثر في الأيام الأخيرة الأحاديث عن الاتصالات والحوارات التي جرت بين حركتي «فتح» و «حماس» في الدوحة وتركيا وشارك فيها قياديون من الحركتين، وبعضها يشير إلى تقدم ملموس وأن لقاء حاسماً سيجري قريباً على أعلى المستويات في الدوحة حيث سيكون وفد «فتح» برئاسة عضو اللجنة المركزية عزام الأحمد بينما يترأس وفد «حماس» رئيس المكتب السياسي خالد مشعل، و يجري البحث في تشكيل حكومة وحدة وطنية وأمور المصالحة الأخرى.
وللوهلة الأولى تبدو هذه الأحاديث كغيرها تنتهي بدون أي شيء على اعتبار أننا شهدنا الكثير من اللقاءات وحتى الاتفاقات الموقعة بدون أي تطبيق فعلي على أرض الواقع، بل كانت الأوضاع تسير باتجاه معاكس نحو تكريس الانقسام ووجود سلطتين واحدة شرعية وأخرى أمر وقع .
فهل تكون هذه المرة مختلفة عن سابقاتها ينجز فيها اتفاق يجري تطبيقه؟ في المرات السابقة كانت حوارات المصالحة سواء الثنائية أم التي تمت بحضور فصائلي واسع تأتي تحت ضغط الحاجة وأحياناً بسبب تدخلات إقليمية، وعندما تنتهي الظروف يجري نسيان الموضوع وتعود الأمور إلى ما كانت عليه وهي أصلاً لم تكن قد تغيرت بصورة ملموسة.
و ها نحن نرجع إلى نفس المربع ولكن قد تكون الظروف تغيرت بشكل جذري أو على وشك بحيث لا مناص من التغيير والتكيف، ونحن هنا نتحدث عن «حماس» على وجه الخصوص مع أن موضوع الوحدة يخص الجميع وبالذات الفصائل الفاعلة والمؤثرة.
وهناك أسباب مقنعة لأن تغير «حماس» موقفها من هذا الملف، حيث يأتي التغيير على وقع تطورات إقليمية بالغة الأهمية والأثر على مستقبل المنطقة واللاعبين الرئيسيين فيها.
وليس غريباً أن تتدفق المعلومات عن تطورات إيجابية في ملف المصالحة في وقت تتحدث فيه إسرائيل عن حرب جديدة على غزة بدون أي مبرر فعلي لمثل هذه الحرب في ظل الهدوء الذي يسود جبهة غزة.
فالتهديدات الإسرائيلية بالحرب تؤخذ على محمل الجد لدى قيادة «حماس»، خصوصاً وأن إسرائيل تسعى للحب لأسباب داخلية أساساً وفي أحيان كثيرة تقوم بالبحث عن ذريعة لخوض الحرب، لأن الجمهور الإسرائيلي مبني على فكرة الاستهداف وعقدة الضحية التي توارثها من الجرائم الأوروبية بحق اليهود في القرن العشرين وما سبقه.
ويبدو سهلاً للغاية أن تنجح أي حكومة في إثارة خوف المواطنين من الفلسطينيين الذين يبدون كمجرمين لا يفكرون سوى بالقضاء على إسرائيل. وقد نجح نتنياهو في تعزيز مكانته في أوساط اليمين واليمين العنصري المتطرف بسبب قدرته على إخافة الإسرائيليين من الفلسطينيين. وفي هذا السياق تبدو فكرة الحرب جيد لإبقاء التوتر والخوف عن الإسرائيليين ويكفي أن يقوم جيش الإحتلال باستفزاز لكي تشتعل الحرب.
و»حماس» تعلم جيداً أنه لايمكن ضمان نتائج أي حرب حتى لو كانت مصلحة حكومة إسرائيل الحالية في الإبقاء على الانقسام وسيطرة «حماس» على غزة.
ففي ظل التحريض اليميني المتعاظم على الفلسطينيين وتحت تولد ظروف لسقوط عدد كبير من الإسرائيليين في اي حرب قادمة قد تذهب إسرائيل نحو القضاء على سلطة «حماس» أو إضاعفها إلى مستوى حدوث فوضى في قطاع غزة وصراعات بين اتجاهات متطرفة وبين «حماس». وهذا ما لا تريده الأخيرة بطبيعة الحال.
لكن التطور الأبرز الذي ربما يجعل «حماس» تغير نظرتها نحو المصالحة هو تبدل موقف الداعمين الإقليميين تركيا وقطر من موضوع غزة و المصالحة. فبعد أن أعادت تركيا علاقات التحالف مع إسرائيل إلى سابق عهدها واكتفت بالتعويض على حساب مطلب رفع الحصار عن غزة الذي اضحى مجرد ضريبة كلامية أكثر من كونه شرطاً لا تصلح الأمور إلا بتنفيذه، يبحث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن صيغة تعفيه من هذا الالتزام الذي لم يعد قادراً على حمله، خصوصاً بعد فشل تركيا في سورية والعراق وتعقد موقفها إقليمياً، فأصبحت بحاجة لإسرائيل.
وهناك معلومات يمكن الوثوق بها أن أردوغان طلب من قيادة «حماس» العودة إلى حضن السلطة والاحتماء بها لأنها تشكل الغطاء الذي يصونها من التعرض للأذى ويضمن لها الحصول على الشرعية التي تبحث عنها، ولا يوجد سبيل آخر أمام «حماس» في مثل هذه الظروف التي تسود الإقليم.
ويبدو أن هذا الموقف الذي بدون شك أغضب قيادة «حماس» هو نفس موقف قطر ، وهو بلا شك يستوجب إعادة النظر في خيارات «حماس» على كل المستويات ومن بينها العلاقات الفلسطينية الداخلية ووضع «حماس» إقليمياً ودولياً.
وهناك سبب آخر ربما يدعو «حماس» للتغيير وهو ارتفاع درجة الاحتقان في غزة بين الناس ضد «حماس» وبالذات على ضوء الضرائب الإضافية التي فرضتها على المواطنين والتجار، وكونها السبب في كل المشاكل والحصار والإغلاق وكل ما تعانيه غزة المعزولة عن العالم الخارجي.
ومن مصلحة «حماس» الذهاب إلى حكومة وحدة وطنية تتحمل المسؤولية عنها في قطاع غزة حتى لو كانت «حماس» ستخسر قسم كبير من إيراداتها، فاحتمال انفجار الأوضاع سيقود إلى خسارة شاملة أكبر بكثير، وتحافظ على هيبتها ووجودها. مع أن هذه الأمور لا تمر بسلاسة ويلفها الكثير من التردد والخلافات الداخلية وتضارب المصالح، فهل تختار «حماس» هذا الطريق وتصدق نبوءة المتفائلين؟