هل ستندلع حرب أهلية في إسرائيل؟

b4074a08395cccfa2439721cb44bffc8.jpg
حجم الخط

بقلم أكرم عطا الله

 

 

 

بدأت جلسات الحوار في بيت الرئيس الإسرائيلي بين الكتلتين المتصارعتين والذي يصفه الكاتب يوسي كلاين بـ "النكتة"، وهو كذلك في سياق معرفة توازنات القوة وتلاشي القواسم المشتركة وتعارض المصالح حد العظم، قد يعلق بعض الفلسطينيين بأنه نكتة أشبه تماماً بحوارهم، وهذا ما يتمنونه في دولة أعلن رئيس وزرائها أنه يعمل على إدامة الانقسام بينهم، ها هي إسرائيل تنقسم أيضاً.
انحناءة مؤقتة أمام العاصفة، هكذا يمكن وصف إعلان نتنياهو تعليق الإصلاحات. ولكنها وفقاً للمناخات المتوفرة لا تؤهل للاستقرار طويلاً، فقد نزلت الأطراف عن الجبل لا لتحقيق الهدنة بل لإعادة تنظيم صفوفها من جديد، كل منهم يتفقد امكانياته وقدراته ويعد نفسه للجولة القادمة، فالمعارضة التي جرب زعماؤها كيف خدعهم نتنياهو واحداً واحداً وألقى بهم خارجاً على الأغلب هذه المرة لن يقدموا أي تنازل، وخاصة أنهم يتكئون على الدولة العميقة وأذرعها الأمنية، وكذلك السلطة القضائية وهذا الحجم من المتظاهرين الذين يبدون استعداداً عالياً للقتال من أجل الحفاظ على هوية الدولة.
كذلك ائتلاف السلطة الحاكم الذي اضطر للتراجع تحت وطأة الضغوطات الداخلية والخارجية والتي بلغت ذروتها وتكاملها بعد إقالة وزير الدفاع يوآف غالنت، والتي تسببت بهذا القدر من الغضب الأميركي الذي يشكل سابقة في العلاقة بين الدولتين، فالتعبير المعلن عن هذا الخلاف ليس لجهة اصرار نتنياهو على تجاهل كل التحذيرات الاميركية السابقة واستمراره بالدفع بمشروعه الذي يعني تلاشي الأساس المشترك بين قيم الدولتين، بل لجهة اكتشاف كذب نتنياهو الذي يصرخ ليل نهار ضاغطاً على الإدارة الأميركية مضخماً الخطر الإيراني، مطالباً بإيجاد حل عسكري، فلا أحد يقيل وزير دفاعه في لحظة خطر كهذه إلا أن يكون كاذباً ومخادعاً.
الائتلاف الحاكم أيضاً يتكئ على حكومة مشتركة المصالح والقيم اليمينية والبرنامج السياسي، وتقوم على أربعة أحزاب أيدلوجية متماسكة تعتبر أن وجودها في الحكم هو مسألة تأخذ طابعاً ورسالة دينية، ولن تسمح بسقوط الحكومة مهما حصل، وهذا أعلنه بن غفير حين هدد بالاستقالة، لكنه استدرك أن ذلك لا يعني إسقاط الحكومة ولديها شرعية الناخب الذي تفهمه وفقاً لرؤيتها أنه يتيح لها تجريف كل القديم بما فيها هوية الدولة، وكما كل الأيدلوجيين فقد علّق الائتلاف إقرار القوانين كخطوة للوراء للتقدم خطوتين، وليعيد تصليب جبهته التي اكتشف في لحظات المعركة الأخيرة انها تشهد ضعفاً في خاصرة رخوة لم تكن بالحسبان.
لذا يجري الحديث عن تخيير يوآف غالانت بين وزارة الدفاع وعضوية الكنيست في محاولة لإخلاء مقعده التصويتي حين يتطلب الأمر، ويجري تجهيز الحرس الوطني لبن غفير بعد أن اكتشف أيضاً أن قادة الشرطة الإسرائيلية ليس فقط لا ينفذون الأوامر كما يجب، بل أيضاً يصعب إقالتهم كما حدث مع قائد شرطة تل أبيب عامي أشاد، الأمر الذي يتطلب جهازاً أكثر فعالية وصرامة في مواجهة المتظاهرين.
