إهانة بايدن أوضحت لنتنياهو كيف يرى العالم الغربي إسرائيل الآن

عاموس-هرئيل.jpg
حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل

 

 



إذا طُلب دليل آخر على الحضيض غير المسبوق الذي أوصلت إليه حكومة نتنياهو الدولة في أزمة الانقلاب النظامي فإنه جاء، الثلاثاء الماضي، على شكل تصريح للرئيس الأميركي، جو بايدن. قام الرئيس الأميركي بخطوة أشبه بتدخل أخير لأقارب وأصدقاء من أجل إنقاذ عضو تورط في مشكلة. بلغته غير الدبلوماسية تماما قال جو بايدن للإسرائيليين الحقيقة كاملة في وجوههم. حسب قوله هو قلق جدا من المسار الذي تسير فيه الدولة، وهو يأمل في أن يترك رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، هذا المسار. دعوة نتنياهو إلى البيت الأبيض؟ هذه لن تكون "في القريب".
هذه هي الإهانة الثانية خلال سلسلة طويلة من اللكمات التي يتلقاها رئيس الحكومة في الساحة الدولية منذ استكمل تشكيل الائتلاف قبل ثلاثة اشهر. أراد نتنياهو أن يستقبل في زيارات رسمية في دولتين مهمتين بالنسبة له، الولايات المتحدة والإمارات (والحفاظ على وهم التطبيع السريع وزيارة علنية أولى للسعودية). فعليا، حدث العكس بالضبط. ففي واشنطن، مثلما في أبو ظبي، يتجاهلون توقعات نتنياهو بزيارة البيت الأبيض، ويطلقون إشارات بأنه لا يوجد أي شيء سويّ في العلاقات. حاكم الإمارات، الشيخ محمد بن زايد، أدار السكين، هذا الأسبوع، عندما سمح بنشر تقرير وصورة من لقاء شخصي أجراه في قصره في أبو ظبي مع رئيس الحكومة السابق، نفتالي بينيت.
رغم أن واشنطن لم تتخذ بعد خطوات ملموسة ضد إسرائيل، إلا أن المباشرة وقوة النقد تذكران بأزمة الضمانات مع إدارة بوش في 1991، في حينه شكلت الأزمة المقدمة لهزيمة رئيس الحكومة في حينه، اسحق شامير، في الانتخابات التي أجريت بعد سنة. أيضا بدأت الاستطلاعات تذكر نتنياهو بأواخر ولاية شامير، الشخص الذي قام في فترته بخطواته الأولى في الساحة الحكومية نائباً لوزير الخارجية (بعد ذلك لقب نتنياهو بـ"ملك التخريب").
أول من أمس ظهراً، قال نتنياهو، إنه كانت توجد لإسرائيل والولايات المتحدة في السابق اختلافات في الرأي، لكن "لا شيء سيضعضع التحالف بين الدولة الديمقراطية الكبرى في العالم وبين إسرائيل، التي هي دولة ديمقراطية مستقلة وقوية في قلب الشرق الأوسط".
إلى جانب الصدمة التي أثارتها أقوال بايدن، الثلاثاء الماضي، التي ربما يمكن مقارنتها فقط بعاصفة إقالة وزير الدفاع يوآف غالانت في بداية الأسبوع، ظهرت أمور أخرى. الأمر الأول هو أن هذه المعاملة يظهرها بايدن، الصديق الحقيقي لإسرائيل والذي تولى منصبه مع نية واضحة للحفاظ على علاقات وثيقة ومثمرة مع إسرائيل. الأمر الثاني هو أن سياسيا مجربا وله خبرة مثل نتنياهو نجح في توريط نفسه في مشكلة صعبة كهذه، خلال شهرين أو بضعة اشهر فقط.
