هارتس : حرب نفسية: هكذا ضلّل الناطق العسكري مواطني إسرائيل خلال حرب غزة في العام 2021 !

لقطة الشاشة 2023-03-23 105904.png
حجم الخط

بقلم: هاجر شيزاف وينيف كوفوفيتش

-حسابات وهمية في الشبكات الاجتماعية للإثبات بأن الجيش «يرد بشكل شديد» على «حماس»
- ضحكوا على بن غفير، وجلعاد كوهين تحوّل «أبو علي اكسبرس» على «تليغرام»


          قام المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي بعملية تضليل ضد مواطني إسرائيل اثناء عملية "حارس الأسوار" في أيار 2021. كان هدف العملية زيادة الوعي حول هجمات إسرائيل في قطاع غزة و"الثمن" الذي يجبيه الجيش من الفلسطينيين. قام الجنود بنشر منشورات في حسابات وهمية في الشبكات الاجتماعية بهدف التغطية على حقيقة أن المتحدث بلسان الجيش يقود الحملة. اعترف الناطق العسكري، أول من أمس، بأنه استخدم حسابات وهمية لنشر المعلومات، وقال إن الامر كان يتعلق بـ "خطأ".
          في معظم الحسابات الوهمية في تويتر والفيس بوك والانستغرام والتك توك نشر الجنود في قسم الناطق العسكري صوراً وافلام فيديو عن الهجمات تحت عنوان "غزة تندم"، وكانت ترافقها كتابات مثل "لماذا تنشرون فقط الهجمات في البلاد ولا تنشرون هجماتنا في غزة؟ يجب علينا أن نُري الجميع كم نحن أقوياء!" و"شاركوا من اجل أن يعرفوا بأننا نرد وبشكل كبير".
          وصلت معلومات للصحيفة كشفت أن خطة ادارة "حملة حرب نفسية" على المجتمع الإسرائيلي انطلقت بعد بضعة ايام على بدء العملية عندما شعروا في قسم الناطق العسكري بأن الجمهور في إسرائيل يتأثر أكثر بإصابة صواريخ "حماس"، ولا يتأثر بما فيه الكفاية من هجمات الجيش في غزة. هدف استخدام الحسابات الوهمية الى منع امكانية نسب عملية التأثير للجيش الإسرائيلي نفسه؛ لذلك ستظهر الحملة كأنها اصيلة ونابعة من الجمهور.
          في إطار العملية خططوا في قسم الناطق العسكري لتنفيذ العملية عبر حسابات وهمية باسم "بوتات" وبمساعدة حسابين في الانستغرام لهما شعبية كبيرة، حساب "بيزم" و"جنود يغردون"، لهما مئات آلاف المتابعين. اعتبر التعاون معهما سرياً. في الحقيقة، في اليوم الاول لعملية التضليل نشر حساب "جنود يغردون" صورة يظهر فيها هدم مبنى في مركز مدينة غزة، تحت عنوان "غزة تندم". حصل هذا المنشور على مئات الاعجابات والردود منها "ليموتوا" و"يجب محوهم تماما" و"لندمر غزة بمن فيها". أيضا نشر في "بيزم" هذا الوسم بمرافقة صور للهجمات في غزة. من غير الواضح اذا كان الجيش قد دفع لـ "جنود مغردين" أو لـ "بيزم" مقابل النشر. ولكنّ مصدرا مطلعا على نشاطات الناطق العسكري في تلك الفترة قال إن التعاون معهما لم يقتصر على هذه الحملة. في قسم الناطق العسكري خططوا للقيام بالحملة ايضا عبر من يؤثرون في الشبكة.
