الانتخابات التي تجري اليوم هي لحظة ذروة احدى الحملات العاصفة، العاطفية والمكثفة، المشوقة والدراماتيكية التي كانت في اسرائيل في أي وقت مضى. ملايين الاسرائيليين سيخرجون هذا الصباح الى صناديق الاقتراع فيما هي صورة المنافسة غير واضحة. كل شيء مفتوح وتكاد تكون كل نتيجة ممكنة. وكما يقول الكليشيه، متوقع غير المتوقع.
في حملة الانتخابات، انطلق من اليمين ومن اليسار على حد سواء التقدير بأن هذه الانتخابات قد تشير الى نهاية عصر نتنياهو في السياسة الاسرائيلية. رئيس الوزراء هو الذي بادر الى هذه الانتخابات. وسيقول البعض انه دفع نحو الانتخابات عقب خلافه السياسي مع يائير لابيد وتسيبي ليفني والبعض سيقول انه اندفع إليها من قبل سيده، سيد الكازينو شلدون أدلسون بسبب قانون "إسرائيل اليوم".
مهما كان السبب، فإن نتنياهو على ما يبدو نادم على الخطوة التي اتخذها. فلو كان يعرف انه سيجد نفسه عشية الانتخابات في تخلف من أربعة مقاعد مع المعسكر الصهيوني في الاستطلاعات وفي خطر تدهور "الليكود" الى ما دون سقف العشرين مقعدا، لكان لا بد ان بحث عن كل سبيل ممكن لتأجيل الازمة الائتلافية قدر الامكان.
لقد تلقى نتنياهو في حملة الانتخابات هذه درسا مميزا، لم يسبق له أن تلقاه. فقد كشفت الاشهر الثلاثة الاخيرة امامه بالشكل الاكثر فظاظة كم هي خيبة الامل، الغضب والنفور نحوه في أوساط جماهير واسعة في اسرائيل، بما في ذلك جماعات في المجتمع الاسرائيلي صوتت بشكل تقليدي لـ"الليكود" دون أن تفكر مرتين.
وسواء استوعب نتنياهو ذلك أم لا، فإن حملة الانتخابات أظهرت كم هو منقطع عن الرأي العام. واشارت كل الاستطلاعات في الاشهر الاخيرة الى أنه لا يفهم ما هي المواضيع التي تهم الناس، ولا يتحدث بلغة الاسرائيلي العادي.
لقد عني نتنياهو بالتخويف من ايران و"داعش"، بالشعارات عن قدرة الحكم وتغيير طريقة الحكم، بالمواجهات مع الرئيس الأميركي وبالخطابات في الكونغرس. ولكن الاسرائيليين اهتموا باسعار الشقق، بالطوابير في غرف الطوارئ في المستشفيات، او بغلاء المعيشة، وصدموا من المنشورات والتقارير عن احتفال التبذير والاستمتاع الشخصي له ولابناء عائلته.
لم يفهم رئيس الوزراء بأن هذه الانتخابات هي استفتاء عليه وعلى ادائه في الولايتين الاخيرتين. وليس صدفة أنه عندما استوعب اخيرا وضعه البشع، هجر نتنياهو تهديدات النووي الايراني وبدأ يندم تحت كل شجرة باسقة وامام كل ميكروفون على فشله في تخفيض اسعار الشقق، وعلى نية تعيين موشيه كحلون الشعبي وزيرا للمالية وعن أنه يفهم العبء والضائقة لدى العديد من الاسرائيليين.
ان مشكلة نتنياهو الاساس هي أن مصوتي "الليكود" يعرفونه ويعرفون بأن الناس لا يتغيرون في سن 65، فما بالك هو. رئيس "شاس"، آريه درعي، هو الآخر، الذي اعلن أنه سيوصي الرئيس بأن يكلف نتنياهو بتشكيل الحكومة يعرف ان الاخير لن يعتني بالمليونين من "المكشوفين". كحلون هو الآخر الذي قال انه سيصنع "بيبي الاجتماعي" يعرف ان هذه اضغاث احلام. ويقول الكثير من مؤيدي "الليكود" ان ما لم يفعله نتنياهو في السنوات الستة، لن يفعله ايضا في ولاية اخرى. وعليه، فإن الكثيرين منهم سيصوتون لكحلون، للبيد، وحتى لهرتسوغ.
إن الانتخابات الحالية هي جزء من مسيرة اطول من الانخفاض الثابت في تأييد نتنياهو و"الليكود"، والذي بدايته في الاحتجاج الاجتماعي، تواصله في انتخابات 2013، والتي نجح فيها في الحفاظ على حكمه فقط بفضل "صفقة" غريبة مع افيغدور ليبرمان وذروتها في حرب "الجرف الصامد" في قطاع غزة في الصيف الاخير.
لقد شخص د. يوعز هندل، الناطق السابق بلسان نتنياهو، جيدا وضع رئيس الوزراء حين قال في مقابلة مع "نيويورك تايمز" انه لو كان حتى كاكتوس يتنافس امامه، لنجح في أن يأخذ المقاعد منه. ويحتمل أن تكون حملة النجدة لرئيس الوزراء في الايام الاخيرة ستنجح في أن تجلب له مقعدين – ثلاثة مقاعد من "البيت اليهودي" فتقلص الفجوة مع هرتسوغ، ولكن من المشكوك فيه ان يكفيه هذا ليعتبر منتصرا.
يدير نتنياهو حرب وجود على البيت في شارع بلفور. ولو كان الامر منوطا به وابناء عائلته، فإن كتيبة مظليين وحرس حدود لن تخرجهم من هناك. فرئيس الوزراء يفهم انه اذا ما غادر البيت، فلن يعود إليه. ولكن حتى لو وجد نتنياهو مرة اخرى في خلطة سياسية تسمح له باعداد ائتلاف، فإن الخطوط الاساس الوحيدة له ستكون الحفاظ على حكمه بشكل مؤقت. فحالات الماضي تبين أن في مثل هذه الحالة ايضا فإن المغادرة الجسدية لنتنياهو للساحة السياسية ستتأجل فقط بسنة أو سنتين، والنتيجة قد تكون حملة انتخابات اخرى ستكون فيها هزيمته اعمق وأشد بكثير.
عن "هآرتس"