التراجع المؤقت من قبل بنيامين نتنياهو وقدرته على احتواء الموقف يؤكد التعهدات التي قطعها لشركائه بأن الخطوة مؤقتة وسيتم استكمالها، وهو ما نشره زعيم المعارضة يائير لابيد من خلال رسالة أرسلها ياريف ليفين وزير القضاء الذي كان يهدد بالاستقالة في حال وقف الإصلاح، الى جمهور الليكود، إذ إن الائتلاف بتركيبته الحالية وثقافته الأيدلوجية وجملة المصالح المترابطة تجعل من التراجع مسألة تكاد تكون صعبة ولا خيار سوى الاستمرار.
مصطلح الحرب الأهلية في إسرائيل ظهر للعلن منذ أن بدأت المعارضة النزول للشارع ونجاحها في تحريكه هذا النجاح الذي فاجأها حتى وزاد من إصرارها وتصلبها في مواجهة تحالف نتنياهو. ومع تصريحات بن غفير سموتريتش والمساعدين وقادة الائتلاف كان واضحاً أن الأمور تندفع للصدام، وهو ما ورد في تحذيرات نُخب كبيرة في الدولة من أن اسرائيل تندفع باتجاه هذه الحرب الأهلية التي وصل بعضهم للقول إنها ستؤدي إلى دمار الدولة.
لن تكون هناك حرب أهلية طالما اليمين في السلطة ويدير الحكم ويقبض على الإمكانيات، تاركاً المعارضة أن تفعل ما تريد في الشارع، فتكوينه الأيدلوجي يجعله يتعامل مع الأمر باستخفاف ويعطي تفسيرات أخرى لما يحدث، على نمط أن هذه تظاهرات حلاوة روح الحكم الذي تم خلعهم منه أو للرغبة بإسقاط الحكومة مستغلين مسألة هامشية ليس أكثر، هذا ما جعل اليمين مطمئناً وليس بحاجة لأن يستنفر قوته في الشارع، فهو ليس في لحظة غضب ليعبر عنها بما يملك من قوة، وهي قوة جماعات الزعران التي تتخذ أسماء مثل لهافاة أو شبيبة التلال وغيرها.
إسرائيل كما كل المجتمعات ليست محصنة من الصراع الداخلي حين تصبح ظروفه مهيّأة وحين تنشأ مجموعتان لهما نفس القوة أو هكذا ترى كل واحدة. وليس صحيحاً أن الحرب الأهلية تنشأ في العالم العربي أو العالم الثالث فقط، فالتاريخ شاهد على حروب أهلية في أوروبا نفسها، كحرب أسبانيا والحرب في يوغوسلافيا والبوسنة، لكن الحرب في إسرائيل تحتاج أن يتلقى اليمين الديني صفعة الخسارة، حينها سيتم إطلاق مجموعاته في الشارع بكل عنفها، تلك المجموعات التي تشكل المستوطنات في الضفة توربينات شحنها ومنتجها الثقافي والقومي والديني.
المتدينون هم أكثر جرأةً على استعمال العنف، هكذا دلت التجربة في أكثر من مكان في العالم، لكن شرارة العنف ستنطلق فقط حين تحدث الخسارة. رأينا ذلك في أكثر من دولة، وفي إسرائيل ستحدث إذا تمت هزيمة مشروعهم بالإصلاحات، هزيمة معلنة كما تخطط المعارضة لا تعليقاً فقط، أو إذا ما تسببت التظاهرات بإسقاط الحكومة سيخرجون للشارع وتبدأ المعارك يساندهم حرس بن غفير، وقد حصلت بروفة بسيطة يوم أعلن نتنياهو عن تعليق خطة الإصلاح، لم يكن المشروع قد انهزم ليتسبب بالغضب الذي يكفي كذخيرة حرب، فقط كان الأمر أشبه باستعراض المنتصر الذي تراجع خطوة ليتقدم، لكن استعراض الهزيمة مختلف.