          بدأت عملية "حارس الأسوار" في 10 أيار 2021 عندما قامت "حماس" باطلاق الصواريخ نحو القدس اثناء مسيرة الاعلام التي جرت في ذاك اليوم المتوتر في العاصمة. بعد ذلك تم اطلاق عدة صواريخ على غوش دان. رد الجيش الإسرائيلي بهجوم كثيف على أهداف في غزة، بما في ذلك هدم مبان متعددة الطوابق. في الـ 11 يوما من القتال تم اطلاق 4 آلاف صاروخ تقريبا من غزة، وقتل عشرة من الإسرائيليين وثلاثة أجانب. حسب بيانات الامم المتحدة فان 261 غزيا قتلوا، من بينهم 130 من المدنيين، 67 طفلا و41 امرأة. نشر الجيش الإسرائيلي عن قتل نحو 220 من اعضاء "حماس" و"الجهاد الاسلامي". بعد البدء في العملية قرروا في قسم الناطق العسكري تنفيذ حملة الحرب النفسية ضد المواطنين في إسرائيل. في 12 أيار تم فتح حساب في تويتر باسم موشيه فاكنن مع صورة لاعلام إسرائيل. طوال ثلاث ساعات غرد الجندي الذي قام بتشغيل الحساب الوهمي 27 مرة، شملت كل تغريدة صورة هجوم في غزة مع هاشتاغ "غزة تندم". من اجل زيادة المشاهدة والتعاطف مع التغريدات ارفق الجندي مع كل تغريدة ردا على حسابات شخصيات معروفة في تويتر، لها آلاف المتابعين، ومعظمها معروفة بأنها داعمة بارزة لنتنياهو. ارفق الجندي تغريدته برجال اعلام وسياسيين من اليمين.
          ردا على تغريدة لعضو الكنيست، ايتمار بن غفير، الذي دعا الى "تحويل حي الفيلات التابع لحماس مع سكانه الى كراج"، رد الجندي بتغريدة ظهرت فيها صورة لهدم مبنى مع كلمات "ايتمار: شارك!، كل شعب إسرائيل يجب أن يرى هاشتاغ "غزة تندم". وردا على تغريدة ليانون ميغل الذي استخف بوزير الدفاع في فترة العملية، بني غانتس، رد الجندي بصورة لهجوم آخر مع تعليق "يانون، هاشتاغ "غزة تندم"، شارك! يجب على الجميع أن يعرفوا. تغريدة مشابهة نشرت ردا على تغريدة شارون غال. حساب آخر في الفيس بوك فتح في 12 ايار باسم دانا لوك مع صورة لطفلة ملفوفة بعلم إسرائيل. خلال ثلاثة أيام نشر الجندي الذي شغل الحساب الوهمي ثمانية افلام فيديو لهجمات مرفقة بتعليقات بأسلوب "لن نصمت أكثر!، لسنا اغبياء وهاشتاغ غزة تندم"! شاركوا!". من اجل زيادة التعاطف نشر الجندي الأفلام في مجموعات "نصوت لليكود فقط" و"مؤيدو الليكود" و"لن نصمت اكثر – يجب حماية بيبي"، وهي الحسابات التي فيها 100 ألف عضو. نشرت حسابات وهمية اخرى 13 منشوراً مشابهاً في الانستغرام والتك توك. لم تحصل المنشورات على أي ردود من الجمهور الإسرائيلي، باستثناء فيلم واحد في التك توك كانت عليه عشرات الردود والاعجابات. المنشورات الاخرى لم يكن عليها أي رد أو اعجاب أو مشاركة تقريبا. في اطار عملية التضليل حاولت الحسابات الوهمية للناطق العسكري الدفع قدما بهاشتاغ "غزة تندم" حيث سيستخدمه الجمهور في إسرائيل في الشبكة. هذا لم ينجح. في الفيس بوك فقط تم توثيق ستة منشورات اصلية لمستخدمين حقيقيين تبنوا الهاشتاغ. في الشبكات الاجتماعية الاخرى لم يكن أي توثيق لاستخدام اصلي لهذا الهاشتاغ.
