الاحتلال الإسرائيلي الذي وصفته منظمة العفو الدولية (أمنستي) وغيرها من المنظمات الدولية، بانه نظام فصل عنصري، يمارس سياسة عدوانية وعنصرية ضد الشعب الفلسطيني، بأبشع صورها وأشكالها، بما فيها جرائم القتل والتعذيب والاعتقال والاعدام الميداني خارج إطار القانون، ومصادرة الأراضي الفلسطينية، والاستيطان فيها، وممارسة سياسة الطرد والترحيل والتهجير والتطهير العرقي وهدم وتدمير المنازل والأعيان المدنية، وغيرها من جرائم الحرب.
ولم يكتف نظام الاحتلال والفصل العنصري (الأبارتهايد) الإسرائيلي باتهام مناهج التعليم الفلسطينية بالتحريض ضد إسرائيل، وبالحض على الكراهية ومعادة السامية، بل امتدت هذه الاتهامات لمدارس وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) داخل فلسطين وفي بلدان اللجوء والشتات.
فقد أفادت التقارير التي تناقلتها بعض وسائل الإعلام العبرية، بشأن احتواء مناهج الوكالة على خطاب يحض على الكراهية ويحرض ضد إسرائيل.
ونفى عدنان أبو حسنة، الناطق باسم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، هذه التصريحات وقال إن هذه التقارير ليست جديدة، ودائمًا ما تخرج مثل هذه الادعاءات الكاذبة ضد وكالة الأونروا بين الحين والآخر، وهي تأتي في سياق حملة إسرائيلية منظمة تستهدف شرعية وكالة الأونروا، وشرعية اللاجئين الفلسطينيين وقضيتهم العادلة.
حكومة الاحتلال الإسرائيلي العنصرية تتهم المناهج التعليمة الفلسطينية في المدارس الفلسطينية وفي مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، بالتحريض ضد إسرائيل، وتحض على الكراهية وتعتبرها مناهضة للسامية، في حين ان الحقيقة هي عكس ذلك تماما، فإن التحريض والكراهية المقيتة تظهر بوضوح في المناهج التعليمية الاسرائيلية خاصة في المدارس الدينية، التي تدعو الطلبة لقتل الاغيار اي غير اليهود وبمعنى آخر الفلسطينيين، في حين ان المناهج الفلسطينية تركز على القيم والاخلاق والتمسك بالثوابت الوطنية.
وكما يقولون فإن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم وهذا ما تستخدمه حكومة الاحتلال، حيث تشن الهجوم على المناهج الفلسطينية للتغطية على المناهج العنصرية والتحريضية التي تدرسها في مدارسها للطلبة اليهود.
وفي هذا الإطار قام العديد من الباحثين بتحليل الكتب الدراسية الاسرائيلية وكتب ادب الاطفال لمعرفة صورة العربي والمسلم والفلسطيني في هذه الكتب ومدى التحريض وحجم المغالطات التي تتضمنها هذه الكتب.
وقد اظهرت نتائج تحليل هذه الكتب تطرف المناهج الاسرائيلية وتحريفها للتاريخ والحقائق، وتمثلت عنصرية هذه المناهج في مهاجمة الديانات السماوية غير اليهودية، وتعزيز الوعي الديني لدى الطلاب بأحقية ملكية اليهود للأرض، اما من الناحية التاريخية فقد ركزت المناهج الاسرائيلية وفقا للباحثين على اثبات «الحق» اليهودي في فلسطين مقابل تغييب الوجود العربي الاسلامي فيها وتصوير الفتوحات الاسلامية بأنها احتلال، الى جانب طمس الاسماء العربية للاماكن والآثار واستبدالها بأسماء عبرية.
وفي المجال النفسي فقد قامت هذه المناهج بتعزيز الكراهية للعرب واحتقارهم وتعبئة مشاعر الحقد والعداء والتحريض ضدهم والتأكيد على دونية العرب وعبوديتهم وإظهارهم بمظهر الرافضين للتطور والحضارة مقابل تعزيز الفوقية والاستعلاء اليهودي وابراز تقدمهم على غيرهم مع بث الفكر التوسعي لإسرائيل.
ووفقا للباحثين فقد تعمدت المناهج الاسرائيلية على تقديم الانسان العربي على انه مخلوق مشوه ليكون في عيون النشء اليهودي الجديد مثيلا للكراهية والاحتقار والاشمئزاز، فوجد الباحثون أن هذه المناهج تصف العرب بالتخلف والوحشية والهمجية، مما يدعم السلوك العدواني ضد العرب وتسهيل ارتكاب الجرائم التي نشاهدها ضدهم. وفي شهادة لأحد خريجي المدارس الإسرائيلية يقول “منوحن” ضمن شهادته: “علمونا أن نكره العرب وان نحتقرهم، وعلمونا فوق ذلك كله أن نطردهم من أرضنا» (باعتبار فلسطين أرضهم).
