في الذكرى الثامنة لرحيله

حين كان للثورة حكيم .. حاولوا زرع الفتنة فقال : "إن كلمة الثورة لا يُلقيها إلا أخي القائد العام أبو عمار"

img_139075894210387
حجم الخط

ذات يوم وفي قاعة اليونسكو في العاصمة اللبنانية بيروت ، وقف أمين عام الحزب الشيوعي اللبناني وقال :والآن مع كلمة الثورة الفلسطينية ، مع كلمة الشعب الفلسطيني ، مع كلمة الثورات العربية المعاصرة وضمير الثورات ، يُلقيها الرفيق جورج حبش.

في تلك اللحظة غضب بعض قادة فتح وهمسوا للزعيم عرفات وقالوا له :
"إنها إهانة ما بعدها إهانة ، وكيف ستسمح لجورج حبش أن يُلقي كلمة الثورة الفلسطينية وأن تجلس وتسكت ، إنها إهانة لـ فتح ، واقترحوا عليه أن يُغادر القاعة .. ولكن عرفات همس لهم قائلاً : "لن أسجّل في تاريخي أنني خرجت من القاعة أثناء كلمة حكيم الثورة جورج حبش".
ورفض الخروج وبقي جالساً مثله مثل غيره يستمع الى كلمة جورج حبش" .

المفاجئة الكبرى كانت حين صعد جورج حبش على المسرح وقال :"إن كلمة الثورة الفلسطينية ، كلمة الشعب الفلسطيني ، كلمة الثورات العربية المُعاصرة وضمير الثورات .. لا يُلقيها إلا أخي ورفيق دربي القائد العام للثورة الفلسطينية ياسر عرفات !!"

وهنا وقفت كل القاعة وصفقت له على هذا الموقف الذي لا يُنسى .. فقفز أبو عمار إلى المسرح وعانق جورج حبش وظل الجمهور يُصفق و يهتف بصوت مُرتفع "تحيا الثورة الفلسطينية .. ووحدة وحدة وطنية".

الوجه الآخر لحكيم الثورة الفلسطينية جورج حبش في ذكرى رحيله الثامنة، بلسان من عاشوا معه أو سمحت لهم الظروف بمقابلته، باعتباره من الجيل الذي بني سفينة التحرر وأسس لمرحلة الكفاح والنضال اتسمت باستقلالية الرأي وكانت كلمة السر فيها حرمة الدم الفلسطيني، علاوة على الرصانة والحنكة السياسية واصطفافهم إلى جانب الفقراء والمناضلين في كل ملامح حياتهم رغم الميزات الثورية التي تمتعوا بها والحديث هنا ينسحب ليس على حبش  فقط بل على ياسر عرفات وأحمد ياسين وفتحى الشقاقي، وكأنه الحنين إلى حقبة  ذهبية يأمل الكل بعودتها أمام قتامة المشهد الفلسطيني الراهن".

"يابا.. قهوتك جاهزة"

"تخونني الكلمات في كل مرة أحاول أن أكتب عن الحكيم، عشت معه في بيت واحد زمنا، أمكنني أن أرى فيه أقرب إلى القداسة وأخشى أن لا أنصف هذا الحكيم مهما كتبت" بهذه الكلمات يصف الكاتب الصحفي هاني حبيب الراحل حبش في ذكرى رحيله.

يروي حبيب في اتصال هاتفي مع وكالة خبر إحدى المواقف الإنسانية التي جمعته  بالحكيم بالقول "كنت مدير مكتبه للصحافة وألخص له الكتب، وكنا نأخذ قيلولة بعد الغذاء، وقد منعه الأطباء من شرب القهوة بالكافين فكان يحرص على الاستيقاظ قبلي وإعداد القهوة منزوعة الكافيين له والقهوة العادية لي ويقوم بإيقاظي ويقول لي "يابا ..قهوتك جاهزة"، مؤكدا أنها حالة من آلاف الحالات.

أما مريم أبو دقة العضو في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي تصفه بأنه كان لها ولرفيقاتها المبعدات بمثابة الوطن، منذ إبعادها عام 1970، فتروي إحدى المشاهد الإنسانية له "بعد 20 عام من إبعادي وتمكني من التواصل مع أمي في غزة لم تعرفني أول مرة واعتقدت أنه من إحدى العملاء، فحاولت في اليوم التالي وكنت منفعلة وبكيت".

وتتابع "ذرف الحكيم الدمع عندما نقل له ما حدث لي وقد كنت من العسكر، وقال إننا نتأثر لأننا إنسان ونحمل السلاح ضد الأعداء، وليس المحبين، ونقطة ضعفنا أهلنا".

بدوره يؤكد نبيل عمرو عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أن الظروف جمعته بالحكيم عندما كان سفيرا للسلطة الفلسطينية في موسكو، وجاء هناك فعاملة كرئيس دولة، مما أثار استغراب من معه مؤكدا لهم بذات الوقت أن الحكيم بنظره لا يقل عن ياسر عرفات".

من جانبه يؤكد طلال أبو ظريفه عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين أنه التقى بالحكيم عام 1988 في اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر، مستدركا لا زلت أتذكر كيف كان يصافح ويداعب كل أعضاء المجلس الوطني بعيدا عن احتياطاته الأمنية.

خبرة المقاوم.. وحنكة السياسي

وعن الميزات التي توفرت في شخصية الحكيم يقول نبيل عمرو  في اتصال مع وكالة خبر أنه "يعد أحد أعلام النضال الوطني الفلسطيني، مفكرا وقائدا في كل النواحي، تعامل بشرف مع الوحدة الفلسطينية".