          مع ذلك، علمت "هآرتس" بأنه بعد العملية حصل قسم الحملات في قسم الناطق العسكري على جائزة داخلية عن عملية التضليل تحت فئة "العملية التنفيذية الممتازة" في اطار عملية "حارس الأسوار". كانت على الجائزة صورة المقدم مراف ستولر – غرنوت، رئيس قسم الاعلام والنشر في قسم الناطق العسكري. يعمل قسم الحملات مثل وزارة الاعلام، ويقوم بحملات داخل الجيش وخارجه من اجل زيادة الوعي للوحدات ولقضايا مختلفة في الجيش. على رأس هذا القسم وقف في حينه يوفال هوروفيتس، رجل إعلام قام بدوره كمواطن مدني يعمل لدى الجيش الإسرائيلي والآن هو يعمل في قناة "كيشت". من الجيش جاء الرد "خلال عملية حارس الأسوار نشرت مواد تصف ما يحدث في القطاع. هذه المواد هي مقاطع اعلامية اصلية من داخل القطاع وجدت في الشبكات العلنية. وقد تم التوجه الى جهات مؤثرة لنشر مقاطع نفذت بصورة رسمية من قبل الجيش الإسرائيلي. ازاء حقيقة أن الامر يتعلق بمواد وثقت فلسطينيين في القطاع، فان نشر المواد نُفذ بدون صلة بالجيش الإسرائيلي. فيما يتعلق بالادعاء حول فتح حسابات وهمية في الشبكات الاجتماعية، حقا فتح عدد محدود من الحسابات لزيادة الكشف، بعد ذلك وجد أن استخدام هذه الحسابات هو خطأ وكان محدودا بـ 24 ساعة. يجب التأكيد بأنه لم يتم استخدام هذه الوسيلة في السنتين الاخيرتين. ونحن نؤكد بأن الناطق العسكري ملزم بالتأكد من ذلك، وأن يحرص على اصدار تقارير موثوقة ودقيقة بقدر الامكان بهدف أن ينقل للجمهور جميع المعلومات بشكل رسمي.
يوفال هوروفيتس قال: "عملت في مواضيع حساسة كثيرة، وأفضل عدم التطرق الى ذلك". وفي "بيزم" رفضوا الرد.
         يعمل الجيش الإسرائيلي منذ سنوات في عمليات وعي وتأثير امام اعداء إسرائيل في محاولة لكسر روايتهم، والتأثير على السكان (في غزة ولبنان وايران وغيرها) وتحقيق انجازات عملياتية. في العام 2005 اقيم مركز عمليات الوعي التابع لقسم العمليات في الجيش. بعد سنة تم نقله الى شعبة الاستخبارات العسكرية. في اطار هذه العمليات ضد "الطرف الأحمر" تجمع الاستخبارات معلومات تشمل، ضمن امور اخرى، مواقف الجمهور في الكيان الذي تحارب إسرائيل ضده بخصوص القيادة والحرب، ايضا تحاول التأثير على الخطاب العام هناك لخلق عدم يقين، والمس بمصداقية رسائل قيادة العدو واستخدام ضغط الجمهور عليها. تحدث معظم عملية التأثير بشكل سري، وفي اطارها يتم نشر رسائل معينة تهدف الى خدمة إسرائيل بطريقة معينة.
          اثناء عملية "حارس الأسوار" جرت في الشبكات الاجتماعية العربية حملة موجهة لسكان غزة. ايضا غرد الناطق العسكري والمتحدث بلسان رئيس الحكومة باللغة العربية برسائل مشابهة مع هاشتاغ "حماس تقتل أبناء شعبها" و"الذنب هو ذنب حماس".
          الاستخبارات العسكرية لها قدرة تمكنها من التأثير بأبعاد مختلفة على السكان المدنيين، لكن حسب القانون فإنه محظور على الجيش استخدام هذه القدرة امام "الطرف الأزرق" (إسرائيل). أي استخدام عملية تأثير وحرب نفسية سرية تجاه المواطنين الإسرائيليين. "بنيت هذه القدرة من اجل معرفة المزاج في اوساط الدول العربية والتأثير من الخارج، بدون توقيع الجيش الإسرائيلي على الوضع الداخلي للمواطنين الذين تشن إسرائيل الحرب ضدهم"، قال مصدر امني رفيع للصحيفة. "لا يوجد أي استخدام لعملية حرب نفسية تجاه المواطنين الإسرائيليين، هذا محظور حسب القانون، وحتى اثناء كورونا لم يسمحوا للجيش باستخدام جزء من قدرته من اجل العثور على مصابين. هذا الامر حساس جداً".
          في فترة رئيس الاركان التارك، افيف كوخافي، أُعطيت للحرب النفسية أهمية كبيرة، لا سيما امام الساحة الفلسطينية، وتغير اسم المركز وأصبح "قسم التأثير" رغم محاولة نقل عملية الحرب النفسية الى مسؤولية الناطق العسكري، وتقرر ابقاء المسؤول عن العلاقة مع الجمهور الإسرائيلي تحت مسؤولية شعبة الاستخبارات العسكرية. "وصلت هذه المحاولة من الاعلى، لكنها فشلت، على الاقل بصورة رسمية وثابتة"، قال المصدر الرفيع. موقف المعارضين كان أنه يمكن تنفيذ ذلك فقط مع جسم مؤيد للجيش، ومن الواضح للجميع أن الرسالة هي من الجيش. وقد تم التوضيح لمن أرادوا تغيير القانون القائم بأن هذا أمر غير مقبول.