على خلفية الواقع الاستراتيجي الذي يصفه نتنياهو نفسه والاستحواذ الذي أظهره طوال السنين للتهديد الإيراني، كان يمكن أن نتوقع أنه منذ لحظة عودته إلى الحكم سيكرس نتنياهو كل جهوده لوقف المشروع النووي الإيراني. بدلا من ذلك اندفع إلى الأمام مع الانقلاب النظامي، وتوقف، هذا الأسبوع، عندما واجه حائطاً من المعارضة، وهو حتى الآن يخطط لاستئناف إجراءات التشريع في اللحظة التي يكون فيها ذلك ممكنا. أيضا، أول من أمس، في الوقت الذي كان فيه صدى أقوال الرئيس الأميركي لا يزال غضا انشغل مقربو ومبعوثو الحكومة بالدفع قدما بصورة حثيثة لموضوع هامشي ومثير للاشمئزاز بالنسبة له، وهو قانون الهدايا. سحب الائتلاف القانون، صباح أول من أمس، لكن الانشغال به يدل على سلم الأولويات الحقيقي لنتنياهو.
قرأ بايدن، كما يبدو، المقال الأخير لكاتب الأعمدة المحبب إليه في "نيويورك تايمز"، توماس فريدمان، الذي وصف فيه نتنياهو بأنه الزعيم غير العقلاني الأول لإسرائيل، وحذر من أن نشاطاته تعرض للخطر المصالح الأميركية. وطلب من الرئيس أن يقيم قناة اتصال مع الجيش الإسرائيلي للتأكد من أن الأمور لن تخرج عن السيطرة. شخص معين أيضا بالتأكيد أبلغ الرئيس بأن نجل نتنياهو، يائير، ينشر نظريات مؤامرة مسممة تفيد بأن الإدارة الأميركية تمول التظاهرات ضد والده.
رد نتنياهو بشكل مقتضب على أقوال بايدن، وقال، إن إسرائيل هي دولة ذات سيادة وتتخذ قراراتها حسب رغبة الشعب. هو لا يريد أو لا يستطيع إسكات سلسلة من أعضاء الكنيست أو وزراء في الائتلاف تطاولوا في الرد على الأميركيين مع إظهار عدم فهم مطلق لطبيعة العلاقات وعلاقات القوة بين الدولتين. مع ذلك، ربما أن تفاقم الأزمة مع الولايات المتحدة سيدفع نتنياهو إلى محاولة إزالة أزمة غالانت عن جدول الأعمال. لم يتسلم وزير الدفاع بعد رسالة إقالة رسمية رغم أنه مر ثلاثة أيام منذ إعلان رئيس الحكومة بشأن إقالته. في هذه الأثناء يواصل غالانت عمله وكأن شيئا لم يحدث، ويتجاهل نتنياهو الأمر ببساطة.
من الواضح أن سلسلة الفضائح تضعف اكثر قوة نتنياهو ومكانته العامة، في الوقت الذي تقلص هامش المناورة السياسية التي لديه. قام بايدن بوضع مرآة أمام وجوه الإسرائيليين، وأوضح لنا كيف يرانا العالم الغربي الآن. بالتحديد توفر حركة الاحتجاج القليل من العزاء بإخلاص رجالها ونجاحهم المؤقت، هذا الأسبوع، في وقف إجراءات التشريع. هذه بالضبط الخطوات التي ترفع سمعة إسرائيل في الولايات المتحدة وفي أوروبا رغم سلوك الحكومة.
في الخلفية يكمن في الظل تهديد اشتداد العنف. ليس بالصدفة أن عصابات من زعران كرة القدم و"شبيبة التلال" قد انقضوا بالتحديد، هذا الأسبوع، على المتظاهرين ضد الحكومة في شوارع المدن. أحد ما قام بإطلاق هذا النمر على أمل أن يحرف العنف الاحتجاج عن مساره، ويؤدي إلى الدعوة للحوار السياسي الذي في إطاره يقوم نتنياهو بإعداد إمكانيات لعملية بديلة.

عن "هآرتس"