وشدد أنه التزم بمنظمة التحرير رغم الإستقطابات العربية آنذاك، والتدخلات كان من القوى الأساسية بجانب الجبهة الديمقراطية التي منعت اختراق منظمة التحرير".

من جانبه يؤكد هاني حبيب أن الحكيم يمتاز بأمرين على المستوى السياسي أولا الثبات على المبدأ، وثانيا قدرته على استقراء المستقبل وهما أمران يفتقدهم سياسيو اليوم.ويشدد أنه ضرب مثلا بالرجولة بتخليه عن منصبه لصالح عملية التبديل وإعطاء الفرص للآخرين ومسألة التناوب ومعظم القيادات لا تشعر بأهميته، في إشارة لتنازله لأبو علي مصطفى عن الأمانة العامة للجبهة الشعبية".

أما طلال أبو ظريفه فيقول في اتصال هاتفي مع "وكالة خبر" أنه كان يتمتع بكاريزما جعلت منه ليس قائدا فلسطينيا وإنما أممي كذلك، مشددا أن ما يميزه هو الخبرة التي تجمع بين روح المقاوم والسياسي، وتجلت بالنضج الفكري والحنكة السياسية، وقليلين من جمعوا بين الأمرين.

وأعتبر أنه يعد مدرسه شاهدة على عظمة الرجل والتاريخ الذي يجسده ويشكل مرتكز لحركة التحرر الوطني الفلسطيني، وبلورة الهوية الوطنية.

بدورها تقول مريم أبو دقه أنه أعطى أهمية للمرأة الفلسطينية ليس على المستوى الفلسطيني فقط بل على المستوى العربي والدولي.

وتتابع "كثير من نساء الوطن العربي والعالم يعشقوا الحكيم لمواصفاته الرائعة وحقيقته الثورية".

واعتبرت أن جميع ما كتب للثورة يصلح لليوم مثل (من معسكر العدو لمعسكر الصديق).

أما أكرم عطالله فيؤكد في اتصال مع "وكالة خبر" أن الحكيم كان مخلصا بحق لقيمه، مثقفا وقائدا نوعيا، فضل العيش مع الفقراء رغم أنه ينحدر من أسرة ميسورة الحال ، ودرس الطب في الجامعة الأمريكية".

الحكيم ... الدم الفلسطيني خط أحمر

يقول نبيل عمرو أن الفرق بين جيل المؤسسين للثورة الفلسطينية والجيل الحالي للقادة "الجيل المؤسس للثورة الفلسطينية كان أكثر صلابة ودهاء وأكثر استقلالية بدليل أنهم أورثوا حالة  فلسطينية قوية".

وتابع أن الانقسام ما كان ليحدث وهم أحياء، منوها أن كل مرحلة لها ظروفها لكنهم يبقون أكثر إخلاصا والتزاما بالعمل الوطني الفلسطيني.

أما الكاتب والمحلل السياسي أكرم عطالله  الذي يصف الحكيم بالقائد المخلص لقيمه، قليل البحث عن الذات، فيرى أنه كان يحافظ على العلاقة مع أشد خصومه، فقد كان خصما للراحل ياسر عرفات والصديق الدائم له ".

ويؤكد أنهم" لم يسمحوا للخصومة أن تأثر على المسار الوطني لأنهم كانوا باستمرار يجدوا ما يلتقوا عليه، رغم التباعد السياسي بين الرجلين، كانوا في مركب واحد".

وتابع "هم الجيل الذي بنى السفينة وليس الجيل الذي التحق بها بعد أن أقلعت، لذلك يشعر بمسؤولية جزء من المشروع الوطني ".

وأضاف أن "الجيل الذي التحق بالسفينة جيل مغامر أكثر من امتلاكه للرصانة السياسية ، لذلك سفينة الوطن عصفتها الأمواج وتراوح مكانها الآن، ويبقى السؤال كيف يمكن الخروج من هذه الحالة؟".

أما طلال أبو ظريفه فيرى أن جورج حبش وجيله منهجهم أن يحل التباين على طاولة الحوار، لذلك رفضوا كافة أشكال الانقسام التي تؤدي لضياع الهوية الوطنية .

وأضاف أنهم كان يحددون التناقض مع إسرائيل وليس بيننا كفلسطينيين.

وتقول مريم أبو دقة أن الحكيم لو كان موجود في المشهد السياسي الفلسطيني الراهن "أعتقد أن له رؤيته وتحليله الخاص ولكني أخشى على قلبه لأنه شديد التأثر بانحراف الثورة عن مجالها، وبخاصة أن له قيمه فهو من أسس أن الدم الفلسطيني خط أحمر".

وتتابع أنه من اسس باستمرار أن كلمة انتصار أي ثورة الوحدة الوطنية ، وحرصه على المقاومة، مستدركة أنه رغم قتامة المشهد ترى أننا لا زلنا كفلسطينيين نستقي من أفكاره "بعد الليل يأتي نهار".

من جانبه يؤكد هاني حبيب أنه لا يمكن أن يجرؤ أحد من القيادات الفلسطينية بوجود الحكيم على اتخاذ مثل هذه المواقف التي تعزز الانقسام.

وأكد أن "الجبهة الشعبية ستكون أكثر قدرة وقوة على صناعة القرار الفلسطيني، وليست على هامش المشهد هذا القرار".

ومن جهته اعتبر أكرم عطالله أن الجيل الأول لن يسمح بالانقسام فالشهيد أحمد ياسين كان يقول تذهب كل حركة حماس ولا تسقط قطرة دم واحدة، الراحل ياسر عرفات كان صمام للوحدة وأب للجميع.

ودعا عطالله الجيل الصاعد لقراءة سيرة "الحكيم" من أجل إعادة البوصلة لمسارها الصحيح بعد أن حرفها جيل القادة الحالي لأجل السلطة.