          لم يكن هذا المصدر يعرف عن عملية هاشتاغ "غزة تندم" وتفاجأ عندما عرف أن هذه العملية انطلقت وبحق تحت مسؤولية الناطق العسكري في حينه، هيدي زلبرمان، الذي بدأ طريقه العسكري في سلاح المدرعات، وبعد ذلك تم تعيينه ضابطاً لقسم العمليات في قيادة المنطقة الشمالية ورئيساً لقسم التخطيط في قسم العمليات، وقد كان شخص رئيسي في بناء الخطة متعددة السنوات "تنوفا" لرئيس الاركان في حينه كوخافي. كوخافي هو الذي عين زلبرمان في وظيفة الناطق العسكري، وبعد ذلك ملحقاً عسكرياً في الولايات المتحدة، وهي وظيفة يخدم فيها حتى الآن. في اليوم الرابع لعملية "حارس الأسوار" انطلق الجيش لتنفيذ "الضربة الخاطفة" التي استهدفت المس بشبكة انفاق "حماس" عبر نحو 150 طائرة قتالية ومئات القذائف. قام الناطق العسكري بتضليل وسائل الاعلام الأجنبية عندما أصدر تقريراً عن بداية الدخول البري للقوات بهدف جعل كبار قادة "حماس" ومقاتليها ينزلون الى الانفاق بسرعة، حيث سيموتون هناك. لم تنجح العملية. في محاولة لترميم ثقة وسائل الاعلام الاجنبية به كتب زلبرمان لرئيس نقابة الصحافة الاجنبية: "أريد الاعتذار عن الخطأ. لا يعمل الناطق العسكري في الحرب النفسية، ودوره هو نقل الحقيقة للجمهور".
          ما لم يقله الناطق العسكري هو أنه بالضبط في تلك الفترة عمل جنوده من خلال عملية تضليل غير مسبوقة للجمهور الإسرائيلي. "إذا كان هاشتاغ "غزة تندم" قد خرج الى حيز التنفيذ من الناطق العسكري فهذا لا يقل عن فضيحة"، قال المصدر المطلع على المواد الموجودة في "هآرتس". "محظور حدوث أمر كهذا".
          رغم تعهد زلبرمان بأن الجيش لا يعمل في الحرب النفسية، فإنه بعد ثلاثة اشهر نشر في "هآرتس" تقرير جاء فيه أن الجيش قد شغل جلعاد كوهين، مشغل قناة التلغرام "أبو علي اكسبرس"، مستشاراً لشؤون "الحرب النفسية" في الشبكات الاجتماعية. قناة "أبو علي اكسبرس" لها 100 ألف متابع، وهو اصبح احد المؤثرين في الشبكة الإسرائيلية في مواضيع الامن والعالم العربي. وينشر أخباراً حصرية وأفلاماً وصوراً يظهر فيها شعاره، وكثير من المراسلين يأخذون منه المواد ويقومون بالاقتباس عنه. اكثر من مرة وجه الناطق العسكري مراسلين طلبوا معلومات عن غزة الى الاخبار التي تنشر في "أبو علي اكسبرس"، لكنه أوضح لهم بأن الخبر "لم يتم نقله من الناطق العسكري".
          كوهين تم تعيينه في المنصب من قبل قائد المنطقة الجنوبية في حينه، ورئيس الاركان الحالي، هرتسي هليفي. في قناة "أبو علي اكسبرس" لم يظهر أي كشف يقول بأنه مستشار بأجر لدى الجيش الإسرائيلي، والجيش ايضاً لم ينشر بدوره عن أي تعاون مع كوهين. تحت غطاء كونها مجهولة، قامت قناة "أبو علي اكسبرس" في مرات كثيرة بتشويه سمعة مراسلين بارزين قاموا بانتقاد سياسة الجيش الإسرائيلي ازاء "حماس"، وايضا وزير الدفاع في حينه، افيغدور ليبرمان. بعد أن فهموا المشكلة في تشغيله تجاه المواطنين الإسرائيليين أعلنوا في الجيش عن إنهاء تشغيله.


عن "هآرتس"