في اليوم التالي لبيان رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، حول تجميد سن قوانين الانقلاب النظامي، أصبح من الواضح أن هذه العملية لا تعكس استسلاما حقيقيا، بل هدنة مؤقتة لاعتبارات تكتيكية. إذا اختار الائتلاف في البداية أسلوب "الصدمة والخوف" وقصفاً بالقوانين، استهدف تحطيم مقاومة المعارضة، فقد اضطر، الآن، إلى الانسحاب إزاء اللقاء مع جبهة مصممة أقامتها حركة الاحتجاج. وصلت المقاومة الذروة في أعقاب قرار نتنياهو الخاطئ إقالة وزير الدفاع، يوآف غالانت، من منصبه، الأحد الماضي.
حقق الاحتجاج إنجازاً مؤثراً، لو لم يحدث لكان يمكن أن نقف الآن أمام تشريع واسع كحقيقة واقعة. ولكن اليمين وقف لإعادة التنظيم من جديد. مثلما يدلل على ذلك مشروع قانون المحاكمة، الذي وضع، أول من أمس، على طاولة الكنيست تمهيدا للقراءة الثانية والثالثة. ما زال نتنياهو يوجد على مسافة قصيرة من تحقيق هدفه الرئيسي، حتى لو اضطر للتوقف بسبب الظروف. دوافعه بقيت على حالها. على المدى البعيد هو بحاجة إلى تمرير القوانين من أجل استقرار الائتلاف وتخريب الإجراء القضائي الجنائي ضده.
استجاب نتنياهو في هذه الأثناء لطلبات المعارضة والاحتجاج فقط لعدم وجود خيار آخر. أول من أمس، انعقدت مفاوضات جديدة بين الطرفين برعاية رئيس الدولة، اسحق هرتسوغ. أيضا في الفترة الانتقالية فإنه من المرجح أن الاحتجاج سيستمر، لكن ربما بحجم أقل. في الأسبوع القادم، سيخرج الكنيست إلى العطلة، وستبدأ فترة الأعياد. تتوافق هذه الأمور أيضا مع التعب في أوساط المشاركين في الاحتجاج الذين خرجوا إلى الشوارع كل أسبوع مدة ثلاثة اشهر متواصلة. أيضا لا يمكن تجاهل أنه يوجد تأييد كبير في أوساط الجمهور للتوصل إلى خطة مصالحة. وحتى الآن، ردا على خطوات الحكومة، فقد نهض معسكر ليبرالي ديمقراطي كبير في الجهة المقابلة، ووضعت بنية تحتية أساسية فعالة لمواصلة النضال. ليت سياسيي المعسكر يكونون مستعدين ويقظين مثل ناخبيهم.
ليس فقط يدل وضع قانون المحاكمة على نوايا نتنياهو في مواصلة النضال، فقضية غالانت بقيت موضوعا غريبا جدا. في مساء الأحد، أعلن رئيس الحكومة إقالة وزير الدفاع، وأدخل الدولة إلى دوامة، لكن حتى الآن لم يكلف نفسه عناء إرسال رسالة الإقالة لغالانت، التي يمكن أن تدخل حيز التنفيذ خلال 48 ساعة من لحظة تسلمها. شارك الاثنان في نقاش أمني في مكتب رئيس الحكومة.
في هذه الأثناء، تم تسريب أن نتنياهو يتوقع من غالانت الاستقالة من الكنيست على أساس القانون النرويجي، كشرط لبقائه في منصب وزير الدفاع. إذا كان هذا هو حقا الطلب فإن سبب ذلك بسيط وهو أن نتنياهو يريد التأكد من أنه ستكون في الكنيست أغلبية مؤكدة للتصويت على القانون. في اللحظة التي سيقرر فيها بأن المعارضة والاحتجاج قد ضعفا وأن الظروف نضجت للسير إلى الأمام، فإنه سيتم تقديم القانون، مرة أخرى، للتصويت عليه. ولكن بالنسبة لغالانت فإن نتنياهو لم يعد يستطيع الاعتماد عليه في المجال السياسي. لا يرتبط هذا بشكل عام بحقيبة الدفاع التي تشغله بدرجة اقل. لم يعد غالانت جنديا في التنظيم، ولم يعد ملزما بالخضوع الأعمى للقائد، مثل الذي يعلن عنه، صباح مساء، كثير من الوزراء وأعضاء كنيست من "الليكود". تناولت الإقالة الولاء واستهدفت ردع الآخرين. حتى لو جلس في المكتب المهم وزير – دمية من قبله وغير مؤهل يبدو أن نتنياهو يعتقد أنه يمكنه التعايش مع ذلك. من المهم كيف تبدو الأمور من "البنتاغون" في واشنطن، فهناك عولوا على غالانت كرجل للاتصال الرئيسي في الحكومة المتطرفة والخطيرة التي تشكلت في إسرائيل.