وتقول الباحثة اليهودية حاجيت عفرزئيف: “ان معاني الديمقراطية تغيب عن برنامج التعليم اليهودي بسبب التأكيد على تطبيق قاعدة “نحن الاخيار، وهم دائما الأشرار”. والتعليم اليهودي يغذي الأجيال بالعنف وكراهية الآخر المتمثل بالفلسطيني والعربي المحيط بإسرائيل. ويربط التعليم اليهودي القتل للآخر بالنصوص الدينية والامثلة التاريخية وفتاوى الحاخامات حتى تحول القتل الى عبادة، وفي دراسة اخرى للباحث ادير كوهين: “وجه قبيح في المرآة “، حلل فيها محتوى مئات من كتب الاطفال في اسرائيل فوجد ان غالبيتها تتضمن اشارات سيئة للعرب تحث على القتل. أما دراسة دان ياهف بعنوان “ما اروع هذه الحرب” التي تناول فيها مئات النصوص الادبية الاسرائيلية، فقد أظهرت نتائجها أن هذه النصوص تنمي روح العسكرة العنيفة في وعي الاسرائيلي وتعزز لديه التعصب القومي.
ومن أبرز مظاهر عسكرة التعليم في المناهج الاسرائيلية القيام برحلات طلابية لقواعد الجيش الاسرائيلي وأخذ صور تذكارية للطلبة مع قوات الجيش وتقديم الهدايا للجنود والصعود الى الدبابات وكتابة عبارات تمجد الجيش وقيام الطلبة بالتوقيع على قذائف المدفعية التي استخدمها الجنود في حروبهم العدوانية على غزة ولبنان. وفي المقابل خلصت عدة دراسات دولية واسرائيلية وفلسطينية الى عدم وجود تحريض في المناهج الفلسطينية، وقالت دراسة أجراها فريق باحثين دوليين ومحليين أن المناهج التعليمية الفلسطينية شبه خالية من التحريض والتحقير بحق اسرائيل الأمر الذي أثار ارتياح الفلسطينيين وغضب اسرائيل.
واضافت الدراسة ان الصراع العربي – الاسرائيلي ينعكس بشكل واضح في سرد الوقائع في الكتب المدرسية في المنهاجين الفلسطيني والاسرائيلي.
وباختصار شديد فإن الاحتلال الاسرائيلي يسعى من خلال التحريض على المناهج التعليمية الفلسطينية الى التغطية على مناهجه العنصرية والتي تدعو الى قتل العرب وعدم ذكر كلمة الفلسطينيين وتعمل على عسكرة التعليم عندهم كي تخرج اجيالاً متعطشين للحروب العدوانية والقتل بدم بارد كما يحصل الآن ضد ابناء شعبنا في الضفة الغربية.
سلطات الاحتلال تحاول التغطية على الرواية الاسرائيلية التي تزور الحقائق والتاريخ، في مقابل الرواية الفلسطينية التي تتحدث عن الاحداث وما حل بالشعب الفلسطيني، من جراء الهجمة الصهيونية بكل موضوعية وبدون تلفيق او تزوير للحقائق، ومن هنا فإن الصراع هو بين الروايتين الفلسطينية والاسرائيلية.
وتوجه المناهج الإسرائيلية الطلبة على أن القيم اليهودية هي ذاتها القيم الإنسانية، بل إن هذه القيم حكر على اليهودية، أي بدلاً من طرح القيم الأخلاقية بوصفها قيماً إنسانية عالمية، وأن اليهودية تدعو لهذه القيم، يتم الطرح بالعكس، ففي كتب التاريخ مثلاً، الفرس والرومان واليونان أشرار وسيئون، ليس لأنهم قوى إمبريالية، بل لأنهم يفتقدون للقيم اليهودية. وهنا، يفهم الطالب أن القيم الأخلاقية مستمدة من التوراة فقط، وأن الآخرين بلا أخلاق، لأنهم ليسوا يهوداً.
وأكثر من ذلك يحاول الاحتلال فرض المناهج الإسرائيلية على مدارس القدس المحتلة، وذلك في إطار تهويد المدينة وأسرلة التعليم فيها. وهذا يعني أن معركة المناهج ستبقى معركة للدفاع عن القضية والهوية الفلسطينية، وأن محاولات الاحتلال اتهام مناهج التعليم التي يتلقاها الطلبة الفلسطينيين في المدارس الفلسطينية أو في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، بالتحريض ضد إسرائيل، وتحض على الكراهية ومناهضة للسامية، هي اتهامات باطلة، وما هي إلا استمرار لحرب وعدوان الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية.
*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.