عدم اليقين حول مكانة غالانت – من غير الواضح إذا كان هذا نتيجة تخبط نتنياهو أم محاولة لابتزاز تنازلات من وزير الدفاع – ينزلق أيضا إلى الدول والتنظيمات المجاورة. هل يقدرون في "حزب الله" وفي "حماس" بأنه على رأس جهاز الأمن يقف وزير يعمل بوظيفة جزئية، يعمل إلى جانب رئيس حكومة رأيه مشوش بسبب مشكلاته القانونية والأزمة السياسية الاستثنائية؟ هذا وضع غير صحي تماما كلما مر الوقت وهو يحدث في ذروة فترة أمنية متوترة.
غالانت، باستثناء ظهوره في لجنة الخارجية والأمن وزيارة الجنود المصابين، قلل من ظهوره في النشاطات العامة منذ قرار إقالته. تحته، يحاول رئيس الأركان، هرتسي هليفي، أن يبدأ بحذر محاولة إصلاح أضرار الفترة الأخيرة التي هو غير واثق كليا بأنها انتهت. أول من أمس، قام بزيارة قاعدة سلاح الجو، رمات دافيد، وكأنه يريد القول، "عدنا إلى الوضع الطبيعي. على الأقل في هذه الأثناء من المرجح أن بعض الطيارين في الاحتياط الذين علقوا خدمتهم، سيعودون إلى التدريبات إلى حين يتضح إذا عاد الائتلاف إلى جهود التشريع".
احد التطورات المقلقة جدا في هذا الأسبوع تتعلق بالوعد الذي أعطاه نتنياهو لبن غفير بشأن تشكيل الحرس الوطني. الحديث يدور في الواقع عن سلسلة من التعهدات السابقة التي لم يتم تنفيذها (هذا مفاجأة، مفاجأة). لم يتم بعد تحديد ميزانية أو إجراءات منظمة، وتجد الشرطة أيضا صعوبة في تجنيد رجال شرطة جدد. وحتى الآن مبدئيا يوجد لدينا مدخل لإقامة كتائب ثورية، من نوع "باسيج" إسرائيلي بروحية الأصل الإيراني، التي خدمت مباشرة النظام.
بعد نداءات واضحة من قبل نتنياهو فإن إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش وآخرين أخرجوا إلى الشوارع ليس فقط مئات الأعضاء في تنظيمات عنيفة مثل "لافاميليا" و"لاهفاه". في القدس، هاجم وأصاب مؤيدو بيطار مراسل "حداشوت 13"، يوسي ايلي، والمصور آفي كشمان. وهاجم مشاغبون آخرون سيارة فلسطيني، حيث تم إنقاذه من عملية فتك بعد تدخل المواطنين. في بيسان، وضع نشطاء من "الليكود" حاجزا طيارا، وقاموا بـ"عملية انتقاء" من اجل منع مجيء أعضاء كيبوتسات إلى التظاهرة. وفي المساء عندما بدأ الجمهور يتفرق بعد انتهاء التظاهرة في تل أبيب انطلقت عصابات صيد من أوساط مؤيدي فريق بني يهودا خلف المتظاهرين الذين تواجدوا في شوارع جانبية ومظلمة في محاولة للمس بهم.
هذه مجموعات منفلتة العقال، تعمل طبقا لإشارات من الأعلى. إذا لم يبدأ "الشاباك" والشرطة بعلاجها بصورة منهجية وعميقة اكثر فإن أحد هذه الأحداث يمكن أن ينتهي بالقتل. قام "الشاباك" مرتين في السنوات الأخيرة بفحص إخراج "لاهفاه" خارج القانون، لكنه توصل إلى الاستنتاج بأنه لا يوجد لديه ما يكفي من الأدلة للإعلان عنها تنظيما إرهابيا. أول من أمس، اعلن "الشاباك" والشرطة أنهم اعتقلوا قرب التظاهرة في القدس ثلاثة نشطاء من اليمين وهم يحملون مسدسا مرخصا. نشر الثلاثة في الشبكات الاجتماعية فيديو هددوا فيه بالمس بالمتظاهرين ضد الانقلاب. هذه بداية جيدة، لكن يمكن الافتراض أنه في الخارج يوجد كثيرون يتجولون ولديهم نوايا خبيثة مشابهة.
عن "هآرتس"